حلُّ مشكلة القلق
۸ سبتمبر ۲۰۲۲الحُكم العادل
۱۵ سبتمبر ۲۰۲۲السلوك بأمانة في وجود القلق
ملاحظة المُحرِّر: المقالة 6 من سلسلة "القلق"، بمجلة تيبولتوك.
إن القلق شعورٌ محيِّرٌ ومراوغٌ. فالبعض عانوا من قلق منهك أوصلهم إلى عربة الإسعاف، في حين يعاني آخرون من آن لآخر من بعض أفكار القلق، التي تعبر على أذهانهم سريعًا، ثم يغطُّون بعد ذلك في نوم عميق هانئ. ويمكن للقلق أن يصعب على البعض أداء مهامهم اليومية الأساسية، في حين يصيب القلق آخرين بضع مرات فقط خلال السنة، دون أن يعيق حياتهم اليومية بشكل كبير. وبغض النظر عن الشكل الذي يتخذه القلق، يحتاج المؤمنون أن يعرفوا كيف يمكن أن يواجهوه باستخدام الوصايا والحكمة الكتابية التي لا غنى عنها لقلوبنا المضطربة. فعندما يطل القلق بوجهه القبيح، ماذا ينبغي أن نفعل؟ وعندما يكون القلق رفيقًا دائمًا للمؤمن، كيف يمكن أن يظل أمينًا؟
قبل أن نتناول هذه الأسئلة، يجدر بنا أن نذكر أن غريزة الكرِّ أو الفرِّ التي وضعها الله فينا هي غريزة جيدة. فقد خلق الله لنا عقولًا لتنبِّهنا إلى الخطر المحتمَل. إلا أن عقولنا اليوم خاضعة لتأثيرات السقوط، وبالتالي يمكن لأنظمة تحسُّس الخطر فيها أن تضلِّلنا في بعض الأحيان. وبالتالي، ليس كلُّ قلق هو مجرد إخفاق في إطاعة وصايا متى 6، أو الانتفاع من وعوده. قال د. أر. سي سبرول: "أوصانا ربُّنا نفسه ألا نهتم بشيء. ومع ذلك، نحن مخلوقات تستسلم للقلق، رغم إيماننا، بل ونستسلم في بعض الأحيان أيضًا للاكتئاب". فإننا مخلوقات من جسد وروح، وبالتالي، نحن مخلوقات معقَّدة. لسنا غنوسيين، نركِّز فقط على ما هو روحي على حساب ما هو مادي. لا يفعل الكتاب المقدس ذلك (انظر 1ملوك 19؛ 1تيموثاوس 5: 23)، ولذا علينا نحن أيضًا ألا نفعل ذلك. فكِّر على سبيل المثال في شخص نجا بالكاد من حادث سيارة مميت، فصار يجد صعوبة بالغة في ركوب سيارة مرة أخرى. هل أصل صراعه هذا جسدي أم روحي؟ الإجابة هي كلاهما. فكل ما نختبره بصفتنا أرواحًا تعيش في أجساد إنما هو جسدي وروحي على حدٍّ سواء.
نحن نتعلَّم الكثير عن حياتنا المادية من خلال البحث العلمي في إعلان الله العام في الطبيعة. وفي ضوء أن كلَّ حق هو حق الله، نستطيع أن نقبل دون تحفظ أفكار البحث العلمي لكن في خضوع لكلمة الله. وفيما يتعلق بحالات مثل القلق والاكتئاب، يفترض البحث العلمي بوضوح أن بعض الأشخاص لديهم ميل أكبر إلى المعاناة من اضطرابات معرفية واختلال في دوائر الدماغ الكهربائية. وبصرف النظر عن المزيج المحدَّد من الأسباب الجسدية والروحية للقلق، يقدِّم لنا الكتاب المقدس الحلَّ. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، سيركِّز هذا المقال على الكيفية التي يمكن بها للمؤمنين الذين يصارعون مع القلق أن يسلكوا بأمانة في وجود القلق، وأن يسعوا إلى التحرر من القلق، ويكتشفوا مقاصد الرب الفدائية سواء في القلق أو من خلاله.
خلال محاربتنا للقلق، يمكننا لذواتنا أن تكون هي ألدَّ أعدائنا. فالقلق، والصدمات، والاكتئاب تتزايد وتستمر في كثير من الأحيان بسبب سلوكياتنا غير الصحية (على سبيل المثال، عادات غير صحية لتناول الطعام، وعدم ممارسة الرياضة، وعدم النوم)، وبسبب أنماط تفكير غير صحية (على سبيل المثال، رثاء النفس، والأفكار غير المجدية، والعواطف غير المنضبطة)، وكذلك بسبب عدم الانضباط (على سبيل المثال، الكسل، والانعزالية). قال ريتشارد باكستر (Richard Baxter): "أولئك الذين هم عُرضة بالفعل للاكتئاب ينغمسون إلى عمق أكبر فيه بسهولة وبصورة متكررة بسبب أنماط تفكير أو مشاعر غير منضبطة". فعلى المؤمن الذي يعاني من القلق أن يكون يقظًا، ربما أكثر من الباقين. فعلينا أن نراقب بعناية وحذر أنماط تفكيرنا (1 كورنثوس 4: 20؛ فيلبي 4: 8)، وعاداتنا السلوكية (1 تيموثاوس 4: 16)، وتأثير ما نتعلَّمه علينا (2 تيموثاوس 4: 3-4)؛ وأن نكرس أنفسنا للصلاة (فيلبي 4: 6)، وضبط النفس (1 كورنثوس 7: 5؛ 9: 25؛ غلاطية 5: 23)، والانضباط (1 كورنثوس 9: 27؛ تيطس 1: 8)؛ وأن نفحص عواطفنا، ومشاعرنا، وردود فعلنا في ضوء كلمة الله الموثوقة (1 يوحنا 3: 20). عانى تشارلز سبرجن من نوبات من القلق واليأس، ولهذا كان يُذكِّر مستمعيه كثيرًا بأن المشاعر متقلبة، قائلًا: "الذي يعيش بالمشاعر سيكون سعيدًا اليوم لكن تعيسًا في الغد".
ربما نظن أن الحلَّ لتلك المشاعر والأفكار التي تأتينا بلا دعوة هو ببساطة أن نغير من هذه المشاعر، أي أن نتخلَّص من تلك الإنذارات المزعجة. لكن الهدف الصحيح ليس هو تغيير طبيعة مشاعرنا، بل الطاعة الأمينة. وفي بعض الأحيان، ستنطوي هذه الطاعة الأمينة على عملية طويلة ومؤلمة تتمثَّل في أن نتعلم كيف نكون مثل المتفرِّجين من بعيد على المشاعر والأفكار غير المرغوب فيها. يمكن لهذا النوع من المضي قدمًا بأمانة بغض النظر عن المشاعر أن يكون صعبًا. فربما نصارع لمغادرة الفراش في الصباح، عندما نفكِّر في كلِّ ما سيحمله لنا هذا اليوم من رسائل إليكترونية لا تتوقف، وأخبار سيئة محتملة، ومهام رتيبة، واحتياجات الأولاد المستمرة، وفواتير ضخمة. لكننا نثق، بالصلاة، في أن الرب سيحفظنا ويدعمنا في مسيرنا خطوة بخطوة. يقول لنا يسوع: "يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ" (متى 6: 34). وفي بعض الأحيان، يكفي المهمة الواحدة شرُّها. لكننا سنمضي قدمًا، خطوة بخطوة.
إن الحرية من القلق المعطِّل تتطلَّب البقاء في حضرة الغياب المؤلم لليقين مع الحفاظ في الوقت نفسه على الإيمان. وتحديدًا، في وسط الضيق الناجم عن القلق، ثمة أهمية حيوية أن نلجأ إلى اتحادنا السري بالمخلص المتألم. خلال فترات الاضطراب العاطفي التي كان مارتن لوثر يمرُّ بها، حيث كان الشيطان ينهال على ضميره بالاتهامات، كان يتخيَّل نفسه وهو يتألم مع المسيح في آلامه. فقد آمن لوثر بأن سهام الشرير الملتهبة ونوبات القلق المؤلمة هي فرصة للاتحاد بمخلِّصنا في آلامه، من أجل إماتة بقايا الإنسان العتيق، والتجرُّد من إصرارنا على التحكم في مصيرنا ومعرفة كلِّ شيء. وعند هجوم القلق المؤلم علينا ليزعزعنا، علينا ألا نستسلم للذعر، بل في المقابل، علينا أن نجتهد كي نفهم ردود فعل أذهاننا فهمًا موضوعيًّا. يذكِّرنا كاتب المزامير بأن نسكِّن أذهاننا، قائلًا: "كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ" (مزمور 46: 10). علينا أن نظل هادئين وثابتين، مثلما تذكِّرنا الترنيمة القديمة التي تقول: "عندما ينهار كلُّ ما يحيط بنفسي، هو يصير كلَّ رجائي وصخرتي". ففي وسط العاصفة الهائجة، يثق المؤمنون ويطيعون. وبصرف النظر عمَّا إذا كان الرب سيعطينا الراحة الكاملة في هذه الحياة أم لا، نحن نجاهد لنكون أمناء رغم همومنا ومخاوفنا، ونجتهد كي نتوب عندما نسمح بالفعل للقلق بالتحكُّم في حياتنا.
ليس من السهل بكل تأكيد أن نميِّز أي نوع من القلق هو الذي يُعَد خطية. قدَّم البيوريتاني جون فلافل (John Flavel) علامة بسيطة تساعدنا للتمييز قائلًا: "طالما يُوقظك الخوف لتصلِّي... فهو نافعٌ لروحك. لكن، عندما لا يؤدي بك الخوف سوى إلى تشتيتٍ واكتئاب للذهن، فهو خطية وفخ من الشيطان". بالإضافة إلى ذلك، علينا أن نفحص كلَّ الأفكار والمشاعر التي نعتبرها مشروعة. والأهم من ذلك، علينا أن نسأل: إلى أين نذهب بقلقنا؟ هل نأتي به إلى الرب كي نتحصَّن فيه، أم إننا نجلس ونطيل التفكير في هذا القلق، باحثين عن الراحة داخل أنفسنا؟ فإننا إذا تُرِكنا لحلولنا وأساليبنا الخاصة، سنلجأً من عاصفة القلق إلى الطعام، أو التكنولوجيا، أو الممتلكات، أو أية آبار أخرى لا تضبط ماء. فإذا استسلمنا لميولنا الداخلية - مثل الميل إلى الهروب، أو الغرق في التفكير، أو التشريح المستمر للأفكار، أو أساليب المساعدة الذاتية - كلُّ ما سيحدث هو أن جرس إنذار القلق سيعلو صوته. فإننا بحاجة إلى كلمة من الخارج.
علينا أن نواجه القلق المستمر بالوعد، مثلما اقترح جون أوين (John Owen) قائلًا:
النفس المسكينة، التي ارتبكت لزمان طويل بالضيق وقلق الذهن، تجد وعدًا حلوًا، أي تجد المسيح في وعد ملائم لكل احتياجاتها، آتيًا إليها بالرحمة كي يغفر لها، وبالمحبة كي يحتضنها، وبالدم كي يطهرها. وعندئذ، تنهض لتتمرَّغ في هذا الوعد.
هل تستند على الوعود الإلهية أم تستسلم في هلعٍ، عاجزًا عن التفكير بشكل منطقي لأن القلق أحكم قبضته عليك؟ قدَّم لنا كاتب المزمور نموذجًا لسلوك أفضل، قائلًا: "عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي" (مزمور 94: 19). وفي حقيقة الأمر، على المزامير أن تكون بمثابة بستان تتردد عليه بكثرة تلك النفس التي يغمرها القلق. القديس أثناسيوس، أحد آباء الكنيسة الأولى، قال إن سفر المزامير هو كتاب مقدس مصغَّر (كما قال لوثر بعد ذلك)، ودليل إرشادي للتعامل مع أيَّة عاطفة بشرية محتمَلة (كما قال كالفن بعد ذلك). وفي رسالة من أثناسيوس إلى صديقه مرسيلينوس، كتب يقول: "في سفر المزامير، أنت تتعلَّم عن نفسك، وتجد وصفًا لكلِّ ما يحدث بداخلها، بكل تغيراتها، وتقلباتها، وإخفاقاتها، بل وتعافيها أيضًا". وإننا نفعل حسنًا إن زرنا سفر المزامير، سواء قبل عاصفة القلق الصاخبة، أو في أثناء هطول أمطارها الغزيرة، وذلك لأن المزامير على دراية بكلِّ مشاعرنا. فإننا بحاجة إلى نصيحة كاتب المزمور وتعاطفه معنا، لأن الخطية تشوِّه الصفات التي أعطانا الله إياها، ويحب الشيطان أن يستغل تلك التشوهات. على سبيل المثال، قد تتحول الرغبة المشروعة في التميُّز إلى سعيٍ نحو الكمال، أو قد يتحول الشعور بالمسؤولية إلى إفراط في الشعور بالمسؤولية. تذكَّر جيدًا أن الله خلق الأمهات ليقدِّمن رعاية فريدة لأولادهن، إلا أن المرأة التي تصير أمًا للمرة الأولى، والتي تعتني بطفلها حديث الولادة، يمكن أن تعاني من خوف مفرط كلما بكى طفلها. يمكن لهذا الأمر أن يلقي بالأمهات المحبات سريعًا في حالة من اليأس تحت ثقل الشعور المفرط بالمسؤولية والخوف. تقدِّم المزامير العلاج، مذكِّرة قلب هذه الأم الذي يعاني من القلق والاضطراب بأن الرب هو ضابط الكل من فوق عرشه، وهو الذي يعتني بشعبه (انظر مزمور 121: 3-4).
تتجلَّى عناية الله بشعبه في كلِّ صفحة من صفحات الكتاب المقدس. فقد نهى يسوع عن القلق المفرط حيال أمور الحياة، لأن هذا إنما ينم عن انعدام الثقة في رعاية أبينا المُحبَّة لنا. يكشف قلقنا المفرط حيال شؤوننا الدنيوية عن موضوع ثقتنا الحقيقي. وقد وجَّه يسوع أنظارنا إلى رعاية أبينا السماوي لطير السماء، وكيف يحسن تسديد احتياجها. وإذا كان الله يعتني بزهور الحقل بحيث تتزين بمجد أعظم من مجد سليمان، ألا ينبغي أن نتحلى نحن بالثقة في أنه سيلبِّي كل احتياجاتنا أيضًا (متى 6: 28-30؛ انظر رومية 8: 32)؟ ذكَّرنا يسوع أيضًا بأن القلق المفرط حيال أمور الحياة هو عديم الجدوى (متى 6: 27). إلا أن نهيَ المسيح عن القلق كان مصحوبًا ببديل معزٍّ، كما قال كالفن: "مع أن أولاد الله ليسوا معفيين من العمل والقلق، نستطيع أن نكون محقين إذا قلنا إنهم ينبغي ألا يقلقوا بشأن أمور الحياة، بل يمكنهم الاستمتاع بالراحة والهدوء بسبب اتكالهم على عناية الله".
يَكمُن مفتاح السلوك بأمانة في وجود القلق المزعج في التعبير التالي: العناية الإلهية. يعرِّف دليل هايدلبرج لتعليم الإيمان عن طريق السؤال والجواب العناية الإلهية بأنها "قوة الله القديرة الحاضرة في كلِّ مكان، والتي بها لا يزال الله، كما لو كان بيده، يحمل السماء والأرض، وكلَّ المخلوقات. وبهذا هو يسود عليها، بحيث ... كلُّ الأشياء لا تأتينا على سبيل المصادفة، بل تأتينا من يده الأبوية" (السؤال والإجابة 27). ومن ثَمَّ، فإن قلقنا ليس مصادفة، وليس أمرًا عرضيًّا، لكنه يأتي من يده الأبوية. هل تؤمن بذلك؟ عليك أن تؤمن بذلك إذا أردتَ أن تحطم قبضة الخوف التي تصيبك بالشلل. فإذا ضُبِط القلق، وجرى التعامل معه بشكل سليم، سيتيح فرصة لتقوية اتكالنا على الله وشركتنا الحميمية مع إله كل تعزية (2 كورنثوس 1: 3-4). قدم ريتشارد سايبز (Richard Sibbes) المقترح الرقيق التالي: "إذا نظرنا من أيَّة محبة أبوية تأتي الضيقات، وكيف أن تلك الضيقات ليست فقط تخفَّف وهي في طريقها إلينا، لكنها تحلَّى وتقدَّس أيضًا، كيف لا يملأنا هذا بالتعزية في أشد أوقات الضيق؟" تحدَّث بولس عن ضيقته الشخصية، أي عن تلك الشوكة في الجسد التي رفض الله أن يرفعها عنه، بل في المقابل عزَّى خادمه قائلًا: "تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ". ولذلك، عزم بولس على أن يفتخر بسرور بضعفاته، "لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذَلِكَ أُسَرُّ بِٱلضَّعَفَاتِ... لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ" (2 كورنثوس 12: 7-10).
هذا الفخ المؤلم تمَّم، بموجب العناية الإلهية، عمل الرب الفدائي في هذا الرسول ومن خلاله. هكذا يمكن لضعفاتنا أيضًا أن تدفعنا إلى محبة أعظم تجاه المخلِّص، ونفور أشد من أمور هذا العالم. قدَّم جون فلافل هذا الرجاء للمؤمن الذي يعاني باستمرار من القلق واليأس، قائلًا: "إن حكمة الله قد رتَّبت وعيَّنت هذا الضيق على شعبه لأجل غايات وفوائد صالحة. فهو يستخدمه ليجعلهم أكثر لينًا، ويقظة، وانتباهًا، وحذرًا، حتى يتسنى لهم أن يتجنبوا أكبر كم ممكن من المشكلات. فهذا الضيق شبيه بالحاجز الذي يمنعك عن أن تحيد عن طريقك. ففي التجارب الشديدة، ما يبدو كما لو كان فخًّا يمكن بالأحرى أن يكون لفائدتك". هل تحدث عن قلق مفيد؟ كيف؟ استطرد جون فلافل حديثه قائلًا: أولًا، "إن أمراض الجسد واضطرابات الذهن تسهم في زيادة الشعور بمرارة متع ورفاهيات هذا العالم في حلقك. فهي تجعل الحياة أقل جاذبية لك مما هي للآخرين، وأشد إنهاكًا وإزعاجًا لك مما هي للآخرين، الذين هم أكثر استمتاعًا منك بملذاتها وحلاوتها". الأكثر من ذلك أنها "يمكن أن تسهل عليك الموت، والانفصال عن هذا العالم، لأن حياتك عندئذ تصير أقل قيمة لديك، بسبب هذا الحمل المنهك الذي تجرُّه خلفك. يعلم الله كيف يستخدم هذه الأمور بعنايته لفائدتك الكبرى". ثانيًا، يدفعنا القلق إلى شركة أعمق مع الله: "كلما ازدادت الأخطار التي تحدق بك، ازداد اقترابك من الله. فإنك ستشعر بالحاجة إلى الأذرع الأبدية من تحت، حتى تتمكَّن من تحمل أقل الضيقات والمتاعب". ثالثًا، وكما نتعلَّم من بولس، يظهر الرب قوته من خلال ضعفاتنا. وهكذا، اختتم جون فلافل حديثه قائلًا: "لا تسمح لهذا أن يحبطك. فإنه يمكن للضعف الطبيعي أن يجعل الموت أقل بشاعة، وأن يقربك إلى الله، وأن يتيح فرصة رائعة كي يظهر الله نعمته في وقت حاجتك".
على عكس ما يمليه علينا حدسنا الطبيعي، فإن تغيير نظرتنا إلى القلق المحيط بنا من كونه عبئًا إلى كونه فرصة جيدة إنما هو إنجاز مهم في طريق التحرُّر من القلق. فكلما كثرت همومنا، ازدادت فرص أن نلقيها على ذاك الذي يعتني بنا (1 بطرس 5: 7).
بعدما اعترف جون بنيان (John Bunyan)، بأنه لا يزال "إلى اليوم" يعاني من قلق وهموم في القلب، اختتم سيرته الذاتية بمنظور مثير للفضول عن الأمر، قائلًا:
لا زلتُ أرى هذه الأمور، ولا زلتُ أشعر بها باستمرار، ولا زالت تؤلمني وتقمعني، لكن حكمة الله قد عيَّنها لخيري: 1) فهي تجعلني أمقت نفسي، 2) وتمنعني من الوثوق بقلبي، 3) وتقنعني بعدم كفاية كلِّ بر نابعٍ من داخلي، 4) وتبيِّن لي ضرورة اللجوء إلى يسوع، 5) وتدفعني إلى أن أصلِّي إلى الله، 6) وتبيِّن لي حاجتي إلى السهر واليقظة، 7) وتحثُّني على التطلع إلى الله، في المسيح، طالبًا منه أن يعينني ويحملني عبر هذا العالم.
ربما نتوقع أن يختتم هذا الرجل البيوريتاني الإنجليزي العظيم سيرته الذاتية بكلمات غلبة ونصرة، لكن ماذا حدث؟ كانت الشوكة لا تزال موجودة، لكن هكذا كان المخلِّص أيضًا.
آمن جون بنيان من كلِّ قلبه – مثله في ذلك مثل لوثر وسبرجن- بأن حكمة الله هي التي ترتب وتعيِّن ضيقاتنا وضعفاتنا لأجل خيرنا (رومية 8: 28). فإن همومه المؤلمة أتاحت له فرصة جيدة كي يلجأ إلى يسوع، الذي يرثي لضعفاتنا (عبرانيين 4: 15)، ويحملنا (مزمور 28: 9؛ إشعياء 4: 11)، ويُظهِر نعمته الكافية من خلال ضعفاتنا (2 كورنثوس 12: 9).
إذن، سواء كان القلق ضيفًا عابرًا أو رفيقًا دائمًا، لسنا بمفردنا في هذه الحرب. فإن الرب لن يترك ميراثه (مزمور 94). وهو حاضرٌ في كلِّ حين مع شعبه، كي يعزي المتعبين والمنكسري القلوب (مزمور 34: 18). دعونا إذن نشجع بعضنا بعضًا (1 تسالونيكي 5: 11)، ونحرِّض أحدنا الآخر على المحبة والأعمال الحسنة (عبرانيين 10: 24)، ونحمل بعضنا أثقال بعض (غلاطية 6: 2). وليذكِّر أحدنا الآخر بأن معركتنا مع الخوف، والقلق، والاكتئاب ستنتهي حتمًا. وإلى أن يحدث ذلك، علينا أن نجتهد بنعمة الله كي نكون أمناء، وقنوعين، وممتلئين بالرجاء، لأنه سيأتي يوم فيه ستصبح تلك الآلام التي سببها القلق مجرد ذكرى بعيدة، وهكذا أيضًا ستكون بقايا خطية عدم الإيمان. فحقًّا، الدموع، والوجع، والحزن، بل والليل نفسه، لن يكونوا فيما بعد (رؤيا 21: 4؛ 22: 5).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.