السلوك بأمانة في وجود القلق
۱۳ سبتمبر ۲۰۲۲إعداد الأطفال للعبادة
۲۰ سبتمبر ۲۰۲۲الحُكم العادل
ملاحظة المُحرِّر: المقالة 7 من سلسلة "القلق"، بمجلة تيبولتوك.
القليل من الموضوعات المتعلِّقة بالحياة المسيحية يبدو أنها تثير عدم ثقة بالنفس، وتوترًا، وقلقًا كالذي يثيره موضوع التمييز والحُكم على الأمور. فإن هذا صراع داخلي لا ينتهي يبدو أنه يزداد تعقيدًا أكثر فأكثر. فإننا نرهق أذهاننا باستمرار بالتفكير فيما يعنيه أن نتكلَّم بالصدق في المحبة. فإننا نريد أن نكون محبِّين للآخرين، وشفوقين، وأن نكون قدوة في الاتضاع والوداعة المتمثِّلين بالمسيح. وفي الوقت نفسه، نَعلَم جيدًا أننا مدعوون ألا نقدم تنازلات، وأن نكون راسخين في اتباع البر والمناداة بحق الله وكلمته. ونَعلَم أن هذا يعني في كثير من الأحيان أنه قد يتوجب علينا أن نقول كلامًا صعبًا سواء للأشخاص الأقرب إلينا، أو لأناسٍ غرباء عنا تمامًا. ولكل حالة من الحالتين صعوبتها الخاصة.
ربما تعرف هذا الشعور جيدًا. فقد عانيتُ من هذا الشد والجذب بصفة شخصية ومستمرة عندما كنتُ أعيش في سنترال فلوريدا، وأُتيحت لي الفرصة لأخدم كلَّ أسبوع مع جون باروس أمام مركز السيدات في أورلاندو، الذي كان عبارة عن عيادة إجهاض محلية. وفي كلِّ أسبوع، كنتُ أرى الرجال والنساء من كل الأعمار- أزواج، وأحباء، وأصدقاء، وآباء، وأمهات، وأجداد، وجدات- يصحبون الشابات إلى هذه العيادة ليشهدوا قتل الجنين الذي يحملنه في رحمهن، والتخلُّص منه.
وعلى وجه كلِّ من كان يدخل إلى هذا المكان، كنا نستطيع رؤية المشاعر نفسها من ألم، وحيرة، ومرارة، وغضب. ولذا، كنا نحاول أن نخدمهم عن طريق الإقرار بمدى اليأس الذي لا بد أنهم يشعرون به، ثم عرض تقديم مساعدات محددة لهم، فيما ندعوهم بوضوح في الوقت نفسه إلى أن يدركوا مدى الشر الذي هم على وشك ارتكابه، وإلى أن يتوبوا عنه، ويبقوا على حياة الطفل. وبينما كنا نتوسل إليهم ونحن واقفون معهم على رصيف المشاة، كان الردُّ الأشهر الذي نتلقاه هو: "لمَ تحكمون عليَّ وتدينوني؟ لستم تعرفونني. الله وحده هو الذي يمكن أن يدينني".
بغض النظر عن عدد المرات التي تلقَّيتُ فيها هذا الرد، وقرَّرت أن أتجاهله ببساطة باعتباره محاولة هروب دفاعية من شخص يعاني قساوة روحية، إلا أن الكلمات لا تزال تؤلمني، لأنني لستُ أريد، كمسيحيٍّ، أن ينظر العالم إليَّ على أنني ديَّان للآخرين. وتؤلمني هذه الكلمات أيضًا لأنه بقدر محاولاتي لمقاومة الفكرة، لكنني لا زلتُ أعيش في وسط ثقافي طبع على ذهني منذ زمان طويل الفكرة القائلة بأن التعاطف والتسامح هما أعظم الفضائل على الإطلاق، وبالتالي أنه من قبيل الإدانة أو عدم المراعاة لمشاعر الآخرين أن ننطق بكلمات تبكيت أو معارضة يمكن بأي حال أن تؤذي المشاعر، أو تدفع أحدهم إلى الامتثال لشيء مخالف لاختباره الشخصي.
وفي هذا العالم المتسم بالضبابية الأخلاقية، كيف للمسيحي أن يَعلَم عن يقين كيف يطبِّق بشكل سليم كلمات يسوع في يوحنا 7: 24 القائلة: "لاَ تَحْكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ بَلِ احْكُمُوا حُكْمًا عَادِلًا"؟ ما الذي قصده الرب يسوع بتعبير "الحكم العادل"، وكيف كان يتوقع من مستمعيه أن يطبِّقوا ذلك؟
بينما نسعى إلى الإجابة عن هذه الأسئلة، سيفيدنا فحص سياق هذا التعليم الذي قدَّمه يسوع. ففي يوحنا 7، كان يسوع يعلِّم علانية في الهيكل، في عيد المظال، فتعجَّب اليهود الذين سمعوه من أن شخصًا لم يدرس قط يمكن أن يكون متعلِّمًا هكذا. ثم قال يسوع في الآيات 16-18:
"تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي. إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ، هَلْ هُوَ مِنَ اللهِ، أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي. مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ يَطْلُبُ مَجْدَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ يَطْلُبُ مَجْدَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ".
أرسى يسوع أسس المناقشة هنا عن طريق تحديد ما يَلزَم كي يتمكَّن هؤلاء اليهود من أن يحكموا عليه وعلى تعليمه حُكمًا عادلًا. وبشكل أساسي، وضع يسوع أمامهم السؤال التالي: "أتطلبون مجد الله أم مجد أنفسكم؟" فقد أثبتت حياة يسوع وخدمته بوضوح أن أعمق رغباته كانت أن يعمل مشيئة أبيه الذي أرسله ويطلب مجده - أي أن يسلك بالبر، ويرشد بحكمة، ويتكلَّم بحق الله في كل حين. فحقًّا، لم يكن في يسوع أيُّ ظلم، الأمر الذي كان واضحًا لجميع الذين لديهم أعين ليبصروا.
لكن، يبيِّن بقية الأصحاح كيف كشف أعداء يسوع عن نوايا قلوبهم الحقيقية، ألا وهي طلب مجد أنفسهم، وذلك لأنهم حاولوا تشويه سمعة يسوع وفقًا لما بدا لهم بحسب الظاهر. فقد افتضح هؤلاء أنفسهم، وأظهروا أنهم ديَّانون ومراؤون بحقٍّ، لأنهم سعوا إلى طلب مجد أنفسهم، عن طريق السعي إلى تشويه سمعة يسوع والتشهير به. فقد كانوا يتكلَّمون من أنفسهم، ويطلبون مجد أنفسهم، ومن ثَمَّ، جرَّدوا أنفسهم من مصداقية الحكم حكمًا عادلًا، فسقطوا في خطأ الإدانة.
هذه الدعوة نفسها إلى فحص الذات مقدَّمة إلينا نحن أيضًا. فهل أرغب في أن أرى اسم الله يتمجد؟ وهل أتقدَّس بروح المسيح لأنمو في الاتضاع والاتكال عليه، فيما أتعلَّم من كلمته وروحه كيف أنمو في المعرفة والتكريس للحق والنعمة؟ إذا لم أكن كذلك، فربما أكون شخصًا ديَّانًا، يطلب مجده الشخصي، بإدانته للآخرين. لكن إذا كنتُ متكلًا على الرب يسوع بحقٍّ، طالبًا ملكوته أولًا، فعليَّ أن أقف راسخًا، وأن أحبَّ الآخرين بمحبة المسيح، عالمًا أن حُكمي عادل، لأنه مستندٌ على الرب نفسه.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.