الإيمان وحده
۲۸ مايو ۲۰۲۰التكليف العظيم
۱ يونيو ۲۰۲۰قانون الإيمان الأثناسي
"كلُّ مَن ابتغى" (quicumque vult) — هذه العبارة هي العنوان المنسوب إلى ما يُعرف بقانون الإيمان الأثناسي. لطالما أُطلق عليه قانون الإيمان الأثناسي لأنه لقرون نسب الناس تأليفه إلى أثناسيوس، البطل العظيم للإيمان المستقيم عن الثالوث خلال أزمة الهرطقة الأريوسيَّة التي ظهرت في القرن الرابع. ركَّزت هذه الأزمة اللاهوتيَّة على طبيعة المسيح وبلغت ذروتها في قانون الإيمان النيقاوي لعام 325. في مجمع نيقية في ذلك العام كان مصطلح "نفس الجوهر" (homoousios) هو الكلمة المثيرة للجدل التي ارتبطت في النهاية باعتراف الكنيسة عن شخص المسيح. بهذه الكلمة، أعلنت الكنيسة أن الأقنوم الثاني في الثالوث له نفس طبيعة أو جوهر الآب، وبهذا أكَّدت أن الآب، والابن، والروح القدس متساوون في الطبيعة والسرمديَّة. على الرغم من أن أثناسيوس لم يكتب قانون الإيمان النيقاوي، إلا أنه كان البطل الرئيسي وراء هذا القانون ضد الهراطقة الذين قد تبعوا أريوس، الذين قالوا إن المسيح كان مخلوقًا مُمجَّدًا لكنه كان أقل من الله.
توفِّي أثناسيوس في عام 373 ميلاديًّا، واللقب الذي ظهر على علامة قبره مشهورة الآن، لأنه يجسِّد طبيعة حياته وخدمته. مكتوب ببساطة: “Athanasius contra mundum” أي "أثناسيوس ضد العالم". عانى هذا القائد المسيحي العظيم من النفي عدة مرات خلال الجدل الأريوسي المرير بسبب إيمانه الثابت الذي استمر في إقراره بالإيمان المستقيم عن الثالوث.
على الرغم من أن اسم "أثناسيوس" تم إطلاقه على قانون الإيمان على مر القرون، فإن العلماء المعاصرين مقتنعون بأن قانون الإيمان الأثناسي قد كُتب بعد وفاة أثناسيوس. من المُؤكَّد أن تأثير أثناسيوس اللاهوتي هو جزء لا يتجزَّأ من قانون الإيمان، ولكن في جميع الاحتمالات لم يكن هو مؤلفه. يتبع العنوان الحالي "كلُّ مَن ابتغى" (quicumque vult) تقليد الكنيسة الكاثوليكيَّة المُستخدم في الخطابات البابويَّة والبيانات العقائديَّة. تأتي عناوين هذه التصريحات الكنسيَّة من الكلمة أو الكلمات الأولى في النص اللاتيني. يبدأ قانون الإيمان الأثناسي بكلمات quicumque vult والتي تعني "كلُّ مَن ابتغى"، وهي عبارة افتتاحيَّة تُمهِّد للتأكيد الأول لقانون الإيمان الأثناسي. وهذا التأكيد هو: " كلُّ مَن ابتغى الخلاص وجب عليه، أولاً وقبل كل شيء، أن يتمسَّك بالإيمان الجامع الشامل". يسعى قانون الإيمان الأثناسي إلى تقديم نسخة مُوجَزة من العقائد الأساسيَّة للخلاص التي أكَّدتها الكنيسة مع ذكر خاص للثالوث.
فيما يتعلَّق بتاريخ أصول قانون الإيمان الأثناسي، يُعتقد بشكلٍ عامٍ حتى الآن أن قانون الإيمان قد كُتب لأول مرة في القرن الخامس — على الرغم من أن القرن السابع مُحتمل أيضًا، نظرًا لأن قانون الإيمان لا يظهر في السجلات التاريخيَّة حتى عام 633 في مجلس توليدو الرابع. وقد كُتب باللغة اللاتينيَّة وليس باليونانيَّة. إن كان قد كُتب في القرن الخامس، فهناك العديد من المؤلفين المُحتَملين بسبب تأثير فكرهم، بما في ذلك أمبروز من ميلانو وأوغسطينوس من هيبو، ولكن من المُحتَمل أن يكون الكاتب هو القديس الفرنسي فنسنت من ليرين (Vincent of Lérins).
يشدِّد محتوى قانون الإيمان الأثناسي على الإقرار بعقيدة الثالوث حيث أن جميع الأقانيم الإلهيَّة غير مخلوقين وسرمديين ومن نفس الجوهر. في الإقرار بالثالوث، تأخذ الطبيعة المُزدوجة للمسيح أهميَّة مركزيَّة. فكما يُعيد قانون الإيمان الأثناسي التأكيد على عقيدة الثالوث المنصوص عليها في القرن الرابع في نيقية، بالمثل يُلخِّص أيضًا التأكيدات القوية لمجمع القرن الخامس في خلقيدونية عام 451. وكما صارعت الكنيسة مع هرطقة أريوس في القرن الرابع، جلب القرن الخامس هرطقات الطبيعة الواحدة (monophysitism)، التي اختزلت شخص المسيح في طبيعة واحدة (mono physis)، أي طبيعة واحدة إلهيَّة-إنسانيَّة لم تكن بالكامل إلهيَّة أو بالكامل إنسانيَّة. في هرطقة الطبيعة الواحدة لأوطاخي (Eutyches)، كان يُنظر إلى شخص المسيح على أنه شخص واحد ذو طبيعة واحدة، وهذه الطبيعة لم تكن إلهيَّة حقًا ولا إنسانيَّة حقًا. في هذا الرأي، تم الخلط بين طبيعتي المسيح أو دمجهما معًا. في الوقت الذي فيه حاربت الكنيسة هرطقة الطبيعة الواحدة، حاربت أيضًا الرأي المقابل للنسطوريَّة، التي لم تسعى كثيرًا لطمس ومزج الطبيعتين ولكن لفصلتهما، ووصلت إلى استنتاج أن المسيح كان له طبيعتين ولذلك كان شخصان، شخص بشري والآخر إلهي. تم إدانة كل من هرطقة الطبيعة الواحدة وبدعة النسطوريَّة بوضوح في مجمع خلقيدونية في عام 451، حيث صرَّحت الكنيسة، وهي تعيد التأكيد على عقيدة الثالوث القويمة، بإيمانها أن المسيح، أو الأقنوم الثاني من الثالوث كان vero homo وvere Deus أي إنسان حقًا وإله حقًا. وأعلنت كذلك أن الطبيعتين في اتحادهما الكامل تواجدا بطريقة لم تجعل هناك اختلاط، أو امتزاج، أو انفصال، أو انقسام، حيث تحتفظ كل طبيعة بصفاتها الخاصة. لذلك في اعتراف إيمان واحد، تم إدانة كل من بدعة النسطوريَّة وهرطقة الطبيعة الواحدة.
أعاد قانون الإيمان الأثناسي التأكيد على التعاليم المُميزة التي نراها في مجمع خلقيدونية، حيث يُدعى المسيح في قانون الإيمان الأثناسي "إلهٌ كاملٌ وإنسانٌ كاملٌ". كل أقانيم الثالوث غير مخلوقين وبالتالي فهم أزليون. أيضًا اتبع قانون الإيمان الأثناسي التأكيدات السابقة له بأن الروح القدس منبثق من الآب و"الابن"، مؤكِّدًا على ما يطلق عليه مفهوم filioque (والابن) الذي كان مثيرًا للجدل مع الكنيسة الأرثوذكسيَّة الشرقيَّة. فالكنيسة الأرثوذكسيَّة الشرقيَّة حتى يومنا هذا لم تتبنى فكرة filioque.
أخيرًا، تناول قانون الإيمان الأثناسي تجسُّد المسيح وأكَّد أنه في سر التجسُّد، لم تتغيَّر الطبيعة الإلهيَّة أو تتحوَّل إلى طبيعة إنسانيَّة، بل إن الطبيعة الإلهيَّة غير المتغيرة اتخذت طبيعة إنسانيَّة. أي أنه في التجسُّد كان هناك اتِّخاذ لطبيعة إنسانيَّة من قِبِل الطبيعة الإلهيَّة وليس تحوُّل الطبيعة الإلهيَّة إلى طبيعة إنسانيَّة.
يعتبر قانون الإيمان الأثناسي واحد من قوانين الإيمان الرسميَّة الأربعة للكنيسة الكاثوليكيَّة، ومرة أخرى، ينص بعبارات مُوجَزة على ما هو ضروري للإيمان من أجل الخلاص. على الرغم من أن قانون الإيمان الأثناسي لا يحظى بنفس القدر من الشهرة في الكنائس البروتستانتيَّة، إلا أن التعاليم القويمة عن الثالوث والتجسُّد تؤكِّد عليها كل الكنائس البروتستانتيَّة تقريبًا على مر التاريخ.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.