فخ إبليس
٤ ديسمبر ۲۰۱۹الاستعداد للعبادة
۱۰ ديسمبر ۲۰۱۹التعامل بحكمة مع أقوال الحكمة في الكتاب المقدس
يبدو أن كل ثقافة لديها حكمتها المُجمَّعة الخاصة بها، ورؤى ثاقبة للحكماء. في كثير من الأحيان، يتم الحفاظ على هذه الحكايات من الحكمة في شكل مَثَل. لدينا أمثال في الثقافة الأمريكيَّة. أفكر مثلًا في القول "الغرزة في وقتها تنقذ تسعة (أي تنقذ الثوب كله)" أو "النقود التي ندخرها هي النقود التي نكسبها".
الكتاب المقدس، بالطبع، لديه سفر كامل من هذه الأقوال الثاقبة — أي سفر الأمثال. ومع ذلك، فإن هذه المجموعة من أمثال الحكمة تختلف عن كل المجموعات الأخرى من حيث أن هذه الأقوال لا تعكس فقط الحكمة الإنسانيَّة بل الحكمة الإلهيَّة، لأن هذه الأمثال موحى بها من الله.
ومع ذلك، يجب أن نكون حذرين للغاية في طريقة تعاملنا مع هذه الأقوال الحكيمة وتطبيقها. ببساطة لأنها موحى بها هذا لا يعني أن الأمثال الكتابيَّة مثل القوانين، تفرض إلزامًا عامًا. ومع ذلك، يتعامل معها بعض الناس كما لو كانت وصايا إلهيَّة. إذا نظرنا إليها بهذه الطريقة، فإننا نواجه شتَّى أنواع المشاكل. فحتى الأمثال الموحى بها من الله لا تنطبق بالضرورة على جميع مواقف الحياة. بدلا من ذلك، فهي تعكس رؤى صحيحة بشكل عام.
لتوضيح هذه النقطة، اسمحوا لي أن أذكركم بأمثال ثقافتنا. أولًا، كثيرًا ما نقول، "انظر قبل أن تقفز". هذه نصيحة قيِّمة. لكن لدينا مثلًا آخر يبدو أنه يتناقض معه: "من يتردَّد هو تائه". إذا حاولنا تطبيق كلاً من هذه الأمثال في نفس الوقت وبنفس الطريقة في كل موقف، فسوف نشعر بالارتباك. في العديد من المواقف، تتطلَّب الحكمة أن نفحص بعناية خطواتنا التالية حتى لا نتحرك بتهور. في الوقت ذاته، لا يمكن أن نكون مشلولين للغاية في تقييمنا لمزايا وعيوب خطوتنا التالية لدرجة أننا نتردد لفترة طويلة قبل اتخاذ قرار ونفقد الفرص عندما تُتاح لنا.
بطبيعة الحال، لا يزعجنا حقًا أن نجد أمثالًا تبدو متناقضة في حكمتنا الثقافيَّة. لكن عندما نجدها في الكتاب المقدس، نجد أنفسنا نتصارع مع أسئلة حول مصداقيَّة الكتاب المقدس. دعوني أذكر مثالًا واحدًا معروفًا. يقول سفر الأمثال، "لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِه" (26: 4 أ). ثم، في الآية التالية نقرأ، "جَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ" (26: 5 أ). كيف يمكننا اتباع هذه التعليمات المتناقضة؟ كيف يمكن أن يكون الاثنين أقوالًا للحكمة؟
مرة أخرى، كما في المثال الذي ذكرته أعلاه، تعتمد الإجابة على الموقف. هناك ظروف معينة عندما لا يكون من الحكمة الإجابة على الجاهل حسب حماقته، ولكن هناك ظروف أخرى يكون من الحكمة فيها الإجابة على الجاهل حسب حماقته. يقول سفر الأمثال 26: 4، "لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ أَنْتَ". إذا كان هناك مَن يتحدث بحماقة، فليس من الحكمة عمومًا التحدث معه. مثل هذا الحديث لن يؤدي إلى شيء، والشخص الذي يحاول مواصلة الحديث مع الأحمق في خطر الوقوع في نفس الحماقة. بعبارة أخرى، هناك مواقف يكون وضعنا أفضل عندما نصمت.
مع ذلك في أوقات أخرى، قد يكون من المفيد الإجابة على الأحمق حسب حماقته. يقول سفر الأمثال 26: 5، "جَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ يَكُونَ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ". على الرغم من أن الفلاسفة اليونانيِّين القدماء جعلوا الجدال عملًا فنيًّا، إلا أن اليهود فهموا وأحيانًا استخدموا في التعاليم الكتابيَّة إحدى أكثر الطرق فاعليَّة للجدال مع الآخر. أنا أشير إلى reductio ad absurdum أي حُجة الاختزال للتسخيف، والتي تقلِّل من حُجة الشخص الآخر لمستوى اللامعقوليَّة. من خلال هذه التقنية، من الممكن أن تُظهِر للشخص الاستنتاج المنطقي الضروري الذي ينتج من حجته، وبالتالي تُظهِر أن افتراضاته تؤدي في النهاية إلى استنتاج سخيف. لذلك، عندما يكون لدى الشخص فرضية حمقاء ويطرح حجة حمقاء، يمكن أن تكون الإجابة على الجاهل حسب حماقته في بعض الأحيان أمرًا فعَّالاً للغاية. تخطو إلى منطقته وتقول: "حسنًا، سوف أتخذ موقفك من أجل الجدال، وسأصل به إلى نهايته المنطقيَّة وأريك حماقة موقفك".
لذلك، يهتم سفر الأمثال بتزويدنا بمبادئ توجيهيَّة عمليَّة للخبرة اليوميَّة. إنه كنز مهمل في العهد القديم، به كنوز لا حصر لها تنتظر في صفحاته لتوجيه حياتنا. إنه يحمل نصيحة حقيقيَّة وملموسة تأتي من فكر الله نفسه. إن أردنا الحكمة، فهذا السفر هو الينبوع التي نشرب منه. الأحمق هو من سيهمل هذا الينبوع. أما المتعطِّش لحكمة الله سيشرب منه بعمق. نحن بحاجة إلى الاستماع إلى حكمة الله حتى نتمكَّن من الخوض في العديد من الاضطرابات والارتباكات في الحياة المعاصرة. ولكن، كما هو الحال مع كل كلمة الله، نحتاج أن نتحمس لمعرفة كيفيَّة التعامل مع سفر الأمثال بشكل صحيح.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.