امتحان شعب إسرائيل في البرّيّة - خدمات ليجونير
مقاصد الله في المِحَن والتجارب والامتحان
۱۳ مارس ۲۰۲۵
امتحان إبراهيم
۲۰ مارس ۲۰۲۵
مقاصد الله في المِحَن والتجارب والامتحان
۱۳ مارس ۲۰۲۵
امتحان إبراهيم
۲۰ مارس ۲۰۲۵

امتحان شعب إسرائيل في البرّيّة

حين دخل بنو إسرائيل في بداية رحلتهم إلى البريّة، كانوا في حالةِ نشوة عاطفيّة. فبعد سنواتٍ كثيرة من الظلم والعبوديّة في مصر، وشهورٍ من الضربات، وأيّام من الارتحال انتهت بشق البحر الأحمر أمامهم، عبروا المياه على اليابسة (خروج 14). ووراءهم شاهدوا مركبات المصريّين وهي تُغمَر بالماء، الذي أغرق زهرة قوّاتهم العسكريّة. مؤكَّد أنّ صعوبات بني إسرائيل قد انتهت الآن. وبعد بضعة أسابيع من السفر، سيدخلون إلى أرض الموعد، حيث سيطرد الربُّ الكنعانيّين سريعًا، ويمكِّنهم من أنّ يعيشوا بسعادة إلى الأبد. حين كان شعب إسرائيل يحتفل على الشاطئ الشرقي، بدا أنّ كلّ الأمور تسير لصالحهم (خروج 15: 1-21). فما الذي يمكن أن يسير كما لا ينبغي إن كان الله معهم؟  

 

من ناحيةٍ ما، كانوا على حقّ بصورة تامّة. فكان الربّ يستطيع أن يجعل رحلتهم يسيرةً، سادًّا كلَّ احتياجهم بطريقة معجزيّة في طريقهم إلى الأرض، باثًّا الرعب في قلوب خصومهم. فلم يكن يفتقر إلى القدرة على أن يعطيهم الماء من صخرةٍ والطعام من السماء، وعلى أن يُثبِط عزيمة أعدائهم. يمكنه أن يعمل كل هذا من دون أيّ جهدٍ منه (انظر خروج 15-17؛ سفر العدد 11؛ 20؛ يشوع 2). ومع هذا، فبعد ثلاثة أيّام من ارتحالهم في البرّيّة، وقبل أن تظهر أيّة مشكلات، لم يكن لديهم ماء للشرب. والأسوأ من هذا هو أنّهم حين وجدوا الماء لم يكن صالحًا للشرب (خروج 15: 23). دعوا ذلك المكان "مارّة" (مرّة)، لأنّ ماءه كان مرًّا. "فَتَذَمَّرَ الشَّعْبُ عَلَى مُوسَى قَائِلِينَ: مَاذَا نَشْرَبُ؟‘" (خروج 15: 24).  

الجواب سهلٌ جدًا: سيتعلَّم شعب إسرائيل دروساً عن أنفسهم وعن الرب من الوقت الذي سيقضونه في البرّية ما كان ممكنًا أن يتعلَّموها من دون تلك التجارب المؤلمة. فلو كان الربّ قد أعدّ طريقهم بكلّ ما هو ضروري لما عرفوا مقدار شرّ قلوبهم، ولما عرفوا مقدار لطف الربّ ورحمته ونعمته. لو عمل الربّ ذلك لكانت الخطيّة أقل، ولكنْ لما عرف شعب إسرائيل أنفسهم أو إلههم مثلما عرفوها وعرفوه.  

 

الامتحان في البرّيّة أعطى إسرائيل فرصًا كثيرةً ليعرفوا أيّ نوعٍ من المتذمِّرين هم. التذمُّر خطيّة انتهازيّة، فهي تبرز من قلوبنا في مواجهة الإحباط. وبالنسبة لشعب إسرائيل، كانت البرّيّة تمتلئ بالإحباطات: "ليس هناك ماء!" "ليس هناك طعام!" "ليس هناك طعامٌ جيّد!" "الكنعانيّون أقوياء جدًّا!" "ليس هناك ماء مَرّة أخرى!" تمتحن الإحباطات قلوبنا: هل سنثق بأن الله سيسدّ احتياجنا بكلّ ما هو ضروريّ، مُصلِّين بالإيمان إليه؟ أم هل سنتذمَّر عليه، منكِرين حبّه لنا؟ يسهل أن نثق بالله حين ينشقّ البحر الأحمر أمامنا، لكنّ الوثوق به يكون أصعب حين نكون عطشى ولا نعرف من أين سيأتي الماء إلينا في المرّة القادمة. في بعض الأحيان يأتي الله بنا إلى البرّيّة ليُعلِن الحقّ البشع عن حقيقتنا، نحنُ الذين حرَّرَنا الله من عبوديتنا. ما نزال خطاةً بعمق. ما نزال ناسًا غير مؤمنين يجدون الإيمان جهادًا مستمرًّا.  

 

ولكن لم تكشف البرّيّة قلوب بني إسرائيل فقط، بل درَّبتهم أيضاً على أن يروا سدَّ الله للاحتياجات. فقد تحوّل كلُّ واحدٍ من هذه الظروف، التي تذمَّر شعب إسرائيل فيها، إلى فرصّة للربّ ليعلِن فيها قدرته على سدّ احتياجاتهم. فقولك إنّك تثق بأن الله يسدّ احتياجاتك اليوميّة أمرٌ مختلف عن أنْ تشهد بأنّه سدّ كلَّ احتياجاتنا في البرّيّة مدّة أربعين سنة.  

ومع هذا، فإنَّ أعظم ما أعطاه الربُّ في البرّيّة أتى بعد قرونٍ كثيرة. فقد ذهب يسوع المسيح، إسرائيلُ الجديد، إلى البرّيّة، حيث واجه الامتحانات نفسها التي واجهها شعب إسرائيل في العهد القديم: الجوع والعطش وتجربة سلوك الطرق القصيرة التي تقدِّم ما كان الله قد وعد به من دون التعرُّض للألم والمعاناة (متّى 4: 1-11). وبخلاف إسرائيل في العهد القديم، احتمل يسوع كلّ هذه الامتحانات من دون تذمُّر، بإيمانٍ كامل بأبيه. هذا خبرٌ سارٌّ لنا، فبينما تُكشَف قلوبنا الأثيمة بفعل البرّيّات المتعدِّدة التي يجيزنا الربّ عَبْرَها في الحياة. ليس رجاؤنا مبنيًّا على جهودنا بأن نثق أكثر، وأن نؤمن أكثر، وأن نطيع أكثر، وأن نتذمَّر أقلّ، بل هو مبنيٌّ على برّ المسيح الكامل لأجلنا ومكاننا. وتُطَمْئِننا أمانته بأنّنا حين نترك هذه البرّيّة الأرضيّة فإنّ مسكننا الأبديّ سيكون معه في السماء.  


تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

إيان دوجيد
إيان دوجيد
الدكتور إيان دوجيد هو أستاذ العهد القديم بكليَّة وستمنستر للاهوت في مدينة فيلادلفيا، والراعي المُؤسِّس لكنيسة المسيح المشيخيَّة في مدينة جلينسايد، بولاية بنسلفانيا. وهو ألَّف العديد من الكتب، منها (The Whole Armor of God: How Christ's Victory Strengthens Us for Spiritual Warfare).