تقوى دورت
۲۸ مايو ۲۰۱۹كيفيَّة قراءة يسوع للكتب المُقدَّسة
۱ يونيو ۲۰۱۹الخضوع للسلطة
كلما أقرأ الكتاب المقدس، خاصة العهد الجديد، أجد موضوعًا يتكرر مرارًا وتكرارًا حول قبول المسيحي الخضوع لمختلف أنواع السُلطات. ونظرًا لروح التمرد لعصرنا هذا، فإن ذلك يفزعني. يسهل للغاية انتهاج سلوكًا يضعنا في تحدٍ علني لسلطان الله.
دعونا ننظر إلى 1 بطرس 2: 11-17:
أيُّها الأحِبّاءُ، أطلُبُ إلَيكُمْ كغُرَباءَ ونُزَلاءَ، أنْ تمتَنِعوا عن الشَّهَواتِ الجَسَديَّةِ الّتي تُحارِبُ النَّفسَ، وأنْ تكونَ سيرَتُكُمْ بَينَ الأُمَمِ حَسَنَةً، لكَيْ يكونوا، في ما يَفتَرونَ علَيكُمْ كفاعِلي شَرٍّ، يُمَجِّدونَ اللهَ في يومِ الِافتِقادِ، مِنْ أجلِ أعمالِكُمُ الحَسَنَةِ الّتي يُلاحِظونَها. فاخضَعوا لكُلِّ ترتيبٍ بَشَريٍّ مِنْ أجلِ الرَّبِّ. إنْ كانَ للمَلِكِ فكمَنْ هو فوقَ الكُلِّ، أو للوُلاةِ فكمُرسَلينَ مِنهُ للِانتِقامِ مِنْ فاعِلي الشَّرِّ، ولِلمَدحِ لفاعِلي الخَيرِ. لأنَّ هكذا هي مَشيئَةُ اللهِ: أنْ تفعَلوا الخَيرَ فتُسَكِّتوا جَهالَةَ النّاسِ الأغبياءِ. كأحرارٍ، وليس كالّذينَ الحُرّيَّةُ عِندَهُمْ سُترَةٌ للشَّرِّ، بل كعَبيدِ اللهِ. أكرِموا الجميعَ. أحِبّوا الإخوَةَ. خافوا اللهَ. أكرِموا المَلِكَ.
يتحدث بطرس إلى أُناس تحت وطأة اضطهاد وحشي وشرس وعنيف — وهذا الاضطهاد يمكن أن يثير داخلنا أسوء رد فعل ممكن يتمثّل في الغضب، والاستياء، والبغضة. لكن هنا يناشد بطرس مَنْ كانوا ضحايا كراهية ثقافتهم أن يسلكوا بحسن السيرة أمام العالم المُراقب. نادى بولس بالمطلب ذاته مرة بعد الأخرى بأن نحاول العيش بسلام بين الجميع قدر المُستطاع.
تقدم "لكَيْ" في الآية 12 توضيحًا رئيسيًا للسيرة الحسنة أمام العالم المُراقب. فعلينا الخضوع للمراتب البشرية. لماذا؟ أجد الإجابة مذهلة ورائعة. يتمثل تحذير الرسول في ضرورة خضوعنا من أجل الرب. لكن كيف تكون الطاعة للمراتب البشرية من أجل الرب؟ وكيف طاعتي لأساتذتي، أو رؤسائي، أو للحكومة تُفيد المسيح بأي شكل من الأشكال؟
لفهم ذلك علينا أ ندرك المعضلة الأعمق التي يتعامل معها كل الكتاب المقدس — وهي معضلة الخطية. يتمثل جوهر الخطية في كونها عمل تمرد وعصيان لقانون أعلى ولمَن وضعه. فالمعضلة الكبرى لهذا العالم هي الإثم. إن السبب في الاعتداء على الآخرين، وقتلهم، وتشويههم في الحروب، والسبب في جرائم القتل والسرقة وما إلى ذلك هو أننا غير خاضعين لشريعة الله. فنحن نعصى ناموس الله قبل أي شيء. فالمعضلة المتأصِّلة في الخليقة جمعاء هي التعدي على الناموس وتحدي السلطة. وسلطة الكون العليا تتمثَّل في الله ذاته.
لكن الله يفوض السلطة، بما أنه يملك ويحكم كل خليقته. يقيم الله حكومات بشرية. نعم إن الله هو مَنْ رتَّب السُلطات في المقام الأول (رومية 13). لذلك فالمؤمنين مدعوّين لإكرام الملك والصلاة من أجله، ودفع ضرائبهم، والخضوع قدر المستطاع للسُلطات في كل أمر — لأن الله هو مَنْ رتّب السُلطات. فضلًا عن أنه يتشارك السلطة المُطلقة مع المسيح الذي قال "دُفِعَ إلَيَّ [من قبل الآب] كُلُّ سُلطانٍ في السماءِ وعلَى الأرضِ" (متى 28: 18). لذا، ما من حاكم في هذا العالم يمتلك أي سُلطة إلا التي أوكلها إليهم الله ومسيحه ملك الملوك ورب الأرباب. وبالتالي، عصيان أوامر الحُكام الأرضيين القانونيّة يعد عصيان واضح لله ولمسيحه لأنهما من عيّنا السُلطات الحاكمة.
لقد استحلَّ العالم الإثم، لكن ينبغي علينا أن نكون مختلفين. فوقتما نجد أنفسنا تحت أي سُلطة — وجميعنا تحت سُلطات عديدة — ينبغي أن نخضع لها. ما من إنسان مستقل في هذا العالم. فالجميع لا يخضعون لحاكم واحد وحسب، بل يخضعون لكثيرين. إن كل من أعرفهم، ومعهم أنا، خاضعين لا لشخص واحد، بل لكل مراتب السُلطة. الق حجرًا على واجهة أي محل، ستكتشف في لحظتها أنك مُسَائَل، وأنك تحت سُلطة، وأن هناك قوانين ينبغي الالتزام بها، وأن هناك ضباط تنفيذ القانون لضمان الالتزام بالقوانين.
إن المسيحيين أحرار في المسيح، لكننا لا ينبغي استخدام حريتنا فرصة للخطية، لأننا حتى لو كنا من جانب أحرار، لكننا من جانب آخر نظل عبيد خاضعين.
فنحن عبيدًا لله. نحن عبيدًا للرب يسوع المسيح. لذا، حتى وإن كانت بقية العالم سائرة في طريق مقاومة السُلطة وضد الخضوع لها، فنحن لسنا مسموح لنا أن ننضم إليها. نحن مدعوون للتدقيق للحفاظ على النظام. يوجد قانون ونظام أقامهم الله بذاته في الكون. ونحن مدعوون للشهادة عن ذلك، حتى ولو عبر الألم ومن خلال الخضوع الشاق، وغير المريح، وأحيانًا المؤلم للقوانين الشرعيّة حتى تلك الخاصة بالسُلطات التي لا تعترف بالله، لأنه حتى هذه السُلطات غير المؤمنة قد وضعها الله.
أعتقد أن جميعنا مررنا بتجارب شعرنا فيها بالصدمة والغضب بسبب سلطة وأوامر نختلف معها بحدة. اسمحوا لي أن أقترح من وجهة نظر عملية، أننا إذا نظرنا إلى هذه المؤسسات البشريّة أو هؤلاء الأشخاص الطغاة، وغير العادلين، والظالمين وكل ما فيهم وينتج عنهم، ساعيين للخضوع لهم بشكل فردي أو حتى مؤسسي، بالنظر إليهم في ذواتهم، سنجد صعوبة بالغة في الخضوع حاملين أي استحسان نحوهم. لكن إن أمكننا النظر من خلالهم، والنظر لما ورائهم، والنظر بتجاوزهم، ونرى الشخص الذي منحه الآب سُلطة كونيّة مُطلقة، أي المسيح ذاته، سيسهل علينا حينها الخضوع. سنجد العون في معاناتنا للخضوع حين ندرك أننا في نهاية الأمر نخضع للمسيح، لأننا نعرف أنه لن يستبدنا أو يسيء معاملتنا.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.