هل يمكن أن أصلِّي صلوات النقمة؟
۱۱ يونيو ۲۰۲۰كيف رأى المصلحون الإسلام؟
۱۲ يونيو ۲۰۲۰أبناء الله
في القرن العشرين، قدَّم العالم الألماني لدراسات الكتاب المقدس رودولف بولتمان (Rudolf Bultmann) نقدًا شديدًا لنصوص الكتاب المقدس، بحجَّة أن الكتاب المقدس مليء بالإشارات الأسطوريَّة التي يجب إزالتها ليكون له تطبيق له مغزى في يومنا هذا. كان اهتمام بولتمان الرئيسي هو روايات العهد الجديد، ولا سيما تلك التي تتضمَّن قصص المعجزات، والتي اعتبرها مستحيلة. ومع ذلك، زعم علماء آخرون أن هناك جوانب أسطوريَّة في العهد القديم أيضًا. عادةً ما يكون المثال الأول لهذه الحجَّة هو القصة التي يعتقد البعض أنها توازي الأساطير اليونانيَّة والرومانيَّة القديمة حول الآلهة والإلهات التي تتزاوج أحيانًا مع البشر.
في تكوين 6، نقرأ هذه القصة: "وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا... كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ" (الآيات 1 – 4).
هذه القصة هي في الأساس مقدمة لرواية الطوفان الذي أرسله الله للقضاء على جميع الناس من الأرض، باستثناء عائلة نوح. وبطبيعة الحال، غالبًا ما يُنظر إلى قصة الطوفان نفسها على أنها أسطوريَّة، ولكن هذه المقدمة، التي نقرأ فيها عن الزواج بين "أبناء الله" و"بنات الإنسان"، يُنظر إليها على أنها أسطورة واضحة وصريحة.
إن الافتراض في هذا التفسير لتكوين 6 هو أن مصطلح "أبناء الله" يشير إلى كائنات ملائكيَّة. لكن لماذا يطرح بعض مفسري الكتاب المقدس هذا الافتراض؟ الجواب البسيط هو أن الكتاب المقدس يشير أحيانًا إلى الملائكة باعتبارهم أبناء الله، ويُفتَرض أن المقصود في تكوين 6 هو نفس الشيء. هذا بالتأكيد استنتاج مُحتمل يمكن استخلاصه، ولكن هل هو استنتاج ضروري؟ إجابتي هي لا؛ لا أعتقد أن هذا النص يُعلِّمنا بالضرورة فكرة العلاقات الجنسيَّة بين الملائكة والبشر.
لفهم هذا النص الصعب، علينا أن ننظر إلى التطبيق الأوسع لعبارة "أبناء الله". بشكل كبير، تُستخدم ليسوع نفسه. فهو ابن الله. كما ذكرنا، تُستخدم في بعض الأحيان للإشارة إلى الملائكة (أيوب 1: 6؛ ٢: ١؛ مزمور ٢٩: ١). كما أنها تُستخدم أحيانًا لوصف أتباع المسيح (مت 5: 9؛ رومية 8: 14؛ غلاطية 3: 26). لذلك فإن مفهوم البنوة الإلهيَّة في الكتاب المقدس لا يرتبط دائمًا بعلاقة بيولوجيَّة أو وجوديَّة (علاقة الكينونة). بل إنها تُستخدم أساسًا للحديث عن علاقة طاعة. وهذا يعني أن تكوين 6 قد يكون ببساطة يتحدَّث عن التزاوج بين أولئك الذين أظهروا نموذجًا لطاعة الله في حياتهم ومَنْ كانوا وثنيِّين في توجُّههم. بعبارة أخرى، يصف هذا النص على الأرجح الزيجات بين المؤمنين وغير المؤمنين.
يدعم السياق المباشر لتكوين ٦ هذا الاستنتاج. بعد سرد قصة السقوط في تكوين ٣، يتتبَّع الكتاب المقدس أنسال عائلتين، نسل قايين ونسل شيث. يُذكر نسل قايين في تكوين 4، ويُظهر هذا النسل شرًا متكاثرًا، وصل لامك إلى ذروته، الذي كان أول رجل متعدِّد الزوجات (الآيات ١٩) وفرح بالاستخدام القاتل والانتقامي للسيف (الآيات ٢٣-٢٤). على النقيض من ذلك، فإن نسل شيث، الذي يُذكر في تكوين 5، يُظهر البر. ويشمل هذا النسل أخنوخ، الذي "سَارَ ... مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ" (الآيات ٢٤). من نسل شيث وُلِدَ نوح، الذي كان "رَجُلًا بَارًّا كَامِلًا فِي أَجْيَالِهِ " (٦: ٩). وهكذا نرى نسلين، أحدهما يطيع الله والآخر يعصيه عمدًا.
لذلك، يعتقد العديد من علماء العهد القديم أن تكوين ٦ لا يصف التزاوج بين الملائكة والنساء من البشر ولكن الزواج المختلط لنسل قايين ونسل شيث. التقى النسلان، أحدهما بار والآخر شرير، معًا وفجأةً انشغل الجميع في السعي وراء الشر، بحيث "أَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ [قلب الإنسان] إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ" (الآية ٥). نحن لسنا بحاجة إلى الظن بأن ملائكة قد غزوا الأرض لكي نفهم هذا الأصحاح.
إن حل الصعوبات التفسيريَّة لتكوين ٦ يُذكِّرنا بأن نكون حذرين للغاية بشأن استخلاص استنتاجات من الكتاب المقدس لا مُبرِّر لها بالضرورة. إن التعبيرات الوصفيَّة "أبناء الله" و"بنات الناس" لا تعطينا رخصة لافتراض التزاوج بين كائنات سماويَّة وكائنات أرضيَّة. يجب أن نكون حذرين للغاية عندما ننظر إلى نص صعب مثل هذا لنرى كيف يتم استخدام المصطلحات في السياق الأوسع للكتاب المقدس. إنه مبدأ مهم للغاية أن الكتاب المقدس يجب أن يُفسِّره الكتاب المقدس.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.