علم اللاهوت والكنيسة - خدمات ليجونير
ما هو لاهوتنا؟
۷ سبتمبر ۲۰۲۱
علم اللاهوت والحياة اليوميَّة
۷ سبتمبر ۲۰۲۱
ما هو لاهوتنا؟
۷ سبتمبر ۲۰۲۱
علم اللاهوت والحياة اليوميَّة
۷ سبتمبر ۲۰۲۱

علم اللاهوت والكنيسة

إن علم اللاهوت، أي الحق الذي من الله وعن الله، نافعٌ لحياة الكنيسة. فإنَّ يسوع يبني كنيسته عن طريق صُنع تلاميذ يتبعونه، مُعترفين بالحق الذي مفاده أنه هو "الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ" (متى 16: 16). والتلاميذ هم أولئك الذين يعطيهم الرب يسوع حياة، حتى يسلكوا في طريقه بحسب حقِّه، كما قال المسيح: "إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلَامِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلَامِيذِي، وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يوحنا 8: 31-32).

في الإرساليَّة العظمى، أرسل الرب يسوع تلاميذه كي يتلمذوا آخرين، ويبنوا كنيسته في كلِّ أنحاء العالم. وكيف كان على التلاميذ أن يتلمذوا آخرين؟ أَجمَل يسوع هذه المُهمَّة الضخمة في فكرتين موجزتين على نحو لافت للنظر: سيتلمذ تلاميذه آخرين عن طريق تعميدهم، وكذلك عن طريق تعليمهم. لو لم تكن هذه الكلمات التي قالها يسوع مألوفة للغاية، لوجد كثيرون هذا المُلخَّص مثيرًا للدهشة إلى حدٍّ ما. ربما كنَّا لنتوقَّع وجود التكليف بالتعليم، إلَّا أنَّ إضافة التكليف بالتعميد في هذا المُلخَّص المُوجَز ربما كان أمرًا غير مُتوقَّع. لكن المفاجآت تحفِّز على التأمُّل والتفكير. وعندما نُفكِّر في الأمر، نرى كم هو ملائم ومفيد.

نرى من خلال هذه الإرساليَّة أن التلمذة مُكوَّنة من جزأين: ضمُّ التلاميذ، وبنيانهم. فالتلاميذ هم الذين يُضَمُّون بالمعموديَّة، ويُبنَون بالتعليم المُغيِّر للحياة.

يلفت يسوع انتباهنا إلى المعموديَّة ليس بمعناها ضيِّق النطاق المُتعلِّق بطقس معموديَّة المياه، بل بمعناها الأوسع نطاقًا المُتعلِّق بكلِّ ما تشمله المعموديَّة. نستطيع رؤية ذلك بوضوح في خدمة يوحنَّا المعمدان. فإن خدمة المعموديَّة التي قام بها اشتملت على كرازته بالأخبار السارة (لوقا 3: 18)، ودعوته إلى التوبة (الآية 3)، وإصراره على وجود ثمار التوبة (الآية 8). فالمعموديَّة تشمل كلًّا من الكرازة بوعود الله، والدعوة إلى تقديم الاستجابة السليمة لتلك الوعود. فالمعموديَّة بالحقيقة تضم التلاميذ، داعيةً إيَّاهم إلى بدء حياة الإيمان.

المعموديَّة، بهذا المعنى، أساسيَّة وضروريَّة كي يكون المرء تلميذًا، لأنها تقدِّم وعود الله، وتدعو الذين يعتمدون أيضًا إلى حياة الإيمان والتكريس. والوعد الأساسي الذي يقطعه الله للخطاة في المعموديَّة هو أنه سيغسل خطاياهم، ويغفرها. وعندما حدَّد يسوع في الإرساليَّة العظمى أن تلاميذه سيُعمِّدون باسم الآب، والابن، والروح القدس، أظهر بهذا أن وعد المعموديَّة صادر عن الإله الواحد في ثالوث، وأنَّ الثالوث هو الضامن لهذا الوعد.

وإن نص المعموديَّة الليتورجي الخاص بالكنائس الهولنديَّة المُصلَحة، الذي كُتِب في القرن السادس عشر، واستُخدِم طيلة قرون في تلك الكنائس، يستفيض بشكل جيِّد في شرح الأدوار والوعود المُميَّزة المُتَّصلة بكل أقنوم من أقانيم الثالوث. يوضِّح هذا النص الليتورجي ما تعنيه المعموديَّة، وما تَعِد به شعب الله، وليس ما تُحقِّقه مياه المعموديَّة في كل مَن يعتمد. ففي المعموديَّة، يَعِد الله الآب بأن "يقطع معنا عهد نعمة أبديًّا، ويتبنَّانا لنكون أبناءً وورثة". وفي المعموديَّة، يَعِد الله الابن بأن "يغسلنا بدمه من كلِّ خطايانا، ويضمَّنا إلى شركة موته وقيامته، حتى نُعتَق من خطايانا، ونُحسَب أبرارًا أمام الله". وفي المعموديَّة، يَعِد الله الروح القدس بأن "يَسكُن فينا، ويُقدِّسنا... إلى أن نُحضَر في النهاية بلا عيب ولا لوم، وسط جماعة المُختارين، إلى الحياة الأبديَّة". هذه الوعود التي تُقطَع في المعموديَّة تُعبِّر عن لُبِّ ومحور رجائنا في الإنجيل. فالمعموديَّة ليست مُجرَّد طقس خارجي، أو عمل تقوم به الكنيسة أو المؤمن، لكنَّها في المقام الأول "كلمة منظورة" تُعبِّر عن كلمة وعد الإنجيل التي يُكرَز بها، كما نقرأ: "كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَيَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" (مرقس 1: 4).

في طقس المعموديَّة الليتورجي الخاص بالكنائس الهولنديَّة المُصلَحة، يُوضَّح لاهوت المعموديَّة أمام الكنيسة. فهو يُبيِّن معنى المعموديَّة من جانب الله من خلال الوعود التي تُقطَع، وكذلك معناها من الجانب البشري من خلال الدعوة إلى التكريس. ويُعبَّر عن هذه الدعوة إلى التكريس بقوة على النحو التالي:

ففي كل العهود هناك جزئين. فإنَّنا بالله، ومن خلال المعموديَّة، نُحَث ونُلزَم بوصيَّة جديدة، وهي أن نلتصق بهذا الإله الواحد، الآب، والابن، والروح القدس؛ ونتَّكل عليه، ونحبه من كل قلبنا، ونفسنا، وفكرنا، وقدرتنا؛ وكذلك أن نترك العالم، ونصلب طبيعتنا العتيقة، ونسلك في حياة التقوى. وإن حدث وسقطنا في بعض الأحيان بسبب ضعفنا، يجب ألَّا نيأس من رحمة الله، وألا نلبث في خطايانا، لأن المعموديَّة ختم وشهادة لا تقبل الشك بأن لنا عهدًا أبديًّا مع الله.

وأن يكون المرء تلميذًا معناه أن يستمع إلى الوعود، ويؤمن بها، ويسلك بموجبها.

تربطنا المعموديَّة بالضرورة بالكنيسة. فالمعموديَّة لم تكن قط فرديَّة، إذ يجريها دائمًا شخص آخر. فالمعموديَّة تُؤدِّيها الكنيسة، وتُمارَس داخل الكنيسة. فالحياة المسيحيَّة ليست حياة انعزاليَّة، بل هي حياة تُعَاش في وسط جماعة الإيمان. فالمسيح يبني كنيسته، وعلينا أن نكون أعضاءً فيها، ليس فقط في ارتباط شكلي، بل بأن تكون الكنيسة جزءًا هامًّا من حياتنا كتلاميذ.

بالإضافة إلى وصيَّة يسوع بالمعموديَّة، يوصينا أيضًا بالتعليم من أجل بنيان حياة شعب الله. فطوال خدمة يسوع على الأرض، علَّم بما كان على تلاميذه أن يعرفوه، وكيف كان ينبغي أن يعيشوا له. ثم واصل رسله عمل التعليم هذا، حاملين سلطانه الكامل. وإنَّ تعاليم يسوع، سواء من خلال خدمته على الأرض أو من خلال رسله، قد جُمِعت وحُفِظت في الكتاب المُقدَّس لفائدة كنيسته. والكنيسة التي تتبع المسيح بأمانةٍ تُعلِّم فكره اللاهوتي من الكتاب المُقدَّس، حتى يعرف المؤمنون الحق، ويسلكوا بموجبه.

هذه المُهمَّة التعليميَّة مُهمَّة عظيمة. فيسوع لا يدعو كنيسته إلى تعليم الحقائق الأساسيَّة، أو بعض الحقائق، أو حتى الكثير من حقائق كلمة الله؛ لكنَّه بالأحرى كلَّفنا بتعليم كل ما أوصانا به. ربما نضع بعض الحقائق كأولويَّة، لكن ليس لنا الحق أن نحذف أيًّا منها. فهو يدعونا إلى معرفة شاملة بهذه المشيئة، وإلى حياة كاملة مُكرَّسة له.

من أكبر المخاطر التي يمكن أن تسبِّبها الكنائس لنفسها هي أن تعبث بتعليم الكتاب المُقدَّس. ويمكنها أن تفعل ذلك عن طريق رفض البعض من تعاليم يسوع، أو تحريفها، أو تجاهلها، أو الإضافة إليها. تحذف الكنائس الليبراليَّة التعاليم غير المقبولة لعقولها، سواء من الناحية الفكريَّة أو الأخلاقيَّة. وحاولت الكنائس الإنجيليَّة في كثير جدًا من الأحيان أن تجعل المسيح أكثر جاذبيَّة لغير المؤمنين عن طريق تعليم إنجيل مُبسَّط أو مُخفَّف.

في المقابل، حاولت الكنائس المُصلَحة أن تكون كتابيَّة على نحو شامل في تعليمها، الأمر الذي ينعكس في معاييرها الإيمانيَّة، المُفعَمة بالعقيدة والمبادئ الأخلاقيَّة.

في الكنيسة، كلٌّ من الرعاة والشعب مسؤولون عن التعليم الشامل. فالرعاة يجب أن يُخطِّطوا بعناية لما سيُعلِّمون به، وللكيفيَّة التي سيُوصلونه بها، على نحو يساهم حقًّا في بنيان الشعب. وكلمة الله هي مُستودع الحق للكنيسة، وعلى رعاة الكنيسة أن يُعلِّموا بها. كذلك، عليهم أن يُقاوموا الضغوط التي تدفعهم إلى أن يصيروا دعاة للتسلية، أو علماء نفس.

كذلك، على شعب الله، ولا سيَّما في مجتمع ديمقراطي، القيام بواجب شديد الخطورة. فعليهم أن يُشجِّعوا رُعاتهم على أن يُعلِّموا مشورة الله الكاملة. كما عليهم أن يطلبوا ويُؤيِّدوا في حماس مثل هذا التعليم. لو لم يحدث ذلك، ستظل الكنيسة غير ناضجة على نحو خطير. كتب بولس مُحذِّرًا مؤمني كورنثوس قائلًا: "وَأَنَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَالٍ فِي الْمَسِيحِ، سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لَا طَعَامًا، لِأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ الْآنَ أَيْضًا لَا تَسْتَطِيعُونَ، لِأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ" (1 كورنثوس 3: 1-3). وهذه الفكرة نفسها تُطرَح في الرسالة إلى العبرانيِّين:

اَلَّذِي مِنْ جِهَتِهِ الْكَلَامُ كَثِيرٌ عِنْدَنَا، وَعَسِرُ التَّفْسِيرِ لِنَنْطِقَ بِهِ، إِذْ قَدْ صِرْتُمْ مُتَبَاطِئِي الْمَسَامِعِ. لِأَنَّكُمْ -إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ- تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ، لَا إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلَامِ الْبِرِّ لِأَنَّهُ طِفْلٌ، وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. (5: 11–14)

فالكنائس غير الناضجة والمؤمنون غير الناضجين لا يزالوا عالقين في الجسد، ومن ثمَّ، فقد أصبحوا مُتباطئي المسامع. لكنَّ الكنيسة الناضجة تستمع في حماس إلى كلمة الله، كي تتعلَّم وتُدرَّب على التمييز والبر.

تحتاج الكنيسة إلى علم اللاهوت حتى تتلمذ آخرين، سواء الذين يُضَمُّون إلى الكنيسة، أو الذي يُبنون في الحق. وإن هيئة ليجونير تُكرِّس جهودها لتقديم محتوى تعليمي أمين، من أجل الإسهام في بنيان التلاميذ في الحق.

لن تتحقَّق إرساليَّة الرب يسوع العُظمى التي تتعلَّق بالتلمذة بالكامل إلى أن يُضَم جميع مختاري الله إلى الكنيسة. لدينا الكثير لنفعله في خضم ظروف وأحوال صعبة. لكن لدينا الوعد العظيم من الرب يسوع بأن يدعمنا ويحفظنا في أثناء تتميمنا لدعوتنا: "وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الْأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (متى 28: 20).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

روبرت جودفري
روبرت جودفري
الدكتور روبرت جودفري هو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير والرئيس الفخري لكليَّة وستمنستر للاهوت في كاليفورنيا والأستاذ الفخري لتاريخ الكنيسة بها. وهو الأستاذ المُميَّز في سلسلة ليجونير التعليميَّة المُكوَّنة من ستَّة أجزاء بعنوان "مسح شامل لتاريخ الكنيسة" A Survey of Church History. تشمل كتبه العديدة "رحلة غير مُتوقَّعة" An Unexpected Journey، و"تعلَّم أن تُحبَّ المزامير" Learning to Love the Psalms.