دور قوانين وإقرارات الإيمان في اللاهوت - خدمات ليجونير
التكليف بالتلمذة
۲۲ يوليو ۲۰۱۹
ما هو التلميذ؟
۵ أغسطس ۲۰۱۹
التكليف بالتلمذة
۲۲ يوليو ۲۰۱۹
ما هو التلميذ؟
۵ أغسطس ۲۰۱۹

دور قوانين وإقرارات الإيمان في اللاهوت

المسافر الحكيم هو من يستعد للسفر (متى 10: 8–10). فأي مُسافر يحاول أن يذهب في رحلة شاقة بدون خريطة يخاطر بعدم الوصول أو ما هو أسوأ. الحياة المسيحية هي رحلة للمدينة السماوية (عبرانيين 11: 8–15). والخريطة هي تسجيل لرحلات المسافرين الذين غادروا قبلنا. ولكن الغريب هو سعي الكثير من المؤمنين للرحلة المسيحية بدون الاستفادة من الخرائط — في هذه الحالة، الخرائط هي قوانين الإيمان المسكونيَّة وإقرارات الإيمان المُصلَحة.

ضرورة قوانين وإقرارات الإيمان:

تأتي عبارة قانون الإيمان (creed) من الكلمة اللاتينية (credo) وتعني، "أنا أؤمن". غالبًا ما يكون قانون الإيمان بيان قصير عن الإيمان. إن قوانين الإيمان المسكونيَّة، بما فيها قانون إيمان الرسل (تم صياغته خلال الأربعة قرون الأولى ميلاديًّا)، وقانون الإيمان النيقاوي-القسطنطيني (غالبًا ما يدعى قانون الإيمان النيقاوي 325/381 ميلاديًّا)، وقانون الإيمان الأثناسي (بعد 428 ميلاديًّا)، وتوضيح خلقدونية (451 ميلاديًّا)، تم قبولها على نطاق واسع عبر الأجيال من قبل كثير من الكنائس المتعددة. فمن خلالها ردت الكنيسة قديمًا على بعض الهرطقات الشهيرة التي ظهرت للديانة المسيحيَّة. على سبيل المثال، في قانون الإيمان النيقاوي-القسطنطيني، حامت الكنيسة عن العقيدة الكتابية أن الله الابن والله الروح من نفس الجوهر (نفس الذات) مع الآب. الابن مولود أزلي من الآب والروح القدس منبثق أزليًّا من الآب. (أضاف المجمع الثالث لتوليدو في عام 589 في الخاتمة ما يسمي " filioque" أي أن الروح القدس منبثق أيضًا من الابن. تمت الموافقة على هذا التعديل من قبل الكنائس اللوثريَّة والمُصلَحة). هكذا بحسب قانون الإيمان النيقاوي-القسطنطيني، الابن والروح القدس ليسوا مجرد مشابهين لله — بل إنهم الله. لكن، رغم كون الله واحد في طبيعته، هو أيضًا موجود في ثلاثة أقانيم أزليَّة متمايزة، يشتركوا بالتساوي في هذه الطبيعة الواحدة. لا يوجد موضع نرى فيه عقيدة الثالوث وطبيعتي المسيح أكثر وضوحًا من قانون الإيمان الأثناسي. يعلمنا توضيح خلقدونية كيف أن نُبقي طبيعتي المسيح الإنسانيَّة واللاهوتيَّة متحدتين في شخصٍ واحد دون الخلط بينهم. يُستخدم قانون إيمان الرسل كملخّصٍ لما تُجمع عليه الكنيسة القديمة في العقائد الكبرى للإيمان المسيحي. هذه هي خطوط الحدود التي لا يجب أن يتعدَّاها المؤمن بأمان. كما يقول قانون الإيمان الأثناسي "كل مَنْ ابتغى وجب عليه، أولاً وقبل كل شيء، أن يتمسّك بالإيمان الجامع الشامل".

تأتي كلمة إقرار (confession) من الفعل اللاتيني (confiteor) أي "أن يعترف". تتضمن الإقرارات المُصلَحة إقرار الإيمان البلجيكي (1516)، ودليل أسئلة وأجوبة هيدلبرج (1563)، وإقرارات سنودس دورت (1619)، وإقرارات ويستمنستر (1648). ولكن فكرة قوانين وإقرارات الإيمان لم تنشأ في تاريخ الكنيسة.

أولًا، هناك قوانين وإقرارات للإيمان في الكتاب المقدس نفسه. يرد أحد أول الأمثلة في تثنية 6: 4: "اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ". تُعرف هذه الآية بكلمة "شيماع" وهي الكلمة العبرية المترجمة "اِسْمَعْ" في الآية. كان يتكرَّر إقرار الإيمان الأساسي هذا أسبوعيَّا في المجامع اليهودية في فترة ما بين العهدين وفترة العهد الجديد. اقتبسه ربنا نفسه في مرقس 12: 29، وأشار بولس إليه في رومية 3: 30 وغلاطية 3: 20. ألمح يعقوب للممارسة اليهوديَّة المسيحيَّة المبكرة لتلاوة الشيماع في يعقوب 2: 19.

هنالك أيضًا صيغ لإقرارات الإيمان في العهد الجديد. على سبيل المثال، في 1 تيموثاوس 3: 16، اقتبس الرسول بولس الإقرار المُستخدم في الكنائس:

وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى:

اللهُ [المسيح] ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ،

تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ،

تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ،

كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ،

أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ،

رُفِعَ فِي الْمَجْدِ.

إن الشيماع و1 تيموثاوس 3: 16 هما ملخص مختصر للإيمان يتناول الجوانب الأساسيَّة للإيمان المسيحي. الله واحد. المسيح هو الله الابن المتجسد، الرب والمخلص الذي صعد إلى السماء. أقامه الروح القدس من الأموات، ونحن متحدين به بالنعمة وحدها بواسطة الإيمان وحده. يدعو الرسول بولس هذه الصيغ "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ" (1 تيموثاوس 1: 15؛ 3: 1؛ 4: 9؛ 2 تيموثاوس 2: 11؛ تيطس 3: 8)، أي ملخَّصات قصيرة للإيمان والحياة المسيحيَّة.

ثانيًا، يوصينا ربنا نفسه أن نعترف بالإيمان. قال: "فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 10: 32–33). نعلم أن هناك ضغط كان يُمارس على المسيحيين الأوائل بألا يعترفوا بالمسيح (يوحنا 9: 22). ينصح الرسول بولس تيموثاوس أن يعترف بالإيمان (1 تيموثاوس 6: 12). ويدعو الرسول يوحنا الكنائس في آسيا الصغرى أن يعترفوا بتجسد المسيح في مقابل الثنائيين (dualists) الذين أنكروا التجسد (1 يوحنا 4: 15؛ 2 يوحنا 7). إن الاعتراف بالمسيح وحقيقته هو في منتهى الأهمية لدرجة أنه شيء سيقوم به كل المؤمنين في اليوم الأخير (فيلبي 2: 11) وأيضًا في السماء (رؤيا 3: 5).

إن إقرارات وقوانين الإيمان شيء حسن، لكن أيضًا لا يمكن تجتنُّبها. فحتى أصدقاؤنا الذين يرفضون قوانين الإيمان لديهم واحد. فعبارة "لا قانون إيمان إلا المسيح" هو في حد ذاته قانون إيمان صغير جدًا وغير كاف، لكنه مع ذلك قانون إيمان. لذلك فالسؤال ليس إن كنَّا نمتلك إقرار إيمان أم لا، لكن إن كان هذا الإقرار كتابي، ومسكوني، وسليم.

سلطة قوانين وإقرارات الإيمان:

أحد أهم المخاوف التي تثير المقاومة ضد قوانين وإقرارات الإيمان هو الحرص المُبرَّر من أن التعاليم والتقاليد البشرية لا يجب أن تحل محل الكتاب المقدس. كانت السلطة الإلهيَّة الوحيدة لكلمة الله هي السبب الأساسي للإصلاح البروتستانتي. هذا هو ما نعنيه بالشعار اللاتيني (sola Scriptura) "حسب الكتاب المقدس وحده". ففي حين أقرَّت كنيسة روما بتيَّارين للسلطة — الكنيسة والكتاب المقدس — اعترفت الكنائس البروتستانتيَّة بأن السلطة العليا الحاكمة هي للكتاب المقدس وحده. أما للكنيسة فأقروا لها السلطة الخدميَّة. إن قوانين الإيمان المسكونيَّة وإقرارات الإيمان المُصلَحة هي تصريحات عن هذه السلطة الخدميَّة. تعترف الكنائس المشيخيَّة والمُصلَحة بما تقوم به بشأن الإيمان والحياة المسيحيَّة لأن كلمة الله تقول ما تقوله. إن إقرارات الإيمان تخدم الكتاب المقدس. فهي ملخصات كنسيَّة معتمدة لكلمة الله. وإذا وُجد أنها بحاجة إلى تصحيح ليكونوا أكثر إخلاصًا لكلمة الله، فيمكن تنقيحها حسب الإجراءات الواجبة.

في إقرارات الإيمان نفسها، تعلن الكنيسة أنه لا سلطة تستطيع أن تنافس كلمة الله. في البند 7 من إقرار الإيمان البلجيكي (1561)، تعلن الكنائس المُصلحة أن "الأسفار المقدسة تحوي بالكامل مشيئة الله، وبأنها تُعلِّم على نحوٍ كافٍ كل ما على الإنسان أن يؤمن به للخلاص". من خلال الكتاب المقدس نتعلَّم "النظام التام للعبادة"، والكتاب المقدس وحده هو السلطة التي "يحظر على أي إنسان"، أيًّا كان سواء رسول أو ملاك أن يتناقض معها. لا يمكن أن تكون مجرد كتابات بشريَّة، بغض النظر عن مدى قيمتها أو قدمها، "مساوية في القيمة" للكتاب المقدس، الذي هو وحده القانون المعصوم للإيمان والحياة المسيحيَّة.

صحيح أنه هناك كنائس وحتى طوائف بأكملها تحط من منزلة قوانين الإيمان المسكونيَّة وإقرارات الإيمان المُصلَحة لتصبح في المتحف أو سلة المهملات. في تلك الحالات، لا يقبع الخطأ في قوانين وإقرارات الإيمان بل في عدم الأمانة. بالنسبة لتلك الكنائس والطوائف التي لازالت تؤمن بكلمة الله كما كانت تفهمها الكنيسة قديمًا وفي فترة الإصلاح، فقوانين وإقرارات الإيمان هي الصوت الحي لفهم الكنيسة لكلمة الله في أكثر المسائل المسيحيَّة أهمية للعقيدة والحياة.

دور قوانين وإقرارات الإيمان:

في الفترة الكلاسيكيَّة للاهوت المُصلَح، عرَّف أغلب الكُتَّاب المُصلحين اللاهوت بأن له جانبان: العقيدة والسلوك. فقد ميّزوا بين اللاهوت كما يعرفه الله واللاهوت كما يعلنه هو لنا، وهو ما تم إعلانه لنا أساسًا في الكتاب المقدس. كما علَّموا أن هذا الإعلان هو نظير اللاهوت كما يعرفه الله. وشرحوه أنه "لاهوت السائح" أي جوانب اللاهوت كما نعرفه ونطبِّقه.

كلمة السائح هي تعبير مجازي يرجع بنا إلى البداية. المسيحيون هم في رحلة. بنعمته السياديَّة فقط، اختارنا الله الآب في المسيح، ووحدنا الروح القدس بالمسيح بواسطة الإيمان وحده. بحسب كلمات إقرار الإيمان البلجيكي 34، قد افتدينا "برش الدم الثمين الذي لابن الله، الذي هو لنا البحر الأحمر، الذي لا بد أن نعبر في وسطه حتى نهرب من طغيان فرعون، الذي هو إبليس، وندخل إلى أرض كنعان الروحيَّة".

إن اللاهوت النظامي واللاهوت الكتابي والأعمال الأخرى لكُتَّاب أفراد لها قيمة أصيلة، لكن قوانين الإيمان المسكونيَّة وإقرارات الإيمان المُصلَحة هي أكثر من مجرد أراء لأفراد. فهي قرار حكيم وبروح الصلاة لكنيسة المسيح بشأن أكثر المواضيع أهمية في الإيمان والحياة المسيحيَّة. بمصطلحات قانونيَّة، قد يفكر المحامي فيما يريد، لكن رأيه هو شيء وحكم المحكمة العليا شيء آخر.

مال كثيرون إلى قراءة الكتاب المقدس بمعزل عن باقي الكنيسة. هذا خطأ جسيم. تاريخيًّا، قد أدَّى هذا إلى أخطاء شنيعة. على سبيل المثال، في بداية القرن السابع عشر، حاول السوسينيون (Socinians) فعل نفس الشيء، فتخلُّوا عن عقيدة الثالوث، ولاهوت المسيح، والكفارة البدليَّة، وحقائق كتابيَّة أساسيَّة أخرى. هذا ما قد يحدث عندما نسافر بدون خريطة، بدون قوانين وإقرارات الإيمان. عندما نقرأ الكتاب المقدس وبين أيدينا قوانين وإقرارات الإيمان، فنحن نقرأ الكتاب المقدس مع الكنيسة المسكونيَّة والكنائس المُصلَحة. إننا نتعلَّم من رحلتهم قبلنا ونتعلَّم معهم أكثر العقائد أهميَّة للإيمان المسيحي والممارسات المسيحية الأساسيَّة: حفظ يوم الرب، حضور العبادة واستخدام وسائط النعمة، الصلاة، التوبة، والموت عن الخطية والحياة للمسيح بالنعمة وحدها.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

أر. سكوت كلارك
أر. سكوت كلارك
الدكتور أر. سكوت كلارك هو أستاذ تاريخ الكنيسة واللاهوت التاريخي في كلية وستمنستر كاليفورنيا للاهوت وقسيس شريك في كنيسة إسكنديدو المتحدة المُصلَحة. وهو مؤلف كتاب "استعادة إقرارات الإيمان المُصلَحة" (Recovering the Reformed Confession).