امتحان داود - خدمات ليجونير
امتحان إبراهيم
۲۰ مارس ۲۰۲۵
امتحان أيّوب
۲۷ مارس ۲۰۲۵
امتحان إبراهيم
۲۰ مارس ۲۰۲۵
امتحان أيّوب
۲۷ مارس ۲۰۲۵

امتحان داود

في الكتاب المُقدَّس، كثيراً ما يسمح الله لشعبه بأن يتعرَّضوا لمِحَن وتجاربَ قاسية وشديدة. ومع أنّه كثيرًا ما تكون الأسباب الكامنة وراء امتحانه شعبه معروفة له وحده، نعرف أنَّ الله يقدِّس شعبه ويُعِدّهم بالمِحَن والتجارب. وتقدِّم لنا حياة داود أحد أشهر الأمثلة على هذه الحقيقة. يأتي أوّل ذكِر لداود في العهد القديم حين أقامه الله ومسحه صموئيل ملكًا على شعب إسرائيل بعدَ أن رفض الله شاول. وبدل أن يأخذ الله داود من مراسم مسحته إلى العرش، جعله ينتظر أكثر من عشر سنوات قبل أن يُتوَّج ملكًا. وفي كثيرٍ من هذه السنوات، كان يعيش في البرّيّة هاربًا من شاول وثلاثة الآلاف رجل أفرزهم شاول ليبحثوا عن داود (1صموئيل 24: 2). استخدم الله هذا الهروب من الخطر لمساعدة داود في النموّ، لأنَّ هذه الامتحاناتِ في سنواتِ برّيّةِ داوُدَ كان لها دَوْرٌ كَبِيرٌ في تَشْكِيلِ مُلْكِهِ. 

حدث أحد أوّل امتحانات داود حين دخل شاول إلى مغارةٍ كان داود ورجاله يختبئون فيها. وقد استنتج رجال داود أن الله أسلم شاول ليد داود، وشجَّعوه على أن يقتله (1صموئيل 24: 3-4). تردَّد داود في هذا الأمر، إذْ على الرغم من أنّ شاول كان قد رفضه الربّ (1صموئيل 15: 26)، فإنّ صموئيل النبيّ مسحه ملكًا على شعب إسرائيل (1صموئيل 10: 1)، وبقيَ في منصبه هذا حتّى تتويج داود الرسمي. ولذا اختار داود أن يقطع جزءًا من ذيل ثوب شاول بالسرّ، ولكنّ قلبه ضربه على فعلته هذه، التي قد تبدو إيذاءً لـ"مَسِيحِ الرَّبِّ" (1صموئيل 24: 4-6).  

وفي مناسبةٍ أخرى (1صموئيل 26)، تمكَّن داود من التسلُّل إلى معسكر شاول في الليل، "لأَنَّ سُبَاتَ الرَّبِّ وَقَعَ عَلَيْهِمْ" (1صموئيل 26: 12). وبوجود "[رُمْح شاول] مَرْكُوزٌ فِي الأَرْضِ عِنْدَ رَأْسِهِ" (1صموئيل 26: 7)، استنتج أبيشاي، مرافق داود، بأنّ على داود أن يسمح له بأن يطعن شاول برمحه إلى الأرض. ولكنّ داود رفض ثانيةً أن يقتل مسيح الربّ، إذْ كان يؤمن أنّه لو أراد الربّ أن يموت شاول، فـ"سَوْفَ يَضْرِبُهُ، أَوْ يَأْتِي يَوْمُهُ فَيَمُوتُ، أَوْ يَنْزِلُ إِلَى الْحَرْبِ وَيَهْلِكُ" (1صموئيل 26: 10). وبدلًا من ذلك، أخذ داود الرمح وكوز الماء الذي بجانب رأس شاول. والمفارقة في الحالتين، أنّ ما بدا فرصةً، كان في الحقيقة تجربةً.  

تُعلِّمنا امتحانات داود ومِحَنه دروسًا ثمينة. أوَّلًا، استنتاج أن عملًا ما هو إرادة الله بسبب ظروف تصادُفيّة هو استنتاجٌ متجرِّئ وقح. فلم يُوضَع شاول في يدي داود ليأخذ داود المُلك، بل ليرى شاول أن الله هو الملك الحقيقي والأسمى، وليتوب عن عصيانه. وفي الحالتين أظهر داود لشاول دليلًا أو علامةً (أوّلًا من طرف ثوب شاول، ثم رمح شاول وكوز الماء الخاصّ به) على أنّ الله سهَّل على داود مهاجمته. ولكنْ في كلّ واحدٍ من هذين الامتحانَين اللذين سمحت بهما العناية الإلهيّة، كان استعداد داود لأن ينتظر الربَّ يقدِّم فرصةً أخرى لشاول ليتوب. وبالمثل، علينا أن نكون بطيئين في الوصول إلى استنتاجاتٍ جازمة ونهائيّة بشأن ما تضعه العناية الإلهيّة في طريقنا وحياتنا. فينبغي لنا أن نشارك قادةً آخرين وأصدقاء في الكنيسة في التفكير بروح الصلاة بشأن كيف يريدنا الله أن نتجاوب، وذلك بالتفتيش في الكتاب المُقدَّس.  

ثانيًا، ضروريٌّ أن تنتظر توقيت الله بدل أن نتلاعب بالظروف. يعرف كثيرون منّا ما أمر الله به، ومع هذا فإنّنا مجرَّبون لأن نتعامل مع الأمور بطريقتنا. كانَتْ مخافة الله في قلب داود أعظم من رغبته بأن يصير ملكًا. وثق بالله، وانتظر أن يحقِّق الله وعوده. وبالمثل، يدعونا الله إلى أن نخافه ونثق به، ليس في الظروف الجيّدة فقط، بل بصورةٍ خاصّة في الظروف المتّسمة بعدم اليقين. فإنْ وضعَنا الله في البرّيّة فلنمتنع عن حلّ المشاكل بذكائنا وبطرقنا، ولنسلِّم له. يلمع استحقاق الله بأبهى بهاء حين نثق به، لا حين نعتمد على ذكائنا وحصافتنا. لم يتركنا أبدًا. هو معنا في مِحَننا، ويستخدمها لخيرنا.  

وأخيرًا، تُوجِّه تجارب داود ومِحَنه أنظارنا إلى يسوع المسيح. فعلى الرغم من فشل داود وأخطائه الكثيرة، فقد كان "رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِهِ" (1صموئيل 13: 14). ومع هذا، تحقَّق عهد الله مع داود (بأنْ يكون عرشُهُ "ثَابِتًا إِلَى الْأَبَدِ" [2صموئيل 7: 16]) في يسوع المسيح، الملك الحقيقيّ والأبديّ لإسرائيل. وثق يسوع بالله في البرّيّة وفي الموت. وحين بدتْ الأمورُ مُتجهّمةً كئيبةً، كان الله يعمل. ولأن يسوع هو مثالنا ورجاؤنا الأسمى في المِحَن والتجارب، فإنّنا نستقي القوّة من النظر إليه في الظروف التي نواجهها اليوم، مهما كانت.  


تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

كريج سالزار
كريج سالزار
الدكتور جريج أ. سالازار (Greg A. Slazar) هو الراعي المتقدِّم لـ"الكنيسة المشيخيّة الأولى" (First Presbyterian Church) في مدينة بولير (Pooler) بولاية جورجيّة. وهو مؤلِّف كتاب "التوافق الكلڤينيّ في إنجلترا في فترة ما بعد الإصلاح" (Calvinist Conformity in Post-Reformation England).