الكتاب المقدس وحده - خدمات ليجونير
النجاح الكتابي
۸ أكتوبر ۲۰۱۹
الخمسة وتسعون احتجاجًا لمارتن لوثر
۲٦ أكتوبر ۲۰۱۹
النجاح الكتابي
۸ أكتوبر ۲۰۱۹
الخمسة وتسعون احتجاجًا لمارتن لوثر
۲٦ أكتوبر ۲۰۱۹

الكتاب المقدس وحده

نحن نعيش في عالم مليء بالمزاعم المتناقضة عن الحق. فكل يوم ينهال علينا وابل من التصريحات حول صحة أمر ما وخطأ أمر آخر. يُقال لنا ما يجب أن نؤمن به وما لا يجب أن نصدقه. يُطلب منا أن نتصرف بطريقة ما وليس بطريقة أخرى. في عامودها الشهري: "ما أعرفه بالتأكيد"، تقول لنا أوبرا وينفري كيف نتعامل مع حياتنا وعلاقاتنا. تخبرنا الصفحة التحريريَّة لجريدة النيويورك تايمز باستمرار عن النهج الذي يجب أن نسلكه في التعامل مع الموضوعات الكبيرة الأخلاقيَّة، أو القانونيَّة، أو العامة في عصرنا. يخبرنا ريتشارد دوكينز، الملحد البريطاني والمؤمن بنظرية التطور، كيف علينا أن نفكر في أصولنا التاريخيَّة ومكاننا في هذا الكون.

كيف نتفحَّص كل هذه المزاعم؟ كيف يعلم البشر ماذا يفكِّرون في العلاقات، والأخلاقيَّات، والله، وأصول الكون، والعديد من الأسئلة المهمة الأخرى؟ للإجابة على مثل هذه الأسئلة، يحتاج البشر إلى نوع من المعيار، أو المقياس، أو الضوابط التي يمكنهم اللجوء إليها. بكلمات أخرى، إننا نحتاج إلى سلطة نهائيَّة مطلقة. بالطبع، لدى كل إنسان نوع من المعيار النهائي يلجأ إليه، سواء كان يدرك ما هو معياره أم لا. يلجأ بعض البشر إلى العقل والمنطق للفصل بين المزاعم المتناقضة عن الحق. يلجأ آخرون إلى خبرة الحواس. ويعتبر آخرون المرجع هو أنفسهم ووعيهم الشخصي بالأمور. بالرغم من وجود بعض الحقيقة في كل من هذه المناهج، إلا أن المسيحيُّون قد رفضوها كلها عبر التاريخ كالمعيار المطلق والنهائي للمعرفة. بدلاً من ذلك، أكَّد شعب الله دائمًا وفي كل مكان أنه يوجد شيء واحد فقط يمكنه أن يكون بشكل شرعي المعيار الأسمى: كلمة الله. لا يمكن أن يكون هناك سلطة أعلى من الله نفسه.

بالطبع، لسنا الجيل الأول من البشر الذي يواجه تحدي المزاعم المتناقضة عن الحق. في الحقيقة، واجه آدم وحواء مثل هذا المأزق في البداية. قال الله لهما بوضوح: "مَوْتًا تَمُوتُ" إن أكلوا من شجرة معرفة الخير والشر (تكوين 2: 17). من الجانب الأخر، قالت لهما الحية عكس ذلك: "لَنْ تَمُوتَا!" (3: 4). كيف ينبغي على آدم وحواء الفصل بين هذه المزاعم المتناقضة؟ بواسطة التجربة؟ بواسطة العقلانيَّة؟ بما يبدو صحيحًا لهما؟ لا، بل كان هناك معيارًا واحدًا فقط كان يجب أن يلجؤوا إليه لاتخاذ هذا القرار: الكلمة التي تكلَّم بها الله لهما. للأسف، ليس هذا ما حدث. فبدلاً من النظر إلى إعلان الله، قرَّرت حواء أن تفحص الأمور بنفسها: "فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، ... فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ" (3: 6). لا تخطئ الظن، فالسقوط لم يكن مجرد مسألة تناول آدم وحواء للثمرة. ففي جوهره، كان السقوط هو رفض شعب الله لكلمة الله باعتبارها المعيار المطلق لكل شؤون الحياة.

ولكن إن كانت كلمة الله هي المعيار المطلق لكل شؤون الحياة، فإن السؤال التالي مهم: أين نذهب لنحصل على كلمة الله؟ أين يمكن الحصول عليها؟ يقودنا هذا الموضوع بالطبع إلى أحد المناقشات الأساسيَّة للإصلاح البروتستانتي. فبينما وافقت سلطات الكنيسة الكاثوليكيَّة بروما على أن كلمة الله هي المعيار المطلق لكل شؤون الحياة والعقيدة، إلا أنهم آمنوا أن هذه الكلمة يمكن أن توجد في مواضع خارج الكتاب المقدس. ادعت كنيسة روما بوجود هيكل ثلاثي للسلطة يشتمل على الكتاب المقدس، والتقليد، والسلطة التعليميَّة (Magisterium). كان العنصر الرئيسي في هذه السلطة الثلاثيَّة هو السلطة التعليميَّة وهي المنصب الرسمي للتعليم في الكنيسة الكاثوليكيَّة بروما، والذي يشغله البابا في المقام الأول. نظرًا لأن البابا يُعتبر خليفة الرسول بطرس، وتصريحاته الرسميَّة (ex cathedra) كانت تُعتبر كلمات الله نفسه.

عند هذه النقط اعترض المصلحون بشكل قوي. ففي حين اعترفوا بأن الله قد سلَّم كلمته لشعبه بطرق متنوعة قبل المسيح (عبرانيين 1: 1)، إلا أنهم قالوا إنه لا يجب أن نتوقع إعلانًا مستمرًا الآن بعد أن تكلَّم الله أخيرًا في ابنه (الآية 2). إن الكتاب المقدس واضح أن المنصب الرسولي قد يهدف لأداء مهمة فدائيَّة في التاريخ مرة واحدة: وضع أساس الكنيسة (أفسس 2: 20). تتكون عمليَّة وضع الأساس التي قام بها الرسل في المقام الأول من إعطاء الكنيسة وديعة من التعاليم ذات السلطة التي تشهد عن عمل المسيح الفدائي العظيم وتطبِّقه. وبالتالي، فإن أسفار العهد الجديد، والتي هي تجسيد دائم لهذا التعليم الرسولي، يجب أن يُنظر إليها على أنها المجموعة الأخيرة من إعلان الله لشعبه. إن هذه الأسفار، إلى جانب أسفار العهد القديم، هي الأسفار الوحيدة التي تُعتبر بحق كلمة الله.

إن الإيمان الراسخ بعقيدة سولا سكربتورا (sola Scriptura)، أي الكتاب المقدس وحده هو كلمة الله وبالتالي فهو القانون الوحيد المعصوم للحياة والعقيدة، قدم الوقود اللازم لإشعال الإصلاح. بكل تأكيد، كانت هذه العقيدة تُعتبر "السبب الرسمي" للإصلاح (بينما عقيدة "الإيمان وحده" sola fide كان تُعتبر "السبب الجوهري"). تتجسَّد أبعاد هذه العقيدة في خطاب مارتن لوثر الشهير في مجمع ورمز (1521) بعدما طُلب منه أن يتراجع عن تعاليمه فقال:

ما لم أقتنع من شهادة الكتاب المقدس، أو من المنطق الواضح (لأنني لا أثق سواء في البابا أو في المجامع وحدها، إذ من المعروف جيدًا أنهم لطالما أخطأوا وناقضوا أنفسهم)، فإنني ملتزم بالكتاب المقدس الذي استشهدتُ به، وضميري أسير لكلمة الله. لا يمكنني أن أتراجع عن شيء بل ولن أفعل هذا، إذ ليس من الآمن أو من الصواب أن أخالف ضميري... وليعينني الله. آمين.

بالنسبة للوثر، كان الكتاب المقدس، والكتاب المقدس وحده، هو الحَكَم النهائي لما يجب علينا أن نؤمن به.

بالطبع، مثل الكثير من العقائد المسيحيَّة، فإن عقيدة سولا سكربتورا يُساء فهمها وتطبيقها كثيرًا. للأسف، استخدم البعض سولا سكربتورا كتبرير للفرديَّة على شاكلة "أنا والله والكتاب المقدس"، حيث لا تحمل الكنيسة أي سلطة حقيقيَّة ولا يتم مراعاة تاريخ الكنيسة عند تفسير الكتاب المقدس وتطبيقه. لذلك، فإن العديد من الكنائس اليوم هي غير تاريخيَّة تقريبًا — بمعنى أنها معزولة تمامًا عن التقاليد وقوانين وإقرارات الإيمان الثمينة بالكنيسة. هذه الكنائس أساءت فهم عقيدة سولا سكربتورا لتعني أن الكتاب المقدس هو السلطة الوحيدة بدلاً من فهمها لتعني أن الكتاب المقدس هو السلطة الوحيدة المعصومة من الخطأ. ومن المفارقات أن مثل هذا النهج الفردي يُضعف فعليًّا من عقيدة سولا سكربتورا والتي كان يهدف إلى حمايتها. فبالتركيز على استقلاليَّة المؤمن كفرد، يتبقَّى للمرء فقط استنتاجاته الشخصيَّة الخاصة حول معنى الكتاب المقدس. وفي هذه الحالة، ليست سلطة الكتاب المقدس التي تحظى بتقديرٍ كبير بل سلطة الفرد.

لم يكن المصلحين ليدركوا مثل هذا التشويه لعقيدة سولا سكربتورا الخاصة بهم. على العكس من ذلك، فقد كانوا حرصين للغاية على الاعتماد على آباء الكنيسة، والمجامع الكنسيَّة، وإقرارات وقوانين إيمان الكنيسة. لم يكن يُنظر إلى هذه الجذور التاريخيَّة كوسيلة للحفاظ على الإيمان القويم فحسب، بل أيضًا كوسيلة للإبقاء على التواضع. على عكس المفهوم الشائع، لم يرى المصلحون أنفسهم على أنهم يأتون بشيء جديد. بل فهموا أنهم يستعيدون شيئًا قديمًا جدًا — شيئًا آمنت به الكنيسة في البداية ولكنها غيَّريته وشوَّهته فيما بعد. لم يكن المصلحون مبتكرين بل كانوا مستكشفين ومنقِّبين.

توجد تطرفات أخرى تحمينا منها عقيدة سولا سكربتورا. على الرغم من أننا نريد بكل تأكيد أن نتجنب التوجُّه الفردي وغير التاريخي للعديد من الكنائس اليوم، فإن عقيدة سولا سكربتورا تحمينا أيضًا من التصحيح المفرط ورفع قوانين وإقرارات الإيمان أو أي وثائق (أو أفكار) بشريَّة أخرى لمستوى الكتاب المقدس. يجب أن نكون متيقِّظين دائمًا لئلا نقترف نفس الخطأ الذي ارتكبته كنيسة روما ونقبل ما يمكن أن نسميِّه "التقليديَّة"، والتي تحاول أن تقيِّد ضمير المؤمنين في مجالات لا يتطلَّبها الكتاب المقدس. بحسب هذا المفهوم، فإن عقيدة سولا سكربتورا هي الحارس للحريَّة المسيحيَّة. لكن الخطر الأعظم الذي نواجهه فيما يتعلَّق بعقيدة سولا سكربتورا ليس إساءة فهمها. بل الخطر الأعظم هو نسيانها. فنحن عُرضة أن نفكر في هذه العقيدة من منظور مباحثات القرن السادس عشر — مجرد بقايا الصراع القديم بين الكاثوليكيَّة والبروتستانتيَّة ولا صلة لها بيومنا هذا. ولكن الكنيسة البروتستانتيَّة في العصر الحديث تحتاج إلى هذه العقيدة الآن أكثر من أي وقت مضى. إن دروس الإصلاح قد نُسيت إلى حدٍ كبير، والكنيسة، مرة أخرى، بدأت في الاعتماد على سلطات نهائيَّة مطلقة خارج الكتاب المقدس.

من أجل إعادة الكنيسة لعقيدة سولا سكربتورا، يجب أن ندرك أننا لا يمكننا القيام بذلك فقط بالتعليم عن هذه العقيدة ذاتها (على الرغم من أننا يجب أن نفعل هذا). بدلاً من ذلك، فإن الطريقة الأساسيَّة التي نُعيد بها الكنيسة هي الوعظ بالكتاب المقدس. فكلمة الله وحدها لها القدرة على تغيير وإصلاح كنائسنا. لذلك، يجب ألا نتحدث فقط عن سولا سكربتورا، ولكن يجب علينا أن نُظهرها عمليًّا. وعندما نفعل ذلك، يجب علينا أن نعظ بكلمة الله كلها — بدون الانتقاء والاختيار للأجزاء التي نفضِّلها أو التي نظن أن شعب كنائسنا يريد أن يسمعها. يجب أن نعظ بالكلمة وحدها (sola Scriptura)، ويجب أن نعظ بكل الكلمة (tota Scriptura). الاثنان يسيران جنبًا إلى جنب. عندما يجتمعان معًا بقوة الروح القدس، يمكن أن يكون لنا رجاء لإصلاح جديد.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

مايكل كروجر
مايكل كروجر
الدكتور مايكل كروجر هو مدير كلية اللاهوت المُصلّحة بمدينة شارلوت، في ولاية نورث كارولاينا، وأستاذ العهد الجديد والمسيحية المبكرة بها. وهو مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك (Canon Revisited).