امتحان إبراهيم - خدمات ليجونير
امتحان شعب إسرائيل في البرّيّة
۱۸ مارس ۲۰۲۵
امتحان داود
۲۵ مارس ۲۰۲۵
امتحان شعب إسرائيل في البرّيّة
۱۸ مارس ۲۰۲۵
امتحان داود
۲۵ مارس ۲۰۲۵

امتحان إبراهيم

قصّة رحلة إبراهيم إلى المُريَّا لتقديم ابنه إسحاق، المدوّنة في تكوين 22، والتي تُعرَف في التقليد اليهودي باسم "عقيدة"، أي "العقد، الربط،" ليس لها ما يوازيها في قوّتها وتأثيرها العاطفي الشديد. ومن خلال الاستخدام البارع للمفارقة الدرامية في السرد، يعرف القُرّاء من البداية ما لم يعرفه إبراهيم: أنَّ أمرَ الله بأن يقدِّم إبراهيم ابنه كان امتحانًا لإيمانه (تكوين 22: 1). ومع هذا، لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من أن ننجذب إلى خوف أبينا إبراهيم وحيرته وتشوُّشه وإيمانه في انطلاقه بطاعةٍ في رحلةٍ كانت ستنتهي، على حدِّ علمه، بموت ابنه إسحاق، الذي نُخبَر من البداية بأنّه ابنه الوحيد، الذي يحبّه (تكوين 22: 2). فهل سيُضحّي أبونا إبراهيم بابنه الوحيد الذي يحبُّه لأجل الله الذي يُفترَض أنْ يُحبَّه أكثر من أيِّ شيءٍ آخر؟ نستطيع أن نشعر بالتوتُّر الذي يسود أحداث القصّة.  

 

حقيقة أنّ الله يدين تقديم الأطفال ذبائح في كلّ الكتاب المُقدَّس بوضوح (تثنية 12: 31؛ 18: 10؛ مزمور 106: 37-38؛ إرميا 32: 35) تؤكِّد على أنّ أمره لإبراهيم كان مُفاجِئًا. ولكن ما يجعله أكثر إثارةً للحيرة هو أنّ إبراهيم أُمِر بأن يذبح الابن الذي كان الله قد وعد بأنْ يقيم عهده معه (تكوين 17: 19). كان إسحاق ابن الوعد، الذي به كان الله قد وعد بأن يُحقِّق مقاصده الفدائية بأن يبارك ويفتدي العالم الواقع تحتَ لعنة الخطيّة. لم يكن أمرُ الربّ منطقيًّا، ولكنّ المدهشَ أنّ إبراهيم أطاع.  

 

صارع إبراهيم وجاهد طولَ حياته في إيمانه بوعود الله وبأن يحيا في نورها. ولكن في هذه المناسبة، انطلق إبراهيم في طاعةٍ للربّ ليقدِّم ابنه مُحرَقةً للربّ. لا شكّ أنّها كانت رحلةً صعبة ومُعذِّبة، ولكنّ كلماته تُعلِن إيمانه العميق بأنّ الله سيكون أميناً في أنْ يحفظ وعده. ترك إبراهيم غلاميه مع الحمار وما عليه قائلًا لهما: "أَنَا وَالْغُلاَمُ ... نَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجعُ إِلَيْكُمَا" (تكوين 22: 5). وبعد ذلك، نقرأ عن إسحاق يقول لأبيه: "هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟" فردّ إبراهيم: "اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي" (تكوين 22: 7-8). لم تكن هذه العبارات مجرد أماني، ولكنّها تُعلِن ثقة إبراهيم بأنّ الله سيردّ إليه بطريقةٍ ما ابنَه الذي طلب منه أن يفقده ويسلّمه. آمن إبراهيم أن الله أمين، وأنّه سيتمِّم وعده، حتّى لو عنى ذلك أن يُقيم الولد من الموت، كما يُخبِرنا كاتب العبرانيّين أنّ إبراهيم "حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ أَيْضًا، الَّذِينَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ أَيْضًا فِي مِثَالٍ" (عبرانيّين 11: 19).  

 

مؤكَّد أنّ الله لم يمتحن إبراهيم ليكتشف شيئًا فيه لم يكن يعرفه. فالله، عارف كلِّ الأشياء، الذي يعرف النهاية من البداية (إشعياء 46: 10)، مؤكَّد أنّه كان يعرف طبيعة إيمان إبراهيم وصفاته. ولكنّ الله امتحن إبراهيم ليعلِن ويقوّي ويزكّي حقيقة إيمانه حين دُعي إلى الوثوق بكلمة وعد الله بدلًا من الوثوق بعقله البشري القابل للخطأ. الكتاب المُقدَّس واضحٌ بأنَّ الله يمتحن إيمانَنا للسبب نفسه. ففي بعض الأحيان يسمح الله لأولاده بأنْ يتعرَّضوا لمِحَنٍ وضيقاتٍ عظيمة، لأنّ "امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا، ... لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ" (يعقوب 1: 3-4). يتقوّى الإيمان بامتحانه.  

 

ومع هذا، مؤكَّد أنّ امتحان الله لإيمان إبراهيم كان فريدًا، لأنّه أشار إلى المسيح الذي سيأتي. فبعد أنْ منع ملاكّ الربّ يدَ إبراهيم من أن تمتدّ إلى الولد، أعطى كبشًا ليكون بديلًا عن إسحاق. وأقسم الربُّ له قائلًا:  

بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي. (تكوين 22: 16-18) 

 ستتدفَّق بركات عهد النعمة إلى نسل إبراهيم ومن خلالهم إلى العالم لأنّ إبراهيم نجح في الامتحان.  

 ولكنّ طاعة إبراهيم كانت نموذجًا أو ظلًّا للمسيح الذي سيطيع الله طاعةً كاملةً طولَ حياته، وليس في مناسًبةٍ واحدة. وثق يسوع بأبيه، وكان مستعدًّا لأن يُطيعه حتّى الموت على الصليب (فيلبّي 2: 8). بركات العهد التي تمتَّع بها شعب إسرائيل بسبب طاعة إبراهيم الناقصة كانت صورةً باهتةً للبركات الأبديّة الدائمة التي سينالها شعب الله بسبب طاعة المسيح الشخصيّة والكاملة والدائمة. لقد دبر الله الذبيحة لإبراهيم ولإسحاق ولنا حين لم يشفِق على ابنه، بل بذله لأجلنا جميعًا (رومية 8: 32). وبهذه الطريقة، كان امتحان إبراهيم فريدًا في توجيه المؤمنين في كلّ العصور نحو العمل الكامل الذي أتمّه حمل الله، الذي قُدِّم لأجل خطايا العالم (يوحنا 1: 29).  


تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

ستيفن كولمان
ستيفن كولمان
الدكتور ستيفن كولمان هو أستاذ مساعد للعهد القديم بكليَّة وستمنستر للاهوت في مدينة فيلادلفيا وباحث في مركز آلان جروفز لأبحاث الكتاب المُقدَّس المُتقدِّمة.