تألَّم برجاء
۲۵ فبراير ۲۰۲۱الخوف من عدم الارتقاء إلى القياس المطلوب
۲ مارس ۲۰۲۱كلمة الله واسطة النعمة
نسمع أحيانًا عن رياضيِّين أو فنَّانين أو مؤلِّفين موهوبين لا يستوفون حقهم من التقدير والمكانة. على الرغم من قدراتهم، تُهمَل أعمالهم ولا يجنون مقابلها العادل. تربكنا شهرة ونجاح الأشخاص الأقل موهبة، ونتساءل لماذا تُركِّز ثقافتنا على السطحيَّة والشهرة الفارغة. ومع ذلك، ينبغي لنا ملاحظة أن الكثير جدًا من الأنماط غير المنطقيَّة تُؤثِّر في هذا العالم؛ على سبيل المثال، كلمة الله ذاتها قد تم التقليل من شأنها ومن مكانتها. لذا، ينبغي لنا نحن المسيحيِّين الثبات في تقدير وإعلاء كلمة الله التي يستخدمها الله كواسطة أساسيَّة لتأسيس وبنيان كنيسته.
نحتاج أن نتذكَّر دومًا أن كلمة الله قويَّة. فقد كانت كلمة الله الأداة التي بها أُوجدت كل الخليقة (مزمور 33: 6؛ يوحنا 1: 3). وهي ذاتها في اللحظة عينها كلمة الله حاملة كل الأشياء (عبرانيين 1: 3). ومع زوال واضمحلال أعظم البشر مع أفضل أعمالهم من هذه الأرض، تبقى كلمة إلهنا إلى الأبد (إشعياء 40: 8). وفي خضم صراعنا للتأثير في القلوب والعقول تعد "كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (عبرانيين 4: 12). فكلمة الله أداة تغيير المؤمنين لأننا "مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لَا مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لَا يَفْنَى، بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الْأَبَدِ" (1 بطرس 1: 23).
كما يجب أن نتذكَّر أيضًا أن كلمة الله الحيَّة لها إمكانات كثيرة للنمو والانتشار. في سفر أعمال الرسل، نقرأ وصفًا رائعًا لنمو كلمة الله. لقد نصب الرسل تركيزهم على الصلاة وخدمة الكلمة؛ وعلموا أنها مركز خدمتهم (أعمال الرسل 6: 1-4). نتج عن ذلك مشاهد عظيمة لنمو الكنيسة في سفر أعمال الرسل بانضمام الآلاف إلى الكنيسة. ولكن يمكن القول بأن سفر أعمال الرسل يركِّز بشدة في كل أصحاحاته على انتشار كلمة الله ونموها وإكثارها وإعلانها (أعمال الرسل 6: 7؛ 12: 24؛ 13: 49؛ 19: 20). فإن فحصت بتدقيق سفر أعمال الرسل، ستجده تأريخًا لنمو كلمة الله بقدر ما هو لنمو الكنيسة. فبدلًا من أولويَّة التركيز على آثار كلمة الله المُتمثِّلة في نمو الكنيسة، لا بد أولًا أن نُقدِّم التقدير الملائم لكلمة الله التي بين أيدينا الآن وانتشارها.
عندما نفحص كيف تشهد الأسفار المُقدَّسة لهذه الحقائق، ينبغي لنا الاعتراف بأن كلمة الله لا بد أن يكون لها مكانة أساسيَّة في حياة الكنيسة. لا ينبغي إهمالها أبدًا. يُعلِّمنا السؤال 89 من دليل أسئلة وستمنستر وأجوبته المُوجَز:
يجعل روح الله قراءة الكلمة، وبالأخص الوعظ بها، واسطة فعَّالة لإقناع الخطاة وهدايتهم، وبنيانهم في القداسة والتعزية، بواسطة الإيمان، للخلاص.
يقصد دليل وستمنستر المُوجَز بوصفه أن قراءة كلمة الله والوعظ بها "واسطة"، أن كلمة الله أداة أو وسيلة. بمعنى أنها شيء من قبيل كيف ينبغي أن نستخدم منهج ما كواسطة لتغيير عقول الطلاب أو عمليَّة ما لتشكيل قطعة خشب. فالواقع هو أنه حتى بطباعة البشر للكتاب المقدس وكرازة الوعَّاظ به، فإن الرب هو الذي يستخدم الكلمة كأداة ليعمل فينا. وقد علَّم بولس الرسول كنيسة تسالونيكي قائلًا: "إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ" (1 تسالونيكي 2: 13).
حين يتعلَّق الأمر باستخدام كلمة الله، تتمثَّل المسؤوليَّة الأولى للكنيسة في ضمان الوعظ بالكلمة بتدقيق وبقوَّة وبأمانة، مع الإيمان بأن الرب يستخدمها. جاء ابن الله بذاته كارزًا بالإنجيل (لوقا 4: 18). وأُرسِل رسله في الأساس للكرازة بالكلمة. كما دُعيَ رجال مثل تيموثاوس وتيطس للتركيز على الوعظ والتعليم بسلطان (1 تيموثاوس 4: 13-14؛ تيطس 2: 13). إننا لهلكنا بدون الوعَّاظ والكارزين الذين أُرسِلوا لتبشيرنا بالخبر السار إذ أن "الْإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ" (رومية 10: 14-17). في تيطس 1: 3، يُعلِّم بولس بأن الله قد "أَظْهَرَ كَلِمَتَهُ... بِالْكِرَازَةِ". وهذا يعني أن الله "يُعلن" أو "يكشف عن" كلمته بالوعظ والكرازة. فما كان سرًا للإنسان الطبيعي قد أُعلِنَ.
حين نربط هذه المفاهيم معًا، ندرك أنه ليس من الطبيعي أن نستطيع فهم حقيقة الخطيَّة، أو نؤمن بالمسيح أو ندرك مدى عرض الأسفار المُقدَّسة وعمقها بدون الوعظ والكرازة. فكما تتمثَّل أولويَّة الأب والأم المجتهدين في تشكيل شخصيَّة الطفل وتكوينه من خلال كلماتهم، هكذا يجمع الله على نحوٍ عادي أبنائه ويشكِّلهم من خلال الوعظ بالكلمة والكرازة بها.
من أعظم بركات الوعظ الأمين إنه غالبًا ما يُقدِّم لنا حقائق، ويقوِّمنا، ويشجِّعنا بشكلٍ غير مُتوقَّع. إذا تُرِكنا لأنفسنا وأفكارنا، فسينتهي بنا الحال أن نحيا أو نتعلَّم حسب أهوائنا. أحيانًا، يمكن أن يؤدِّي هذا إلى إساءة استخدام أجزاء مُقتَطعة من الأسفار المُقدَّسة. ولكن التعرُّض المستمر للوعظ التفسيري، الذي ينهل من أعماق الكتاب المُقدَّس دائمًا ويُقدِّم لنا جُددًا وعتقاء، سيُقدِّم للمؤمن غذاءً روحيًّا صحيًّا. إن وجود واعظ يدرك احتياجات الكنيسة واهتماماتها سيثمر إرشادًا قد يكون صعبًا ولكنَّه في النهاية سيسترد نفوسنا ويهدينا إلى "سُبُلِ الْبِرِّ" (مزمور 23). يقول لنا العهد الجديد خمس عشرة مرة: "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ".
يوجِّهنا الكتاب المُقدَّس أيضًا إلى بركة استخدامنا الشخصي لكلمة الله كونها أحد وسائط النعمة. إن الحاجة إلى الوعظ لا يعني أن المؤمنين لا ينتفعون من دراسة كلمة الله بأنفسهم. كان كاتب المزمور يستيقظ باكرًا ليصلِّي ويقرأ كلمة الله (مزمور 119: 147-48). وكان أهل بيريَّة "الشرفاء" يفحصون الكُتب كل يوم (أعمال الرسل 17: 11). فإن القراءة الدقيقة والمستمرة ستُعِدَّك لتنصت إلى الوعظ وتميِّزه. إن التناول من مائدة قراءة الكتاب المُقدَّس باستمرار وعلى نحو ثابت سيُكمِّلك ويُؤهِّبك "لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ" (2 تيموثاوس 3: 17). كما أنه سيُقوِّمك ويُؤدِّبك (الآية 16)، الأمر الذي قد يُعد صعبًا لكنَّه ضروري. وسيُوجِّهك دومًا نحو احتياجك إلى المسيح وسيُحكِّمك للخلاص ويمنحك الأساس لإيمانك ولحياتك المسيحيَّة (الآيات 15-16).
حين تقرأ الكتاب المُقدَّس أو تستمع إلى الوعظ الأمين، يحدث أكثر من مجرَّد نقل الأفكار. إن كلمة الله ليست مجرَّد حبر على ورق، والوعظ أعظم من مجرَّد خطبة. فكلمة الله حيَّة، والرب يعمل بفاعليَّة بروحه القدوس من خلالها. يزخر الكتاب المقدس بالكثير من الأمثلة على ذلك: فالرب بكلمته يغرس بذور لا تفسد (1 بطرس 1: 23)، ويهبنا توبة وإيمانًا (رومية 10)، ويغذِّي نفوسنا بخبز الحياة (متى 4: 4؛ يوحنا 6: 35)، ويخلق في قلوبنا نبع مياه حيَّة (يوحنا 7: 38)، ويغسل كنيسته (أفسس 5: 26). إن ثبات الكلمة فينا يعني اتحادنا بالمسيح وخضوعنا لمشيئته كي نتعلَّم الرغبة في كل ما هو إلهي ومُقدَّس (يوحنا 15: 7). وهذا يعني أن كلمة الله عطية ثمينة لا تُقارَن من الله لنا وهو يعمل فينا من خلالها. في كلمة الله نلتقي بالمسيح وحين نلتقي بالمسيح تكون لنا شركة معه.
أخيرًا، هناك ضمان ويقين عظيم للمؤمن في حقيقة أن كلمة الله ثابتة لا تتغيَّر. نحن نحيا في عالمٍ يُنظر فيه إلى التغيير في حد ذاته كما لو أنه فضيلة، وذلك يشمل العديد من التغييرات غير الحكيمة للأخلاقيَّات الشخصيَّة والمجتمعيَّة والمعيشيَّة. التوجُّهات مُتغيِّرة. لكننا ممتنون لأننا، كوننا من أهل الكتاب المُقدَّس، نعترف بنفس كلمة الله مثل الكنيسة على مر العصور. لم تفقد كلمة الله أهميَّتها أو قوَّتها كواسطة للنعمة. بل تواصل انتشارها في جميع أقاصي المسكونة. "يَبِسَ الْعُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ" (إشعياء 40: 8).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.