إلى أي مدى الإنسان خاطئ؟
۲ ديسمبر ۲۰۱۹لماذا أسس يسوع العشاء الرباني في عيد الفصح؟
۱۱ ديسمبر ۲۰۱۹التوليب واللاهوت المُصلَح: الفساد الكلي
إن عقيدة الفساد الكلي تعكس وجهة النظر المُصلَحة عن الخطية الأصليَّة. غالبًا ما يُساء فهم هذا المصطلح الخطية الأصليَّة في الساحة الشعبية. يفترض بعض الناس أن مصطلح الخطية الأصليَّة لابد أنه يشير إلى الخطية الأولى — أي التعدي الأصلي الذي نقلناه جميعنا بعدة طرق مختلفة إلى حياتنا الشخصيَّة، أي الخطية الأولى لآدم وحواء. لكن هذا ليس ما تشير إليه الخطية الأصليَّة تاريخيًّا في الكنيسة. بل بالأحرى، فإن عقيدة الخطية الأصليَّة تحدد العواقب التي وقعت على الجنس البشري بسبب هذه الخطية الأولى.
فعليًّا، كل كنيسة عبر التاريخ لها قانون أو إقرار إيمان قد اتفقت أن أمرًا خطيرًا جدًا حدث للجنس البشري نتيجة للخطية الأولى — هذه الخطية الأولى انتجت الخطية الأصليَّة. أي أنه نتيجة خطية آدم وحواء سقط الجنس البشري برمته، ومنذ السقوط تأثَّرت طبيعتنا كبشرٍ بقوى الشر. كما أعلن داود في العهد القديم: "هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" (مزمور 51: 5). لم يكن يقول إنه كان خطية أن تنجب أمه الأبناء، ولم يكن يقول إنه قام بعمل شيء خاطئ وشرير بولادته. بل بالأحرى كان يعترف بحالة البشر الساقطة، تلك الحالة التي هي جزء من خبرة والديه، وهي الحالة التي جلبها هو نفسه إلى هذا العالم. لذلك، فإن الخطية الأصليَّة لها علاقة بالطبيعة الساقطة للبشر. الفكرة هي أننا لسنا خطاة لأننا نرتكب الخطية، ولكننا نرتكب الخطية لأننا خطاة.
في اللاهوت المُصلح، لا يعني الفساد الكلي الفساد المطلق. غالبًا ما نستخدم كلمة كلي كمرادف لكلمة مطلق أو كامل، فمفهوم الفساد الكلي يستعدي فكرة أن كل إنسان سيء بقدر ما يمكن أن يكون عليه. يمكنك أن تفكر في أشر إنسان في التاريخ مثل أدولف هتلر وتقول إنه لم توجد أي فضيلة تُفتدى في هذا الإنسان على الإطلاق، ولكني أعتقد أنه كان يملك بعض الحب تجاه أمه. فبقدر ما كان هتلر شريرًا، مازال يمكننا أن نفكر في طرق كان من الممكن أن يكون فيها أكثر شرًا مما كان عليه بالفعل. ففكرة الكلي في الفساد الكلي لا تعني أن كل البشر هم أشرار بقدر ما يمكنهم أن يكونوا أشرار. بل تعني أن السقوط كان خطيرًا جدًا حتى أنه يؤثر على الإنسان بأكمله. إن السقوط الذي يأسر ويسيطر على طبيعتنا البشريَّة يؤثر على أجسادنا؛ لهذا السبب نمرض ونموت. يؤثر على أذهاننا وتفكيرنا؛ لا تزال لدينا القدرة على التفكير، ولكن الكتاب المقدس يقول إن الذهن اظلّم وضعف. لم تعد إرادة الإنسان في حالتها الأصليًّة من القوة الأدبيَّة. فالإرادة، بحسب العهد الجديد، هي الآن في عبوديَّة. إننا عبيد للدوافع والرغبات الشريرة لقلوبنا. إن الجسد، والذهن، والإرادة، والروح — بالفعل الإنسان بأكمله — تلوَّث بقوة الخطية.
أحب أن استبدل تعبير الفساد الكلي بالوصف المفضل لدي، أي الفساد الجذري. من المفارقات أن كلمة جذري لها جذورها في الكلمة اللاتينيَّة التي تُترجم "جذر"، وهي رادكس (radix)، ويمكن أن تترجم جذر أو جوهر. فمصطلح جذري له علاقة بشيء يتخلل إلى جوهر الشيء. فهو ليس شيء عرضي أو ظاهري، موجود على السطح. إن الرأي المُصلَح هو أن آثار السقوط تمتد أو تخترق إلى جوهر كياننا. حتى الكلمة الإنجليزيَّة التي تُترجم جوهر تأتي في الواقع من الكلمة اللاتينيَّة كور (core)، والتي تعني "قلب". أي أن خطيتنا هي شيء يأتي من قلوبنا. وبمصطلحات كتابيَّة يعني هذا الأمر أنه من الجوهر أي من مركز وجودنا نفسه.
إذًا، المطلوب منَّا لكي نتشكَّل على صورة المسيح ليس مجرد بعض التعديلات الصغيرة أو التغييرات السلوكيَّة، ولكن لا يقل عن تجديد من الداخل. نحن بحاجة إلى الميلاد الثاني، أي أن نُخلق من جديد، أن توقظنا قوة الروح القدس. إن الطريقة الوحيدة التي يمكن للشخص من خلالها الهروب من هذه الحالة الجذريَّة هي أن يغيِّر الروح القدس الجوهر، أي القلب. ومع ذلك، فحتى هذا التغيير لا يهزم على الخطية على الفور. فالإزالة التامة للخطية تنتظر تمجيدنا في السماء.
في المقالة التالية، سنتناول الاختيار غير المشروط.
انظر أيضًا:
التوليب واللاهوت المُصلَح: مقدمة
التوليب واللاهوت المُصلَح: الفساد الكلي
التوليب واللاهوت المُصلَح: الاختيار غير المشروط
التوليب واللاهوت المُصلَح: الكفارة المحدودة
التوليب واللاهوت المُصلَح: النعمة التي لا تُقاوم
التوليب واللاهوت المُصلَح: مثابرة القديسين
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.