سلطان الله ومسؤوليتنا
۲٤ سبتمبر ۲۰۱۹الكتاب المقدس وحده
۲۱ أكتوبر ۲۰۱۹النجاح الكتابي
ما معنى النجاح؟ عادة نفكر أن النجاح يشتمل الوصول إلى أهداف شخصيَّة وعمليَّة معينة — الازدهار المادي، اكتساب احترام الزملاء، تأسيس عائلة قوية، إلخ. نحن نقيس النجاح بحسب مقدار تلقي الاحترام، أو الوصول للقمة، أو نيل اعجاب الناس، أو الوصول للغنى، أو أن يلاحظنا الناس. بينما يعني الفشل الفقر أو الشعور بعدم الأهمية، الإحساس بعدم الشهرة أو بأننا غير محبوبين، أو أن نكون في موضع الخزي. حتى في الخدمة، في الكثير من الأحيان نقيّم "النجاح" على أنه كنيسة كبيرة أو تنمو عدديًا بسرعة، مقترنة بسمعة القس أو الواعظ الجيد، بينما يعني "الفشل" رعية صغيرة أو متناقصة أو الاضطرار لترك الكنيسة بسبب المشكلات أو الاختلاف في الاتجاهات.
بالطبع يتم تصنيف الجوانب المختلفة لتعريف النجاح هذا بطرق مختلفة من قبل أشخاص مختلفين. قد يمتلك شخص كل شيء ماديًا ومع ذلك يشعر بالفشل لأنه يفتقر للشعبيَّة، وهو الأمر الوحيد الذي يعنيه حقًا. قد يبدو أن شخصًا آخر لا يملك شيئًا ومع ذلك يشعر بالنجاح لأنه حقق أهدافه في مجال آخر. في الحياة الكنسيَّة، يوجد قساوسة لكنائس كبيرة لا يشعرون بالنجاح لأنهم يحسدون حالة تلك الكنائس الأكثر شهرة، بينما بعض هؤلاء الذين يرعون الكنائس الصغيرة يشعرون بالرضا في سعيهم لمحبة هؤلاء الذين وضعهم الله تحت رعايتهم. إن "النجاح" و"الفشل" هم تقيمان شخصيان بشكل كبير، نقيم بهما حالتنا الشخصية وحالة من هم حولنا.
ومع ذلك، فمن الواضح أن البشر يحكمون على النجاح والفشل بشكل ضعيف. من ناحية، عادة نستخدم عصا القياس الخاطئة. مَن نحكم عليهم أنهم "ناجحون" — الأغنياء، الأقوياء، المؤثرين، والجذابين — لا يتلقُّون أي اعجاب خاص في ملكوت الله. بينما مَن نزدري بهم كفشلة — الفقراء، المحطَّمين، والأشخاص غير المهمين — هم في الكثير من الأحيان مَن يهتم بهم الله بشكل خاص. بحسب ما قاله يسوع، من الممكن أن نربح العالم كله — أن تنجح بحسب قياس كل عصا بشريَّة تقريبًا — ومع ذلك تفشل في الحياة لأنك تخسر نفسك أثناء هذه العمليَّة (متى 16: 26). في نفس الوقت، يعلن يسوع أنه من الممكن أن تخسر كل ممتلكاتك، وعلاقاتك، ومكانتك، ومع ذلك تنجح فيما يهم حقًا — في علاقتك مع الله (مرقس 10: 28–30).
علاوة على ذلك، عادة نقوم بفرض أحكام غير ناضجة. نحن نحكم على أساس الشكل الظاهري الحالي، نقيّم الناس وكأننا نعلم نتيجة قصتهم. في الواقع، إن نهاية القصة لن تُحكى في هذا العالم ولكن في العالم الآتي، حيث بعضٌ ممن هم الآن أوَّلون ("ناجحون") سيكونون آخرين، بينما غيرهم ممن نحكم أنهم آخرون ("فاشلون") سيكونون أوَّلين في ملكوت الله (مرقس 10: 31). إن مقاييس النجاح في ملكوت الله المقلوب رأسًا على عقب ليست هي نفسها مقايس عصرنا الحاضر.
بكل تأكيد، إن الحكمة الكتابيَّة لا تقلب ببساطة الحكمة التقليديَّة على رأسها فيصبح الفقراء والبسطاء الآن ناجحين تلقائيًا، بينما أي شخص لديه غنى أو مكانة يتم استقصائه في الحال. يوجد بكل تأكيد أشخاص في الكتاب المقدس استخدموا غناهم أو مركزهم المرموق بحكمة، مثل يوسف ودانيال. حتى في الوسط غير المؤمن، خدم هؤلاء الرجال الربَّ بأمانة في أعلى مستويات الحكم. ومثلهم، استخدم يوسف الرامي غناه ليوفر القبر ليسوع بعد صلبه (متى 27: 57–59). ولكن ما هو أكثر من الغنى أو المكانة، الأمر المشترك بين هؤلاء الرجال كان خدمتهم للرب ولملكوته أولاً، بالمصادر التي أعطاها لهم.
هذا معنى النجاح من منظور كتابي، بكل تأكيد. بدلاً من خدمة أهداف ملكوتنا الشخصي، أيًا كانت — الراحة، والقبول، والمال، إلخ — الشخص الناجح يضع ملكوت الله أولاً. فهو مستعد أن يضحي بأي من هذه الأمور، أن وقفت في طريق خدمة الله، أو أن يستخدمهم من أجل الله كمصادر هو وكيل عنها، وسيقدم عنها حسابًا يومًا ما (انظر متى 25: 14–30). إن الوكيل الأمين ليس هو الشخص الذي استأمنه الله على أكثر المصادر، أيًا كان نوعها. بل هو الوكيل الأمين على المصادر التي استُؤمن عليها (متى 25: 21).
وبالتالي، فالشخص الذي استُؤمن على منزل كبير يجب أن يسأل كيف يمكن لهذا المنزل أن يكون موردًا للملكوت، ربما من خلال استضافة أحداث كنسيَّة أو استضافة مرسلين زائرين. الشخص الذي لديه مواهب في إدارة الأعمال يجب أن يستخدمها بحكمة لتأسيس عمل يستفيد منه عملائه والمجتمع كما يستفيد هو نفسه شخصيًا. الشخص الذي يستطيع الحديث يجب أن يفعل هذا بطرق تبني الناس: قد يشتمل هذا على الوعظ، لمن هم مدعوون لهذا العمل، ولكن يمكن أيضًا أن يكون كلمة طيبة في الوقت المناسب لأم شابة تعاني أو لشاب ضال. توجد طرق كثيرة لخدمة ملكوت الله والتي تتجنب ملاحظة الكثيرين حولنا ومع ذلك هي تشكِّل النجاح.
يتمثَّل أحد جوانب النجاح الذي يغيب بسهولة عن انتباهنا في التأصُّل والترسُّخ في كلمة الله. بحسب مزمور 1، فإن هذه هي العلامة المفتاحيَّة للأشخاص الناجحين ("المباركين"). هؤلاء الناس يستمتعون بكلمة الله، يلهجون بها نهارًا وليلاً، متأملين في حكمة ناموس الله كما في جمال الإنجيل (مزمور 1: 2). كما أنهم سيكونون حكماء في علاقاتهم (الآية 1). هؤلاء الأشخاص يزدهرون مثل شجرة تستقى الماء جيدًا، وورقها أخضر وثمرها وفير في موسمه (الآية 3). هؤلاء الناس يثبتون في الاختبار النهائي، أي يوم الدين (الآيات 5–6). هذا لا يعني أن هؤلاء الناس يسهل إيجادهم دائمًا في عصرنا الحاضر. كاتب مزمور 73 قرب من التعثر بسبب الازدهار الحالي للأشرار، والذين بدوا وكأنهم يزدهرون بينما كان يعاني الأتقياء (انظر الآيات 2–4). احتاج هو أيضًا أن يطور منظور طويل المدى ليرى المصير النهائي للمجموعتين (الآيات 17–20).
بالطبع، لا يقدر أحد منا أن يصل إلى مثل هذا المقياس من النجاح. أي منَّا يلهج حقًا في كلمة الله نهارًا وليلاً؟ معظم الوقت ننشغل سريعًا بأمور ذات قيمة وأهمية أقل، سواء كانت الإنترنت، أو الكتب، أو الأفلام، أو التلفاز. مَن منَّا أمين حقًا في المواهب التي أُعطيت لنا، سواء كانت وقتنا، أو مواهبنا، أو كنزنا؟ نحن نهدر الفرص لفعل الخير للآخرين، بينما ننفق كميات هائلة من هذه الأمور على أنفسنا وعلى راحتنا الشخصية. بحسب مقاييس كلمة الله، كلنا وجب علينا الفشل، نحن عبيد بطَّالون، نستحق أن نُلقى في الظلمة الخارجية (متى 25: 30).
ومع ذلك، فإن جمال ملكوت الله يكمن في أن النجاح غير مطلوب من أجل الدخول إليه. الباب واسع ومفتوح للفاشلين والضالين، لمن بددوا مواردهم (والتي هي موارد الله فعليًا أولاً وأخيرًا) في الاحتفال والعيش المسرف — أو، في بعض الحالات، في الاكتناز البخيل للأشياء التي كان من الممكن أن نبارك بها آخرين بغنى. هذه أخبار سارة لنا، لأنه بدلاً من أن نطلب ملكوت الله أولاً، فإن قلوبنا تعلقت كثيرًا بالأمور الأرضيَّة — الأشياء التي ستصدأ، وتنكسر، وتفسد — بدلاً من الأشياء ذات القيمة الأبديَّة. سعينا وراء سمعتنا الشخصيَّة وتقديرنا الشخصي بينما تجاهلنا مطالب مجد الله في حياتنا وممتلكاتنا.
لهذا السبب، نحتاج بشدة للنجاح الذي حققه يسوع المسيح عنا. هو لم يبدو نجاحًا بالمنطق المعتاد لهذا العالم. لقد ترك رواق المجد السماوي وولد في إسطبل في المجتمع الأدنى على حافة العالم المتحضر. وكان يرشد مجموعة صغيرة من التلاميذ الذين كانوا يتشاحنون فيما بينهم بشكل مستمر حول مَن منهم هو الأعظم بينما كانوا يفشلون في فهم أبسط تعاليمه. في النهاية، تخلُّوا جميعهم عن يسوع وهربوا، في بعض الحالات أنكروا أنهم قابلوه على الإطلاق. ثم صُلب على الصليب، وهو العقاب الذي كان مخصصًا لأعتى المجرمين البشعين والمحتقرين. ليست هذه السيرة الذاتية التي يعتبرها العالم "نجاح".
إلا أنه في كل هذا، سعى يسوع في طلب ملكوت أبيه فوق مصالحه الشخصية، باذلاً حياته من أجل خاصته. حفظ كلمة الله في قلبه واستمتع بشركته مع الآب. وفي نهاية ألمه، استودع روحه في يدي ابيه، متيقِّنًا أن الثمن الذي دفعه سيحقق أهدافه. بعد ثلاثة أيام أُقيم بنصرة، وصعد إلى السماء، حيث يتمجَّد اسمه الآن فوق كل اسم. يومًا، ستجثو كل ركبة أمامه وتعترف أنه هو المقياس الحقيقي للنجاح.
كنتيجة لهذا، فكل مَن هم متحدون بالمسيح يرتبطون بمجده للأبد. لا يمكن تعريف مقياس نجاحنا بما نحققه هنا على الأرض. لقد تم تعريفه بالفعل بحقيقة أننا في المسيح. إن هذا ما يحررنا كي ننفق أنفسنا وكل ما لنا في خدمة ملكوت المسيح. وهذا ما يحررنا أيضًا من الإحساس بالذنب الساحق بشأن فشلنا في الماضي والحاضر كي نحمل صليبنا ونتبعه. سواء "نجحت" أو "فشلت" — أيًا كان المقياس — ففي النهاية لا يهم شيء. ما يهم هو حقيقة أن المسيح قد نجح لأجلي، وفي مكاني. فرجائي وافتخاري الوحيد لا يستند على أمانتي بل على حقيقة أن مخلصي الأمين أحبني وبذل نفسه عني، سواءً كنت غني أو فقير، مشهور أم مجهول، ضعيف أم قوي. هذا كل النجاح الذي احتاجه — أو يحتاجه أي شخص — على الإطلاق.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.