تأثيرات القلق - خدمات ليجونير
مصدر القلق
۱ سبتمبر ۲۰۲۲
حلُّ مشكلة القلق
۸ سبتمبر ۲۰۲۲
مصدر القلق
۱ سبتمبر ۲۰۲۲
حلُّ مشكلة القلق
۸ سبتمبر ۲۰۲۲

تأثيرات القلق

ملاحظة المُحرِّر: المقالة 4 من سلسلة "القلق"، بمجلة تيبولتوك.

في بعض الأحيان، حتى وإن كنا نَعلَم أن أمرًا ما ليس صائبًا أو مقبولًا، قد يستغرق إدراكنا لوجهه القبيح بعض الوقت. فقد تبدو فكرة تشغيل مولد الكهرباء الموجود على شرفة المنزل فكرة جيدة في وسط عاصفة رعدية، لكن الصداع الناجم عن التسمُّم بغاز أول أكسيد الكربون سرعان ما سيثبت العكس. ونظير أيِّ أمرٍ آخر يحذرنا منه الكتاب المقدس، للقلق أيضًا بعض التأثيرات المدمِّرة للغاية. الكلمة المستخدمة في العهد الجديد بمعنى القلق، وهي merimna، تُترجم أيضًا إلى "اهتمام" أو "هم". ولأن القلق شعور حقيقي وسائد في عالمنا هذا، هكذا تأثيره أيضًا. وفي حين قد ينشأ القلق نتيجة سيناريوهات وهمية، أو مشكلات فعليَّة وحالية، أو شعور باقتراب المحنة، إلا أن حياة مفعمة بالقلق الدائم تجعل من المستحيل علينا أن نحب الله وقريبنا كما ينبغي. وبغض النظر عن سبب القلق أو مصدره، يعطل القلق الحياة على عدة مستويات.

التأثيرات الجسدية

ثمة سببٍ يكمن وراء طرح يسوع السؤال التالي: "وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟" (متى 6: 27). نعلم جميعًا أن القلق ليس هو المفتاح لطول العمر والصحة الجيدة. فالشعور بالخوف، والإحباط، وفقدان القدرة على النوم هي مجرد البداية. وفي حين يمكن لحالات مثل الألم المزمن، أو الإعاقة، أو المرض طويل الأمد أن تسبِّب القلق، يمكن أن تسير الأمور في الاتجاه العكسي أيضًا. فإن القلق المزمن يمكن أن يسبِّب الألم، والمرض، ومشكلات جسمانية أخرى، بسبب الاضطرابات الجسدية التي يسبِّبها. فالأدرينالين والكورتيزول يؤديان عدة أدوار ضرورية في أجسادنا، وقد أمدَّ الله أجسادنا بهما لأسباب وجيهة. يمكِّننا الارتفاع في نسبة هذين الهرمونين من مواجهة المواقف العصيبة، عن طريق التغيُّرات الفسيولوجية التي نخضع لها، مثل تسارع النبض، وتسارع الأنفاس، وتمدُّد الأوعية الدموية، الأمر الذي يتيح توصيل المزيد من الأكسجين إلى أدمغتنا وعضلاتنا، ممَّا يزيد من تركيزنا. لكن عندما تتدفَّق هذه الهرمونات عبر أجهزة جسمنا بشكل متكرر أكثر من اللازم، أو لمدة أطول من اللازم، تنتج عن ذلك مجموعة من الأمراض.

على نحو متزايد، صار العلماء يكتشفون علاقات بين القلق والآثار الجسدية السلبية. فقد أثبتت الدراسات أن القلق يمكن أن يؤدي إلى بعض أمراض القلب لدى البالغين الذين يتمتعون في الظروف العادية بصحة جيدة، وأنه توجد صلة بين التوتر العاطفي المزمن والقلق وبين استعداد المرء للإصابة بمجموعةٍ من المشكلات في الجهاز الهضمي، بدءًا من الارتجاع، إلى متلازمة القولون العصبي، وصولًا إلى مرض السرطان. ويصير المرء أشد عرضة للخطر مع تقدم العمر، لأن البالغين الأكبر عمرًا يعانون على الأرجح من أمراض أخرى تسرِّع من تدهور الحالة الجسدية المتصلة بالقلق. ولا تزال الأبحاث مستمرَّة. وبالتالي، فإن استسلامك للقلق حتى النهاية قد يشكِّل خطرًا حقيقيًّا أكثر مما تظن.

التأثيرات على العلاقات

للقلق تأثيرات ظاهرة على أجسادنا، يمكن رصدها وقياسها، لكن يكمن أصلها عادة في عقولنا وأرواحنا. وبسبب ذلك، يجب ألا نتوقع ألا يكون لذلك تأثير على علاقاتنا. فإن التأثيرات العلائقية للقلق قوية أيضًا إلى حدٍّ مدمر. فمن الناحية الطبية، للقلق علاقة بمشكلات في الذاكرة قصيرة الأمد، والتركيز، ومستوى الأداء في العمل، ومدة التركيز في القراءة، وغير ذلك أيضًا. لا عجب إذن أن يسبِّب القلق صعوبة في التواصل الاجتماعي.

لكن، تتجاوز الصعوبات الأبعاد الوظيفية. فإننا نَعلَم أن زيارة شخصٍ يعاني من القلق تشكِّل صعوبة. فإذا خاض أحدنا محادثة مع شخص كهذا، ربما ستميل إما إلى التركيز على الأمور السطحية، وإما سيجرنا هذا الشخص إلى عالم الهموم المظلم الذي يعيش فيه. خلال زيارتي لإحدى السيدات المسنَّات اللواتي أعرفهن، لم تكن تكتفي بالحديث والثرثرة عن الحوادث والأمراض البشعة، بل كانت تتحدث أيضًا عن أحداث محتمَلة، وتستفيض في التعبير عن مخاوفها من المستقبل. كان يبدو لي كما لو أنها فتحت الباب على مصراعيه للأفكار المظلمة، دون أن تكون منتبهة إلى الآثار التي قد تنجم عن ذلك. فقد كانت تعاني حزنًا حقيقيًا في حياتها، لكن قلقها حيال المستقبل حال دون تمتُّعها بعلاقات حقيقية وجيدة مع الآخرين.

يجعلنا القلق نتمحور حول ذواتنا ومشكلاتنا. فإننا نتقوقع حول أنفسنا، مثقَّلين تحت أعباء لم يكن من المفترض أن نحملها، فنجرَّها معنا إلى كلِّ مكان نذهب إليه، وبهذا نصطدم بالآخرين في الطريق. قالت جيني ماري جيون لصديقةٍ لها هذه الكلمات: "إن الكآبة تسبِب انكماشًا وذبولًا للقلب ... وتضخِّم من حجم الأشياء، مضفيةً مظهرًا زائفًا عليها، وبالتالي جاعلةً أعباءكِ أثقل من أن تُحتَمَل". فالقلق يجعلنا نرى العالم بعدسة الخطية السلبية. ومن البديهي أن تعيق هذه التأثيرات التواصل الاجتماعي والعلاقات الصحية بالآخرين.

لكن، تتجاوز التأثيرات الجانب الاجتماعي. ففي ترنيمة آنا وارنج (Anna Waring) بعنوان: “Father, I Know That All My Life”، وهي الترنيمة التي تُعَد بمثابة صلاة، التمست آنا من الربِّ "قلبًا غير منشغلٍ بنفسه، حتى يكون هادئًا وحنونًا". يسلبنا القلق ذلك. فعندما نتمحور حول أنفسنا، لا نعيش في حرية من ذواتنا، بل في المقابل، تستنزفنا أفكارنا وانشغالاتنا بأنفسنا، فنتبعد عن الفرص الحقيقية المحيطة بنا. فصحيح أن القلق يسلبنا العلاقات الاجتماعية، لكنه يسلبنا أيضًا الفرص للخدمة، ويسلبنا العلاقات الروحية النابعة من الشركة مع آخرين، ومن كوننا نافعين لهم. تلك العزلة العلائقية النابعة من القلق ليست مصادفة أو أمرًا عرضيًّا، لكنها أحد مخططات الشيطان. فإن المؤمن المحروم من علاقات وثيقة بالآخرين، ومن انخراط في جماعة من المؤمنين، يكون هدفًا سهلًا للشك واليأس. وتوجد صلة وثيقة بين التأثيرات العلائقية والتأثيرات الروحية للقلق.

التأثيرات الروحية

يبدأ تأثير القلق وينتهي فعليًا داخل الروح. فإذا كان القلق يؤثر في علاقاتنا البشرية، فكيف لا يؤثر في علاقتنا بالله؟ في كثيرٍ من الأحيان، ينشأ القلق عندما نشك في حكمة الله وصلاحه، أو يغيب ذلك عن أعيننا. وبدلًا من أن نكون كالفطيم نحو أمه، تصير أرواحنا مضطربة، وطامعة، وقلقة حيال أمور خارجة عن نطاق سيطرتنا (مزمور 131: 2)، فنعجز عن أن نستريح في العناية الإلهية. يحدث ذلك بصفة خاصة عندما نقلق حيال أمور لم تحدث من الأساس. تذكِّرنا إليزابيث إليوت (Elisabeth Elliot) بأن الله يَعِدنا بنعمةٍ لا تصلح لتخيُّلاتنا وأوهامنا، بل تصلح فقط للواقع. فهو يَعدُنا بمراحم جديدة في كلِّ صباح، وليس بمراحم لأجل كلِّ همٍّ نعاني منه. تقول وارينج أيضًا: "ثمة أشواك تحاصر كل سبلنا، وتستدعي منا اهتمامًا وصبرًا. وثمة صليبٍ في كل أمرٍ، وحاجة جادة إلى الصلاة. لكن القلب المنسحق المتكل عليك يكون سعيدًا في كلِّ حال". فإن إدراك المخاطر الروحية للقلق ليس إنكارًا لوجود أمور صعبة ومخيفة في هذا العالم. تحذرنا جيون قائلة: "إن المظهر الخارجي الحزين منفِّر من الدين وليس جاذبًا إليه. علينا أن نخدم الله بفرح في الروح، وحرية، وانفتاح، الأمر الذي سيُظهِر للآخرين أن نيره هيِّن".

أليس هذا هو جوهر الأمر؟ فإننا نقلق في غالبية الأحيان إما لأننا لسنا نؤمن، وإما لأننا لسنا نشعر بأن راعينا صالحٌ. في بعض الأحيان، يحاصرنا الظلام بالفعل، ويصير الإيمان بصلاح الله في كلِّ حين صراعًا روحيًّا. وفي بعض الأحيان أيضًا، يكون الشعور بصلاح الله أملًا بعيد المنال. لهذا للقلق تأثير خطير على أرواحنا. فهو يجعلنا نشك في الآب، ذاك الذي لم يمنع ابنه الوحيد عنا. فالقلق يصغي إلى الأكاذيب، التي قد يكون صوتها مرتفعًا، وقد تقتحمنا بسهولة، لكنها في النهاية أكاذيب. لكنَّ القلق ينشر هذه الأكاذيب أيضًا، لأننا نحمل اسم المسيح في الكنيسة وفي العالم، لكننا نسلك في الوقت نفسه كما لو أنه ليس كلي القدرة، أو كلي المعرفة، أو كلي الوجود، أو صالحًا. يحاول القلق طرد الحق خارجًا؛ وعندما يحدث ذلك، تصطف الأكاذيب متلهفة على أن تحلَّ مكانه. وتلك الأكاذيب المتعلِّقة بشخصية الله ووعوده هي الأشد تدميرًا، لأنها تسعى إلى خلق شكٍّ حيال الشخص الوحيد الذي هو مصدر معونتنا وتعزيتنا. فإن القلق والأكاذيب المصاحبة له تفصلنا عن الله. ربما لهذا السبب كتبت إيلين تاونسند (Elaine Townsend) تقول: "علِّمني يا رب ألا أقلق البتة، بل أن أفتح قلبي لك. وأشكرك على السلام الذي تمنحني إياه عندما أفتح قلبي لك".

الخاتمة

صحيح أن هذه التأثيرات جميعها التي يسبِّبها القلق مخيفة، لكن لا تسمح لها بأن تثير قلقك. ومن الواضح أن هذه التأثيرات تبرهن على حماقة تبريرنا لقلقنا. ألسنا جميعًا نفعل ذلك؟ فإننا نفعل ذلك في بعض الأحيان عندما نعاني من القلق حيال أمر مهم له قيمة. فإننا نبرِّر لأنفسنا قلقنا حيال أولادنا بأننا نحبهم، ونبرِّر قلقنا حيال المجتمع بأننا مهتمُّون بالأمان والأخلاق، ونبرِّر قلقنا حيال صحتنا بادِّعاء أننا وكلاء على أجسادنا. وفي أحيان أخرى، نحاول تبرير قلقنا عن طريق اختيار الأزمات التي تغذِّي هذا القلق، والاستغراق في التفكير في التأثير المحتمَل لتحطُّم سيارة، على سبيل المثال، أو للإصابة بمرض عضال. فإننا نبرر قلقنا لأنفسنا وربما لأصدقائنا أيضًا.

إلا أن أمرًا له مثل هذا التأثير المدمِّر على أجسادنا، وأذهاننا، وأرواحنا يجب محاربته؛ وأمرًا لديه القدرة أن يبعدنا عن الله، وعن مجتمعاتنا، وعن التمتُّع بالصحة الجيدة هو أمرٌ لا يمكن تبريره فعليًا، أليس كذلك؟ فإننا بلا عذر إن استسلمنا في الحرب، أو طلبنا هدنة، أو تفاوضنا مع العدو. فما من مبرِّر كافٍ لذلك. وفي بعض الأحيان، نساوي بين القلق والتمييز، أو الاهتمام، أو حتى المحبة والصلاة؛ إلا أن ثمر تلك الأمور هو السلوك بالتقوى والثقة، وهي أمور تعطي حياة. أما ثمر القلق، فهو قاتل ومدمر على عدة مستويات. دعونا لا نبرِّره إذن، لأن مخاطر ذلك كبيرة. بل دعونا نحاربه. ربما لا تكون هذه الحرب قصيرة الأمد أو واضحة المعالم، وربما يتطلَّب منا الأمر تلقي مساعدة من أطباء، ورعاة كنائس، وآخرين أيضًا، لكن الاستسلام في هذا الجهاد الحسن ليس خيارًا مطروحًا أمام أولاد الله.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

ريباكا فاندوديوارد
ريباكا فاندوديوارد
ريباكا فاندوديوارد هي مُؤلِّفة كتاب "سيدات الإصلاح: شخصيَّات من القرن السادس عشر شكَّلت إعادة ميلاد المسيحيَّة" (Reformation Women: Sixteenth-Century Figures Who Shaped Christianity’s Rebirth) وسلسلة كتب مُصوَّرة للأطفال. وهي تقيم في مدينة جراند رابيدز بولاية ميشيجان.