كيفيَّة قراءة يسوع للكتب المُقدَّسة
۱ يونيو ۲۰۱۹مِن أجل مَن مات المسيح؟
۷ يونيو ۲۰۱۹إكرام الرب من المنبر
إذا قمنا بطلب نصيحة من الرسول بولس بشأن كيفيَّة إكرام الرب كوعّاظ، سيكون رده "اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ" (٢ تيموثاوس ٤: ٢)، لا تمتنعوا عن الإخبار "بِكُلِّ مَشُورَةِ اللهِ" (أعمال الرسل ٢٠ :٢٧)، ودائمًا سلِّطوا الضوء على الموضوع الرئيسي: إنجيل يسوع المسيح. هكذا يُلخِّص بولس فلسفته الخاصة بالخدمة. في 1 كورنثوس ٢: ٢، يوضِّح بولس مفتاح الوعظ الذي يُكرم الرب في جملة واحدة قصيرة: "لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا".
قد توحي لنا الحكمة الشائعة في أيَّامنا أن مثل هذه الاستراتيجيَّة ليست متطورة بما فيه الكفاية، وليست جذَّابة بما فيه الكفاية، وليست بارعة بما يكفي للوصول إلى مجتمع وثني تمامًا. لكن تثبت حياة بولس وخبرته عكس ذلك. في الواقع، قبل وصوله إلى كورنثوس للمرة الأولى، اكتسب الرسول ورفقائه بالفعل سمعة بأنهم "هؤُلاَءِ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمَسْكُونَةَ" (أعمال الرسل ١٧: ٦).
يُثبت هذا التصريح أن وعظ بولس (ورفقائه) بالإنجيل كان مؤثِّرًا وفعَّالاً. ولكن لم يكن المقصود بهذا التصريح مجاملتهم. فهذا ما قاله القادة اليهود في تسالونيكي عن بولس — قبل أن يحرِّضوا على أعمال الشغب. فحقيقة أن الكنيسة نمت بسرعة ووصلت إلى الحدود الخارجيَّة للإمبراطوريَّة الرومانيَّة (وما بعدها) بالتأكيد لا تعني أن الرسل وجدوا طريقة لجعل رسالتهم شائعة وجذَّابة للكل. لم يكن الإنجيل أكثر شعبيَّة في القرن الأول مِمَّا هو عليه اليوم. فغالبيَّة الناس رفضوا وعارضوا الرسالة، وغالبًا كانت معارضتهم عنيفة.
لم تكن المعارضة التي واجهها بولس في تسالونيكي غير معتادة أو غير مُتوقَّعة. فقبل وصوله إلى تلك المدينة، كان بولس قد واجه مقاومة شرسة في أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَّةَ وَلِسْتِرَةَ (٢ تيموثاوس ٣: ١١). في الواقع، قد تم رجمه وتُرك للموت في لسترة (أعمال الرسل ١٤: ١٩). وفي فيليبي، تعرَّض لهجوم من الجمع، وتم تجريده من ملابسه، وضربه بالعصي، وسجنه (١٦: ٢٢-٢٣).
بينما كانت الكنيسة تنمو، استمر العداء لها من المجتمع بشكل أوسع. فبعد مرور أربع سنوات على فرار بولس من تسالونيكي، كانت استجابة مدينة أفسس للإنجيل ممتلئة بغضب أكبر (١٩: ٢٩).
ما هو هام هو أنه في مواجهة مثل هذه المعارضة، لم يبذل بولس أي جهد لتكييف منهجيته بطريقة تقوم بتهدئة منتقديه أو تُجنبه التعيير. كان يُدرك تمامًا احتياجات الناس "الملموسة": "الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً" (١ كورنثوس 1: 22). لكنه لم يُكيّف إستراتيجيَّته وفقًا لذلك فنجده يصرِّح: "لكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً" (الآية ٢٣). كلما جاء إلى منطقة جديدة، كان يذهب على الفور إلى المجمع اليهودي المحلي في يوم السبت ويكرز بالمسيح. لقد بشَّر بهذه الرسالة بجرأةٍ وبدون تأسُّف، ليس ليُعادي الناس، بل لتمجيد الله. بالنسبة لبولس، كان هذا "إِنْجِيلِ مَجْدِ اللهِ الْمُبَارَكِ الَّذِي اؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ" (١ تيموثاوس ١: ١١). وكان الإنجيل هو الأخبار السارة. ومع ذلك، فقد أثار عداوة في كل مكان تقريبًا ذهب إليه بولس.
لم يستجب بولس لهذا العداء بعدم تأكيده على رسالة الإنجيل ومحاولة إيجاد طريقة أخري لكسب احترام المواطنين المؤثِّرين. لقد استخدم نفس الاستراتيجيَّة في كل مدينة. فذهب من تسالونيكي إلى بيريَّة ووعظ في المجمع هناك (أعمال الرسل ١٧: ١٠). وعندما تبعه بعض مثيري الشغب من تسالونيكي وحاولوا استفزاز مواطني بيريَّة وإثارة أعمال الشغب، انتقل بولس إلى أثينا (الآية ١٥)، حيث أخذ الإنجيل مرة أخرى إلى المجمع في يوم السبت. وأعلن أيضًا الإنجيل في السوق الأثيني خلال الأسبوع (الآية ١٧)، مِمَّا استرعى الانتباه وأثار الجدل هناك أيضًا.
يستمر أعمال الرسل 17 في سرد استدعاء بولس للتحدُّث في أريوس باغوس — مكان تجمُّع الفلاسفة والمفكرين. لم يكن ذلك لأنه اكتسب احترامهم، ولكن العكس تمامًا: اعتقد الفلاسفة أنه سيكون مهذار (الآية ١٨).
كان بولس رجلًا مثقَّفًا، ضليعًا في الفلسفات والكتابات القديمة للأثينيّين. كان قادرًا على الاقتباس من الشعراء اليونانيين الكلاسيكيّين. لكن بولس لم يحاول أن يُبهر الأثينيّين بالحجج الفلسفيَّة أو الخطابة. لكنه بدأ بالتصريح لهم بأن معتقداتهم الدينيَّة كانت مُتجذِّرة في الجهل. فقد أعلن أن الله يأمر بالتوبة وسيدين العالم يومًا بالمسيح (الآيات ٣٠-٣١). بعبارة أخرى، كرز بولس بالمسيح. وقد كان على وشك أن يشرح الإنجيل بشكلٍ كامل لهؤلاء المثقَّفين الأثينيّين، لكن بمجرد ذكره للقيامة، كان الرد مصحوبًا بكثير من السخرية، والجدل، والحديث المتبادل إلى الدرجة التي أنهت الاجتماع.
بكل تأكيد، مثل هذه الاستجابة — التي أصبحت نمطًا مُتوقعًا في خدمة بولس — تطلَّبت منه تجديد الاستراتيجيَّة بأكملها. أليس كذلك؟
بكل تأكيد لا. فقد ذهب بولس بعد ذلك إلى كورنثوس، حيث بقيت استراتيجيَّته دون تغيير. "كَانَ يُحَاجُّ فِي الْمَجْمَعِ كُلَّ سَبْتٍ وَيُقْنِعُ يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ" (أعمال الرسل ١٨: ٤). فهل استخدم حُججًا مختلفة في كورنثوس؟ أجاب على هذا السؤال بشكل قاطع عندما قال إنه عزم ألا يعرف شيئًا "إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا" (١ كورنثوس ٢: ٢). تمسَّك بولس بالرسالة. على الرغم من المعارضة الشديدة، إلا أنه لم يُقلِّل من شأن الإنجيل أو ينحرف عنه. هذه هي الطريقة لإكرام الرب من المنبر.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.