أبناء الله
۱۲ يونيو ۲۰۲۰اقتراب الملكوت
۱۵ يونيو ۲۰۲۰كيف رأى المصلحون الإسلام؟
أثناء عصر الإصلاح، تزايدت الأخبار كثيرًا عن مدى توسُّع الدين الإسلامي وانتشاره. فقد كان توسُّع الإمبراطوريَّة العثمانيَّة التركيَّة، الذي وصل إلى ذروته من بدايات القرن السادس عشر إلى منتصفه، يُشكِّل تهديدًا سياسيًّا وعسكريًّا مُقلقًا على المسيحيَّة الأوروبيَّة. على الرغم من إجبار الجيوش الأوروبيَّة للأتراك على العودة أمام بوابات فيينا عام 1529، لكن في الحقيقة تركت القوات الإسلاميَّة أوروبا المسيحية في "رعب" استمر لعقود.[1] وبالتالي، أثناء معركتهم المستمرة مع الكنيسة الكاثوليكيَّة بروما، وجَّه المُصلحون بعض انتباههم إلى الإسلام. فبالإضافة إلى شرحهم وتوضيحهم لطبيعة الإسلام، تفكَّر المُصلحون في ماهيَّة الدروس التي أراد الله أن تتعلَّمها الكنيسة من توسُّع "الأتراك" (مرادف "المسلمين") على شعب مسيحي ظاهريًّا.
ونحن قد أنهينا احتفالنا بالذكرى الخمسمئة للإصلاح، نجد أنفسنا مشغولين بهذه الأسئلة عينها. يبدو أن الآن يُعد الوقت المناسب لطرح سؤال: كيف رأى المُصلحون الإسلام؟
طبيعة الإسلام:
لم يعتبر المُصلحون الإسلامَ "أحد الأديان العظيمة في العالم" أو "أحد الأديان الإبراهيميَّة الثلاثة". بل اعتبروا إلى حد كبير تعاليم مُحمد انحراف مهرطق عن المسيحيَّة.
تأتي كلمة هرطقة من معني "يلتقط أو يختار" في الأصل اليوناني، وهذا يعني أن أي هرطقة مسيحيَّة لا تقبل الإيمان المسيحي وحدة واحدة، بل تنتقي منه عناصر معينة على حساب عناصر أخرى. والمتبقِّي هو شيء استُخرج من المسيحيَّة لكنَّه ليس منها في شيء. إن أشهر هرطقتين في تاريخ الكنيسة هما الأريوسيَّة (هرطقة تُنكر الثالوث السرمدي)، والبيلاجيَّة (هرطقة تُنكر الخطيَّة الأصليَّة، وتُعلِّم أن الخلاص بالأعمال). كان صراع الكنيسة ضد الهرطقات طويل الأمد.
مع ظهوره في القرن السابع في منطقة تأثرت قبلًا بالمسيحيةَّ، زعم الإسلام، ولا يزال، أنه يحوي الوحي الحقيقي لله في العهدين القديم والجديد (على الرغم من ادِّعاء الإسلام بأن كتاب المسيحيَّة المقدس مُحرَّف). كما يزعم بإقراره بالتوحيد والإيمان بخلود النفس. ومع ذلك، فهو يرفض عناصر جوهريَّة عديدة في المسيحيَّة، على رأسها عقيدتي الثالوث والتجسُّد. بعبارة أخرى، فهو يلتقط من بين المعتقدات المسيحيَّة ويختار منها، مثل بقية الهرطقات.
بناءً عل ذلك، بعد أقل من قرن على تأسيس الإسلام، صنَّفه اللاهوتي المسيحي العظيم (سوري الأصل) يوحنا الدمشقي (John of Damascus) على أنه واحد من بين العديد من الهرطقات. في كتابه "حول الهراطقة" (Concerning Heresy) صب يوحنا معظم تركيزه على الإسلام، وكتب عن مُحمد قائلًا: "هذا الرجل بعدما بحث في العهدين القديم والجديد، يبدو إنه تحدَّث مع راهب أريوسي (مهرطق) ثم ابتدع هرطقته". ثم أبرز يوحنا عدة نقاط مقلقة منها (أ) أن الوحي الذي يدَّعي مُحمد أنه تلقَّاه، تلقَّاه بلا شهود؛ (ب) يُسمح للرجال تزوُّج أكثر من امرأة (حتى أربع زوجات)؛ (ج) يُسمح للرجال بتطليق زوجاتهم بكل سهولة.
في القرن الثاني عشر، كرَّس بطرس المُبجَّل (Peter the Venerable) (1092-1156) نفسه لدراسة الإسلام من مصادره الأصليَّة، وكلَّف بترجمة كاملة لكتابات الإسلام الدينيَّة إلى اللاتينيَّة الفُصحى. ثم كتب بطرس عن الإسلام مؤكِّدًا على أنه إحدى الهرطقات المسيحيَّة التي ابتعدت بعيدًا حتى اقتربت من الوثنيَّة.[2]
وبوصولنا إلى المُصلحين في القرن السادس عشر، نجد هنريك بولِنجر (Heinrich Bullinger) (1504-1575)، خليفة هنريك زوينجلي (Huldrych Zwingli) في زيورِخ، الذي درس الإسلام باستفاضة وكتب عنه أكثر من أي مُصلح آخر. رأى بولنجر الإسلام هرطقة أيضًا مكوَّنة من هرطقات عديدة مثل إنكار الثالوث، وإنكار عمل المسيح الكفاري كونه وسيطًا، والتأكيد على خلاص الإنسان بالأعمال، والتي ربطها بهرطقة البيلاجيَّة.[3] كما فهم بولنجر الادِّعاء بأن محمد كان نبي الله المُتمِّم لما قاله الرب يسوع في يوحنا 5: 43 "أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ تَقْبَلُونَهُ".[4]
وماذا عن رائدنا الشهير جون كالفن؟ في تفسيره لرسالة تسالونيكي الثانية الذي كتبه عام 1550، أشار كالفن بإيجاز إلى "الأتراك" في تفسيره لنص 2: 3 من الرسالة. واصفًا الإسلام بأنه "ارتداد واسع الانتشار"، أدرك كالفن أن عمل الإسلام هو "تحويل أتباع مُحمد، أي الأتراك، عن المسيح". ونتيجة لذلك، قال كالفن إن الإسلام "في عنفوانه مزَّق نصف الكنيسة تقريبًا".[5]
وفي توضيحه لآثاره، شخَّص كالفن جذور الأخطاء اللاهوتيَّة للإسلام. دائمًا ما كان يُلقِي كالفن، نصير مبدأ الكتاب المقدس وحده (sola Scriptura)، باللوم على عقيدتهم الزائفة عن الكتاب المقدس. على الرغم من تمسُّك المسلمون، ظاهريًّا، بالوحي الوارد في العهدين القديم والجديد، لكنهم يُقرِّون بوحي آخر (بالطريقة عينها التي عليها المورمون اليوم)، وبالتالي فهم "لا يبقون أنفسهم ثابتين داخل حدود الكتاب المقدس!"[6]
بإيجاز، رأى المُصلحون على نطاق واسع الإسلام كهرطقة مسيحيَّة انتقت بعض العناصر من المسيحيَّة ورفضت أخرى، وترسَّخت في مناطق خفتت فيها المسيحيَّة الحقيقيَّة جرَّاء الانحطاط الكبير في الإيمان والحياة، وانتشر فيها. فما الدروس التي استقاها المُصلحون من أجل الكنيسة في عصرهم؟
دروس من أجل الكنيسة:
أوضح بولِنجر أن الإسلام بزغ تاريخيًّا من تلك المناطق التي انحرفت فيها المسيحيَّة بشدَّة عن التعاليم الكتابيَّة. وبالتالي، أشار بولِنجر أن الإسلام في الواقع هو دينونة الله على حياة الشر في جميع المناطق المسيحيَّة — تمامًا مثلما ذكر أن الله استخدم الشعوب الأجنبيَّة (مثل الفلسطينيِّين، والأشوريِّين، والبابليِّين) لمعاقبة شعبه الضال في العهد القديم.[7] وبالتالي، صلَّى بولِنجر أن تسعى الكنيسة نحو استجابتين على تقدِّم الإسلام: الاستجابة الأولى هي التوبة عن خطاياها وسقطاتها، والاستجابة الثانية هي (بالتبعيَّة) كرازة المسلمين وتبشيرهم.[8]
كذلك رأى كالفن في الإسلام تحذيرًا للمسيحيِّين في كل مكان قائلًا: "لذلك دعونا نذكر جيدًا أننا لا بد أن نعصم (أنفسنا) بالديانة الطاهرة".[9] وهذا يبدأ بالتمسُّك الثابت بالأسفار المقدسة. كرَّر كالفن في إحدى عظاته من سفر أيوب قائلًا: "لا يكتفي الفضول الشيطاني أن يَتعلَّم من الكتاب المقدس فحسب! انظروا أيضًا كيف تأسَّس دين الأتراك! ادَّعى محمد بأنه نفسه هو مَنْ أتى بإتمام الوحي — بجانب الإنجيل".[10]
أدرك المُصلحون أن تقدُّم الإسلام في المناطق التي كانت مسيحيَّة قبلًا ما هو إلا دينونة إلهيَّة على انحطاط الحالة الروحيَّة لشعوب كانت مسيحيَّة في السابق. وبالتالي، دعوا المسيحيِّين إلى سماع دعوة الله إلى التوبة كلما سمعوا أخبار تهديدات الإسلام وانتشاره، ودعوهم بالأخص إلى سماع دعوة الله إلى التمسُّك بالكتاب المقدس، وبالكتاب المقدس وحده. فهذه التوبة وهذه الأمانة تجاه الكتاب المقدس وحدهما ما تمكِّنان الكنائس على توقُّع بركات الله على مجهودات كرازتهم للمسلمين. فبعد خمسة قرون، يصعب تجاهل قرائن الحاضر ونحن نرى تقدُّم الإسلام وازدهاره وتحديدًا في الغرب حيث أفسدت الفلسفة الإنسانيَّة العلمانيَّة عقائد الإصلاح وتعاليم المسيحيَّة العالمية، أو رُفضت، لصالح هذه الفلسفة.
وصف إسلام اليوم:
لم ينحصر مفهوم المُصلحين بينهم وحدهم. ففي القرن العشرين، نجد تأكيد عالم اللاهوت الكاثوليكي هيلاير بيلوك (Hilaire Beloc) على الرأي الأساسي نفسه في قوله: "كانت المُحمديَّة (الإسلام) هرطقة: وهذه نقطة جوهريَّة يجب استيعابها قبل الاستفاضة في الأمر. بدأ الإسلام بوصفه هرطقة، وليس دينًا جديدًا... فقد كان انحرافًا عن العقيدة المسيحيَّة. سريعًا ما أكسبته قوَّة استمراه وبقاءه مظهر الدين الجديد، لكن كل مَن عاصر نشأته، رآه على ما كان عليه — ليس إنكارًا للمسيحيَّة بل تحريفًا لشيء مسيحي وإساءة استخدامه". وتحدَّث سي. إس. لويس الشهير بإيجاز عن الإسلام بالطريقة نفسها حين قال في كتابه (الله في قفص الاتهام): "الإسلام ليس إلا أكبر الهرطقات المسيحيَّة".
في المناقشات السياسيَّة اليوم، حُث قادتنا على "تسمية العدو وتحديده" بدقة، أي تسمية الإرهاب الإسلامي بما هو عليه. لكن بصفتنا مسيحيِّين، لا بد أيضًا أن نسمِّي الإسلام ذاته ونحدِّده بدقة. فإن إطلاق تسمية "أحد أديان العالم التوحيديَّة العظيمة" على الإسلام يخفي حقيقة أن الإسلام، من الناحية التكوينيَّة، اتَّخذ حق الانتقاء والاختيار من بين المعتقدات المسيحيَّة ليؤسِّس معتقداته الخاصة، مثله مثل أعتى الهرطقات التي تصارعها الكنيسة منذ تأسيسها.
طلب بولس من تيموثاوس أن "تُوصِيَ قَوْمًا أَنْ لَا يُعَلِّمُوا تَعْلِيمًا آخَرَ ... وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلَا رِيَاءٍ. الْأُمُورُ الَّتِي إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا، انْحَرَفُوا إِلَى كَلَامٍ بَاطِلٍ. يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعَلِّمِي النَّامُوسِ، وَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ، وَلَا مَا يُقَرِّرُونَهُ (1 تيموثاوس 1: 3-7). يصعب إيجاد وصفًا أدق لمحمد من هذا.
يساعدنا تعريف الإسلام بأنه هرطقة على مقارنته مع المسيحيَّة نقطة مقابل أخرى، واضعين علامات محددة على أبرز نقاط انحرافه العديدة، لنؤكِّد على عقائدنا الجوهريَّة (الثالوث، والتجسُّد، وكفاية الكتاب المقدس، والخلاص بالنعمة وحدها بالإيمان وحده) بتكريسنا المتجدِّد.
وأيضًا يساعدنا تعريف الإسلام بأنه هرطقة على التحلِّي بالثقة في أن أفضل دفاع ضد الإسلام هو الدفاع عينه الذي نستخدمه ضد أي هرطقة — أي، تمسُّكنا بمسيحيَّة كاملة واضحة بلا مُساومة، بغض النظر عن عدم شيوع هذا في عصرنا أو أرضنا. ومثلما نشأ الإسلام في القرن السابع في منطقة انحرفت عن المسيحيَّة، فإنه ينتشر اليوم في أرجاء العالم التي فيها يتحوَّل البشر عن الإيمان المسيحي الواضح والكامل.
ومن هذا المُنطلق، قال القس العربي إسكندر جديد، المُسلم سابقًا وقد صار مسيحيًّا: "إن كان جميع المسيحيِّين مسيحيُّون، لما كان هناك إسلام اليوم".
أو، كما قال كالفن منذ أربعة قرون: "دعونا نذكر جيدًا أننا لا بد أن نعصم (أنفسنا) بالديانة الطاهرة".
[1] Stuart Bonnington, “Calvin and Islam,” The Reformed Theological Review, vol. 68, no. 2 (August 2009): 77.
[2] Emidio Campi, “Early Reformed Attitudes towards Islam,” Theological Review 31 (2010): 134.
[3] Ibid., 144.
[4] Bullinger, Reply to Seven Charges (1574), Reply 34r-v, quoted in W.P. Stephens, “Understanding Islam – in the light of Bullinger and Wesley,” EQ 81.1 (2009): 24.
[5] Calvin, Sermon on Deuteronomy, quoted in Campi, 146.
[6] Campi, “Early Reformed Attitudes towards Islam,” 146.
[7] Ibid., 145.
[8] Ibid., 145.
[9] Ibid., 146–47.
[10] Ibid., 146–47.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.