الخضوع للسلطة
۲۸ مايو ۲۰۱۹إكرام الرب من المنبر
٦ يونيو ۲۰۱۹كيفيَّة قراءة يسوع للكتب المُقدَّسة
في أحد المرات لخَّص بى. بى. وارفيلد (B.B. Warfield) سر طبيعتي المسيح فكتب قائلًا: "لأنه إنسان فهو قادر أن ينمو في الحكمة، ولأنه الله فهو منذ البدء الحكمة ذاتها". يشدّد الكتاب المقدس في نفس الوقت أن يسوع هو هو أمسًا، واليوم، وإلى الأبد، وبأنه "كَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ" (لوقا 2: 52). يقر المؤمنون بفهم ما يعنيه أن يسوع لا يتغير أبدًا من حيث كونه الله، ولكنهم يجدون صعوبة أكبر في فهم ما يعنيه أن يسوع كان ينمو في الحكمة كإنسان حقيقي. إن التفسير الذي نكتشفه عن طريق الإشارات الكتابيَّة ربما يدهش الكثير من المؤمنين. باختصارٍ، كإنسان احتاج يسوع أن يتعلَّم الكتب المُقدَّسة.
كان على يسوع أن ينمو في قدرته على التطوُّر البشري بلا خطيَّة إلى الحد الذي يمكن للمرء أن ينمو حسب المرحلة العمرية والخبرة الإنسانيَّة. في سن الثانية عشر، كان يسوع ممتلئ من الحكمة الإلهيَّة بالقدر الذي يمكن لصبي في الثانية عشر من عمره أن يكون ممتلئًا من الحكمة الروحيَّة والنضوج. وفى سن الثلاثين، كان قد اكتسب قدرًا أكبر من الحكمة والنضوج الروحي مما كان لديه وهو بعد في سن الثانية عشر. هذا لا يعنى إطلاقًا أنه كان يعاني من أي نقص مرتبط بالخطيَّة. ولكن يعنى ببساطة أنه كان عليه أن ينمو في قدراته الأخلاقيَّة، والفكريَّة، والروحيَّة كإنسان حقيقي وفي الوقت نفسه لا يكف عن كونه الله. لقد تخلَّى يسوع طوعًا عمَّا كان له بفضل طبيعته الإلهيَّة من أجل أن يصير ممثلًا لنا — أدم الثاني وإسرائيل الحقيقي. كبشر ساقطين في الخطيَّة، نحن نحتاج إلى مخلّصٍ يكون إنسانًا حقيقيًّا. نحتاج إلى نائبٍ عنَّا يكون تحت نفس الالتزامات العهديَّة مثل شعبه (غلاطية 4: 4)، "مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ" (عبرانيين 4: 15).
كإنسان — كوسيط العهد وحافظه — كان على يسوع أن يدرس ويفهم الكتب المُقدَّسة. احتاج أن يقرأ العهد القديم مثلما نحتاج نحن أن نقرأ العهد القديم؛ ولكنه كان يقرأ القديم بطريقة فريدة لكونه مكتوب له وعنه. ويمكننا أن نستنتج أن يسوع كان يعلم أن الله كتب هذه الحقائق له وعنه كلما قرأ الكتب المُقدَّسة.
فهم يسوع أن الله الآب تكلَّم إليه عن طبيعته الأزليَّة والإلهيَّة، وعمله، ومجازاته في إعلان العهد القديم. قدَّم الآب للابن هذا التأكيد الإلهي أثناء معموديته: "أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ" (لوقا 3: 22). احتاج يسوع هذه الكلمات حتى تعينه على اجتياز تجارب إبليس الشرسة في البريَّة. فعندما هاجمه إبليس ثلاث مرات قائلًا: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ..." (متى 4: 3، 6؛ لوقا 4: 3، 9)، قاوم يسوع هذا الهجوم بنصوصٍ من العهد القديم أُعطيت لشعب إسرائيل أثناء تيهانه في البرية وعلى أساس إعلان البنَّوة الذي استقبله من الآب أثناء معموديته. استطاع يسوع أن ينتصر على هجمات الشرير فقط بقدر تمسُّكه بكلمة الآب عن طبيعة شخصه — وبما قاله الله في سفر التثنية عن الصور الرمزيَّة لابن الله في البريَّة (أي إسرائيل؛ انظر خروج 4: 22).
في عبرانيين 1: 4–14، يستخرج كاتب الرسالة على الأقل أربعة أمثلة من العهد القديم فيها يتحدّث الله الآب إلى الله الابن. في مزمور2: 7، يقول الآب للابن: "أَنْتَ ابْنِي"؛ وفى مزمور 45: 6–7 يقول للابن: "كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ"؛ وفى مزمور 102: 25–27 يقول للابن: "مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ"؛ وفى مزمور 110: 1 يقول للابن: "اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي". تحدّث الآب بهذه الكلمات إلى الابن في العهد القديم، وقرأها يسوع كإعلانات من أبيه له حول طبيعته الإلهيّة. وكان ذلك ضروريًّا لمواصلة عمله المسيانى في التجسد.
قرأ يسوع في العهد القديم أنه سيكون لشعبه الفادي حافظ الناموس (قارن مزمور 40: 7 مع عبرانيين 10: 7). فيسوع هو عبد الرب الذي أخضع ذاته لكل وصايا أبيه وهو مَنْ عمل دائمًا مشيئة الآب من جهة شعبه.
كان يسوع يعلَم أن كل وعود الله قُطعت أولاً وقبل كل شيء له كابن إبراهيم وابن داود. يخبرنا الرسول بولس بوضوح أن الوعود التي قيلت لإبراهيم ونسله قيلت للمسيح، باعتباره النسل، قبل أن تُقال لأي من شعب العهد (غلاطية 3: 16). كان على يسوع أن يصير "وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ" (عبرانيين 1: 1–4) قبل أن يصير أي من اللذين يؤمنون به "ورثة لكل شيء" باتحادهم به. يشرح الرسول بولس أن "مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ «النَّعَمْ»" (2 كورنثوس 1: 20). قال يسوع نعم للعنات العهد التي نستحقها بسبب خطايانا لكي يستحق بركات العهد من أجلنا. قرأ يسوع المتطلبات القانونيّة لناموس العهد والتي تستوجب أن يصير لعنة من أجلنا حتى نرث نحن البركات (غلاطية 3: 10–14).
كان يسوع يعلَم أن العهد القديم تحدَّث بشكل بارز عن آلامه وأمجاده (1 بطرس 1: 10–12)، كما أعلنها روحه من خلال الأنبياء. على سبيل المثال، كان يسوع هو الوحيد الذي قرأ مزمور 22: 1 كإشارة لما سوف يجتاز فيه على الصليب. فداود لم يُصلب. وداود لم يُترك في الواقع من الله. أعلن روح المسيح عن آلام وأمجاد المسيح للمسيح المتجسّد حتى يهيّئه لما سوف يجتاز فيه أثناء خبرته المسيانيَّة. نرى نفس المبدأ ينطبق على مزمور 16 و110 (أنظر أعمال الرسل 2: 23–36). علَم يسوع أن العهد القديم بأكمله مرتبط بموته وقيامته. فقد قال صراحةً لتلاميذه: "أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ... هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ" (لوقا 24: 44–46).
كان يسوع يعلَم أنه حمل الفصح المذبوح من أجل خطايا شعبه. كان يعلَم أنه سيكون الكبش البديل عن شعبه تمامًا مثل الكبش الذي كان بديلاً عن إسحاق. كان يعلَم أنه سيكون تيس الفداء الذي تقع عليه الدينونة، وكذلك التيس الذي يُطلق إلى البريَّة. كان يسوع يعلَم أن جميع الذبائح الحيوانيّة في العهد القديم كانت تشير إلى موته البدلي الكفارى على الصليب. عندما قرأ يسوع عن كأس غضب الله في سفر المزامير، وإشعياء، وإرميا، كان يدرك أنه سيقف مكان شعبه ويشرب كأس الغضب بالنيابة عنهم. وهذا يوضح السبب من استخدمه رمز "الكأس" في بستان جثسيمانى عندما صلّى لأبيه. تظهر هذه الطريقة في قراءة العهد القديم أيضًا في استخدام يسوع لزكريا 13: 7 أثناء ذهابه إلى الصليب (متى 26: 31). فيسوع هو راعي إسرائيل الذي ضربه سيف غضب الله من أجل فداء شعبه.
فهم يسوع أن كل صور، وظلال، ورموز العهد القديم كانت تشير إلى بعض جوانب عمله الكفارى أو بركاته. تأتى معرفتنا بذلك من إشارته إلى سلم يعقوب، والحية النحاسية، والمياه من الصخر (يوحنا 1: 51؛ 3: 14؛ 7: 37–39) كأمثلة على هذا المبدأ. قرأ يسوع قصة يونان جزئيًّا باعتبارها رمزًا لعمله الخلاصي. كما شرح أيضًا أن داود، وسليمان، والهيكل جميعهم كانوا رموزًا تشير إليه (متى 12).
أكّد يسوع أن قديسي العهد القديم لم يكونوا، أولًا وقبل كل شيء، أمثلة على الاستقامة الأخلاقية لمحاكاتها؛ بل كانوا هم أنفسهم خطاة ينتظرونه بإيمان (عبرانيين 11). شرح ذلك للفريسيِّين حين قال لهم: "إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ" (يوحنا 8: 56–58).
فهم يسوع بأن كل نبوة كانت عنه. نرى ذلك من استمرار استخدامه لنبوات العهد القديم المسيانيَّة تأكيدًا على هويته (مثال، زكريا 9: 9 في متى 21: 5؛ زكريا 13: 7 في متى 26: 31).
فهم يسوع أن كل الأعياد والاحتفالات في العهد القديم كانت تشير لما سوف يتممه في عمل الفداء. نعلَم ذلك لأنه في عظته الأولى في الناصرة (لوقا 4)، أشار الى سنة اليوبيل وأوضح أنه قد جاء ليتمّم في الواقع ما كان يرمز إليه هذا العيد. كانت سنة اليوبيل تأتى مرة كل خمسين عامًا — أي مرة واحدة في عمر الشخص العادي (مزمور 90: 10). كانت الديون تُلغى، ويُرد الميراث. فعل يسوع هذا الأمر ذاته روحيًا من أجل شعبه من خلال موته وقيامته. فهو الفصح، وباكورة الحصاد، وسنة اليوبيل، وهو كل عيد واحتفال أخر (1 كورنثوس 5: 7؛ كولوسي 2: 16–17).
من خلال قراءته للكتب المُقدَّسة، فهم يسوع أن الزواج قد تأسَّس منذ الخليقة حتى يفدى لنفسه عروس روحيَّة. فقد أشار لنفسه مرارًا وتكرارًا أنه "الْعَرِيسُ" (متى 9: 15؛ 25: 1–10).
تعلّم يسوع من الكتب المقدسة أنه يجب أن يكون إنسانًا كاملاً في الحكمة والبر حتى يكون مصدر الحكمة والبر لشعبه (1 كورنثوس 1: 30). عندما قرأ يسوع الأمثال، قراءها كحكمة وبر العهد التي يطلبها الله من الإنسان. كان يعرف أنه يجب أن يجسّد بالكامل الحكمة والبر المذكورين في المزامير والأمثال حتى يكون مصدر الحكمة والبر لشعبه.
كان يسوع يعلَم من الكتب المُقدَّسة أنه ابن داود الذي سيجلس على كرسي عرش الله ويملك على شعبه إلى الأبد. عندما قرأ المسيح وعود العهد التي أعطاها الله لداود — بالإضافة إلى سجل أحداث المملكة والنبوات — كان يفعل ذلك مُدركًا أنه قد جاء ليتمِّم كل ذلك. كان يسوع يعلَم أنه عندما يتمِّم عمل الفداء، فإن الآب سوف يعطيه مملكة أبديَّة. قرأ يسوع قصة حياة داود كرمز لخدمته في تأسيس ملكوت الله.
على الرغم من أنه يمكن قول أكثر من ذلك، فان الفئات التي تناولناها تعطينا تقديرًا أعظم لما فعله مخلِّصنا من أجل فدائنا. إن قبول هذه الحقيقة يساعدنا على أن نرفع أعيننا بثبات على رئيس إيماننا ومكمِّله. كما تحفِّزنا على طلبه بحماس أكثر. وتشجعنا على أن نضع ثقتنا بالكامل فيه كفادينا. كما تساعدنا على فهم أن كل الحياة والتقوى موجود فيه وفيه وحده. وتُنتج فينا صيحات الشكر وتسبيحات الحمد لأجل حكمة إلهنا الصالحة في الكشف عن إعلان عهده لحافظ العهد.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.