تأثيرات القلق
٦ سبتمبر ۲۰۲۲السلوك بأمانة في وجود القلق
۱۳ سبتمبر ۲۰۲۲حلُّ مشكلة القلق
ملاحظة المُحرِّر: المقالة 5 من سلسلة "القلق"، بمجلة تيبولتوك.
إننا نعيش في عالم التقدُّم التكنولوجي. فالكثير من الأشياء التي تساهم في تسهيل شكل حياتنا صارت في متناول أيدينا، كالميكروويف، وغسالات الأطباق، والهواتف المحمولة، وتطبيق سيري. ومع ذلك، ففي وسط كل تلك الأشياء التي تسهل حياتنا وتبسطها، لا تزال حياتنا تبدو شديدة التعقيد. فالكثيرون يعانون من الضغوط، والحيرة، والقلق. وصارت مراكز المشورة موجودة بكثرة مثل المطاعم والمقاهي. وغالبية رعاة الكنائس يقرُّون اليوم بأن عدد الأشخاص في كنائسهم الذين يحتاجون إلى المشورة صار يتجاوز الموارد اللازمة للاعتناء بهم على نحو كافٍ. فإننا نعيش في عالمٍ زاخرٍ بالقلق. لكن كمؤمنين، نستطيع أن نتوجَّه إلى الكتاب المقدس لنجد الحل الإلهي للقلق، ألا وهو التركيز على المسيح وعلى الرجاء الذي لنا فيه. وفي هذا الشأن، سنقرأ رومية 8: 18-30، وهو النص الرئيسي الذي نحتاج إليه لتشجيعنا.
إن التجارب والتحديات التي نقاسيها ليست بجديدةٍ من عدة نواحٍ. "فَلَيْسَ تَحْتَ الشَّمْسِ جَدِيدٌ" - بما في ذلك القلق (جامعة 1: 9). كانت كنيسة القرن الأول تعاني من ضغوط عنيفة؛ فلم تكن القوى السياسية في ذلك الوقت ودودة على الإطلاق تجاه المسيحية، وعُرِف الإمبراطور نيرون بازدرائه الشديد بالكنيسة، وكان اضطهاده للمسيحيين مفرطًا، حيث استولى على ممتلكاتهم، وعذَّبهم جسديًّا، وكانت "حفلات الحديقة" الشائنة التي يقيمها معروفة للغاية، حيث كان يستخدم المسيحيين كمشاعل بشرية للترفيه عن ضيوفه من الوثنيين. فقد عاش المسيحيون في روما تحت تهديد يومي بالموت، وعانوا من إقصاء اجتماعي يفوق أيَّ شيء عانى منه معظمنا. وإذا كان القلق هو رد الفعل الطبيعي من الذهن تجاه الضغوط، فقد كان لدى كنيسة روما إذن الكثير من الأسباب الوجيهة التي تدعوهم إلى أن يعانوا من القلق.
كتب بولس الرسالة إلى رومية كي يعزِّي ويشدِّد كنيسةً تتعرض للاضطهاد، وذلك حتى يتسنَّى لهم أن يجسِّدوا معنى النعمة رغم الضغوط. كانت كنيسة روما تعاني من ارتباكٍ يمكن تفهُّمه: فقد استودعوا أنفسهم ليسوع - ملك الملوك ورب الأرباب - لكن ولاءهم له لم يجلب لهم أيَّ سلام أو سكينة على الأرض. فمن نواحٍ كثيرة، كانت مكانتهم الاجتماعية ومميزاتهم المادية أفضل حالًا قبل أن يرتبطوا بيسوع وبكنيسته. لكنهم الآن أصبحوا كالغرباء والأجانب في وطنهم، يشهدون بعينيهم عداء الشيطان للكنيسة بكل وطأته وشدته. فلم يكن نيرون سوى دمية يحرِّك الشيطان خيوطها، متسبِّبًا في عنف وخراب في الكنيسة. شعر هؤلاء المسيحيون بوخزة لدغة نيرون الشيطانية، وجُرِّبوا بالاستسلام للقلق واليأس. أين يسوع وملكوته في وسط كلِّ ذلك؟ وأين السلام الذي ترجُّوه؟ وماذا قد يحدث لبيوتهم، ووظائفهم، وعائلاتهم؟
يصعب رسم هذه الصورة دون أن نلاحظ بعض أوجه الشبه على الأقل بين عصرنا هذا وبين روما في القرن الأول. ربما لسنا نقاسي اليوم الوطأة الكاملة للاضطهاد كما قاستها الكنيسة في تلك الأيام، لكننا مع ذلك لسنا بمأمن أيضًا من واقع الشرِّ. فإننا نَعلَم أن الاتحاد بالمسيح يمكن أن يكلف ثمنًا باهظًا، ونعلم العداء والإقصاء الاجتماعي الذي يمكن أن نعاني منه، ونعلم أيضًا أن شظايا خشبة الصليب يمكن أن تكون مؤلمة، حتى وإن كانت باهتة مقارنةً بثقل صليب مخلِّصنا. كذلك، نحن نعلم كيف نُغوَى بالاستسلام للقلق واليأس. فإننا نرى العواصف تختمر في العالم من حولنا، ونرى مدى استعداد الكثيرين في الكنيسة لتقديم تنازلات، بدلًا من الوقوف إلى جانب الحق. فالذئاب تحيط بالقطيع، والخراف صامتة.
في وسط كلِّ هذه الظروف، نطق بولس كلمة تشجيع محفِّزة. فلم يكن المسيحيون الرومانيون بحاجة إلى الاستماع إلى عبارات دينية مكرَّرة، أو إلى وعود فارغة بأن "تعيش أفضل أيام حياتك الآن"، لكنهم كانوا بحاجة إلى أن تُرفع أعينهم القلقة عن أمور هذا العالم وآلهته الزائفة، وتُثبَّت على المسيح، وعلى الرجاء اليقيني في السماء، الذي هو من نصيب الذين للمسيح. وهذا هو تحديدًا ما فعله بولس في رومية 8: 18-30. فقد بدأ حديثه مبيِّنًا للكنيسة أن التجارب والضيقات التي نقاسيها متوطِّنة في العالم الحاضر الشرير. فقد بدأ وجودها بعد الخلق مباشرة، عندما خضعت الأشياء الحسنة جدًا التي خلقها الله للبطل نتيجةً للخطية. فمنذ اللحظة التي أخطأ فيها آدم إلى الله، بدأت غيمة مظلمة ومنذرة بالسوء بإلقاء ظلالها على الخليقة بأسرها. فلم يكن البشر وحدهم هم الذين فسدوا بدخول الخطية إلى العالم، بل الخليقة نفسها أيضًا. ولذا، ابتدأت الخليقة تتوق إلى ذلك اليوم الذي فيه تُبطَل اللعنة، وتزول آثار الخطية نهائيًّا، ويصير الموت شيئًا من الماضي، وتتَّسم الحياة بالجمال، والنقاء، والسلام. فالخليقة، بحسب كلام بولس في رومية 8، تتوق إلى ذلك اليوم الأخروي، أي يوم الخليقة الجديدة، حين تصير كلُّ الأشياء - مرة واحدة وإلى الأبد - جميلة ومستقرة على الأرض، مثلما هي في السماء.
للأسف، يفكِّر معظم المؤمنين في الأمور الأخيرة كما يفكِّرون في أحداث من الإثارة والتشويق (هذا إذا فكَّروا فيها على الإطلاق). فإننا نركِّز على أسئلة من قبيل: ماذا سيحدث تحديدًا قبل النهاية مباشرة؟ ومَن قد يكون ضد المسيح؟ وهل سيحدث اختطاف سري للكنيسة؟ وقد ثبت أن مثل هذه الأمور تلهينا عن الاهتمام الأخروي الحقيقي والأساسي للكتاب المقدس، ألا وهو حضور ملكوت المسيح "بالفعل ولكن ليس بعد". فإن يسوع هو الملك بالفعل، وقد أتى ملكوته بالفعل نتيجةً لحياته، وموته، وقيامته. والروح القدس، بحسب بولس، هو عربون ما لنا بالفعل في المسيح. فإن باكورات ملكوت الله موجودة الآن بالفعل، لكن ذلك الملكوت في ملئه لم يأتِ بعد.
إلا أن التوتر والاحتكاك الناجم عن كون ملكوت المسيح قد أتى "بالفعل ولكن ليس بعد" هو ما يسبب لنا الكثير من الصعوبات. فإننا نتوقع الآن ما هو "ليس بعد"، أي نتوقع السماء على الأرض. وعندما نوصَى بالصبر والمثابرة، نقلق ونرتبك كثيرًا بدلًا من ذلك. كذلك، نحن نتوقع إكليل المجد الآن، لكن عندما يضع الله فوق أكتافنا صليب الألم بدلًا من ذلك، يتزعزع إيماننا بسهولة شديدة. قال مارتن لوثر إننا نقضي وقتًا كبيرًا في التركيز على لاهوت المجد أكثر من الوقت الذي نقضيه في التركيز على لاهوت الصليب. لم تكن هذه مشكلةً تخص القرن الأول وحده، بل قد درَّبتنا وسائل الراحة الحديثة على أن نتوقَّع نتائج فورية؛ وبالتالي، فإن تعلُّم السلوك بصبرٍ في الفترة الواقعة بين ما تحقَّق "بالفعل" من ملكوت المسيح و"ما لم يتحقَّق بعد" يمكن أن يشكِّل صعوبةً علينا. وجَّه بولس أنظار الكنيسة إلى الماضي، أي إلى الخليقة (التي تنتظر بصبرٍ منذ زمان طويل)، لكنه وجَّه أنظارنا أيضًا إلى المستقبل، أي إلى الخليقة الجديدة، قائلًا: "فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا" (رومية 8: 28). فمقارنةً بما سوف يُستعلن فينا في وقت لاحق، ما نقاسيه الآن باهتٌ للغاية لدرجة أن بولس قال إنه لا يستحق أن يقارَن من الأساس بالمجد العتيد.
إن المؤمنين يعيشون مفارقة زمنية. فإننا نعيش على الأرض لكننا ننتمي إلى السماء، ونعيش حياتنا في هذا الدهر لكن حياتنا محكومة في النهاية بالدهر الآتي، وملكنا معنا الآن لكنه سيأتي إلينا أيضًا، والله ليس مجرد رفيق لنا في رحلتنا لكنه هو وجهتنا أيضًا، ونحن في المسيح بالفعل لكننا لم نصر بعد ما سوف نصير عليه بالكامل فيه عندما نصبح معه في السماء. ربما ليست هذه الحقائق سهلة الفهم، لكنها جوهر ما يعنيه أن تكون مسيحيًا - أو أن تكون في المسيح والمسيح فيك.
يقودنا هذا إلى رومية 8: 28-30، الذي يمثِّل من عدة نواحٍ ذروة التعزية التي أمدَّ بها بولس هذه الكنيسة. نستطيع أن نقول الكثير عن هذا المقطع، لكننا سنركِّز على أمر واحد فحسب، ألا وهو مشابهة صورة المسيح. فقد اختتم بولس هذا المقطع المشجِّع بتوجيه أنظار الكنيسة إلى "الخير" العظيم الذي يواصل الله تحقيقه، حتى في هذا العالم الحاضر الشرير، ألا وهو أن يغيِّر الذين يحبهم (الكنيسة) ليكونوا مشابهين صورة المسيح. والآلام التي نقاسيها في الزمان الحاضر الشرير هي إحدى الأدوات التي يستخدمها الله في تشكيلنا وتغييرنا إلى صورة المسيح. فهذه الآلام ليست خارجة عن نطاق عنايته الإلهية، ولا هي آلام نزوية أو عشوائية، بل ثمة هدف سامٍ حتى للصعوبات التي نقاسيها، وهذا الهدف هو تشكيلنا إلى صورة المسيح.
تؤثِّر هويتنا في المسيح على شكل استجابتنا للتجارب والشدائد. فبدلًا من أن تقودنا الضيقات إلى القلق أو اليأس، ينبغي أن تذكِّرنا بأن السماء ستكون أفضل، وبأن المسيح فيه الكفاية، وبأن خفة ضيقتنا الوقتية التي نقاسيها الآن لا تقاس بثقل المجد الأبدي الذي ينتظرنا في المسيح في السماء. ولذا، دعونا لا نقلق، أو نخاف؛ ولا داعي أن يساورنا القلق. تُذكِّرنا ترنيمة A Mighty Fortress Is Our God ("إلهنا حصن منيع") بهذا قائلة: "لتذهب الأمتعة، وليرحل الأحباء، ولتمضِ هذه الحياة الفانية أيضًا. قد يقتلون الجسد، لكن حق الله ثابت، وملكوته أبدي".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.