ما معنى أن نحمل صليبنا؟
٦ يناير ۲۰۲۰جوهر الحياة الكالفينية
۱۵ يناير ۲۰۲۰التوليب واللاهوت المُصلَح: الاختيار غير المشروط
تعني وجهة النظر المُصلَحة عن الاختيار، والمعروفة بالاختيار غير المشروط، أن الله لا يتوقع إجراءً أو شرطًا من جانبنا يدفعه إلى خلاصنا. بل إن الاختيار يعتمد على قرار الله بسيادته وسلطانه أن يخلَّص مَن يشاء حسب مسرَّته.
في رسالة رومية، نجد حديثًا عن هذا المفهوم الصعب. نقرأ في رومية 9: 10-13 "وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ، وَلاَ فَعَلاَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الاخْتِيَارِ، لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو، قِيلَ لَهَا: «إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ». كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ»". هنا يشرح الرسول بولس عقيدة الاختيار. وهو يتعامل معها بشكل كبير في رومية 8، ولكنه يوضِّح هنا تعليمه عن عقيدة الاختيار بالعودة إلى ماضي الشعب اليهودي والنظر إلى الظروف المحيطة بولادة التوأم، يعقوب وعيسو. في العالم القديم، كان من المعتاد أن ينال الابن البكر الميراث أو البركة الأبويَّة. إلا أنه في حالة هذا التوأم، عكس الله العمليَّة وأعطى البركة ليس للأكبر بل للأصغر. الهدف الذي يحاول الرسول الوصول إليه هنا هو أن الله لم يتَّخذ هذا القرار قبل ولادة التوأم فحسب، بل قام بذلك دون اعتبار لأي شيء سيفعلونه، سواء كان خيرًا أو شرًا، حتى تتم مقاصد الله. لذلك، فإن خلاصنا لا يعتمد علينا؛ بل يعتمد بالكامل على قرار الله بنعمته وسيادته.
هذا لا يعني أن الله سيخلِّص البشر سواء أتوا للإيمان أم لم يأتوا. هناك شروط فرضها الله من أجل الخلاص، أهمها هي وضع ثقة الشخص في المسيح. ومع ذلك، هذا شرط للتبرير، وعقيدة الاختيار هي أمر آخر. عندما نتحدَّث عن الاختيار غير المشروط، فإننا نتحدَّث في نطاق ضيِّق للغاية عن عقيدة الاختيار نفسها.
إذًا، على أي أساس اختار الله أن يخلِّص بعض البشر المحدَّدين؟ هل على أساس بعض ردود الأفعال المتوقَّعة من المختارين، أو استجابتهم، أو نشاط لهم؟ كثير من الناس الذين يُقرُّون بعقيدة الاختيار أو التعيين المسبق ينظرون للأمر بهذه الطريقة. فهم يؤمنون أنه منذ الأزل نظر الله عبر طرقات الزمن وعلم مسبقًا من سيقبل دعوة الانجيل ومن سيرفضها. وعلى أساس معرفته السابقة هذه بمن سيستوفون شرط الخلاص — أي التعبير عن الإيمان أو الثقة بالمسيح — فإنه اختار أن يخلِّصهم. هذا اختيار مشروط، مما يعني أن الله يقدِّم نعمة الاختيار على أساس شرط متوقَّع من البشر أن يستوفوه بأنفسهم.
إن الاختيار غير المشروط هو تعبير آخر أعتقد أنه يمكن أن يكون مضللاً بعض الشيء، لذلك فإني أفضِّل أن استخدم تعبير الاختيار السيادي. إن كان الله اختار بحسب سيادته أن يمنح نعمته لبعض الخطاة وأن يحجبها عن خطاة آخرين، فهل هناك أي انتهاك للعدالة في هذا الأمر؟ هل نال مَنْ لم يأخذوا هذه العطية شيئًا لا يستحقونه؟ بالطبع لا. إن سمح الله لهؤلاء الخطاة أن يهلكوا، فهل عاملهم بظلمٍ؟ بالطبع لا. مجموعة تنال النعمة، والمجموعة الأخرى تنال العدل. لا ينال أحد الظلم. توَّقع بولس هذا الاعتراض حين سأل: "أَلَعَلَّ عِنْدَ اللهِ ظُلْمًا؟" (رومية 9: 14 أ). جاءت إجابته بأكثر تشديد يمكن أن يقوله: "حَاشَا" (الآية 14 ب). ثم واصل بالإسهاب في إجابته فقال: "لأَنَّهُ يَقُولُ لِمُوسَى: «إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ، وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ»" (الآية 15). هنا ذكَّر الرسول بولس قرَّاءه بما أعلنه موسى من قرون مضت، وهو أنه من حق الله أن يتراءف متى شاء وأينما شاء. فقد قال من البداية: "أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ". فالأمر ليس مختصًّا بمَنْ يستوفون بعض الشروط، ولكن بمَنْ يُسر الله بأن يمنحهم هذه العطية.
في المقالة التالية، سنتناول الكفارة المحدودة.
انظر أيضًا:
التوليب واللاهوت المُصلَح: مقدمة
التوليب واللاهوت المُصلَح: الفساد الكلي
التوليب واللاهوت المُصلَح: الاختيار غير المشروط
التوليب واللاهوت المُصلَح: الكفارة المحدودة
التوليب واللاهوت المُصلَح: النعمة التي لا تُقاوم
التوليب واللاهوت المُصلَح: مثابرة القديسين
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.