نقيض اللعنة - خدمات ليجونير
النعمة وحدها
۲۹ يونيو ۲۰۲۰
استمرارية الإصلاح
۲ يوليو ۲۰۲۰
النعمة وحدها
۲۹ يونيو ۲۰۲۰
استمرارية الإصلاح
۲ يوليو ۲۰۲۰

نقيض اللعنة

يعدنا الله بسماء جديدة وأرض جديدة (رؤيا 21: 1). من ثَمَّ يقفز البعض إلى استنتاج أن الله سيُبيد، ببساطة، الخليقة الحالية ليبدأ من جديد. لكن هذا لا يمكن أن يكون صحيحًا. لأننا نحن أنفسنا جزءًا من هذه الخليقة الحالية. وإن كنَّا نؤمن بالمسيح، نعلم أننا لن ننتهي بالإبادة.

في رومية 8: 18-25، يُوضِّح لنا الله كيف نفكِّر في مستقبلنا. نحن، الذين ننتمي إلى المسيح، "أبناء الله" (الآيات 14-15، 19). والروح القدس يسكن فينا، ضامنًا لنا فداءنا الأخير (الآية 23). لنا الحياة الأبديَّة الآن (الآيات 6، 10؛ يوحنا 5: 24)، لكننا أيضًا نشتاق إلى الحلول الكامل للحياة والسلام في المستقبل: "نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا" (رومية 8: 23).

المسيح بذاته هو من حدَّد قصدنا. لقد سبق الله "فعيينا" لنشبه صورة ابنه، كي يكون هو البكر بين أخوة كثيرين (الآية 29). فكون المسيح "بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ" ليس ببساطة لأن قيامته كانت أولًا تاريخيًّا، وليس لأنه يسمو علينا، بل لأن قيامته هي النموذج أو المثال، الذي سنتبعه أو الذي نحذو حذوه فيها. كما أنه مُمثِّلنا، ليس فقط لأنه حمل خطايانا، بل بإعلانه الصورة الكاملة التي نتحد بها وسنتحول إليها. فنقرأ: "وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الْأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الْأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ" (الآية 11). "وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ" (1 كورنثوس 15: 29؛ انظر أيضًا الآيات 42-49). "وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ" (2 كورنثوس 3: 18). لدى الله خطة لا من أجل البشر فحسب، بل للخليقة برمتها، فنقرأ: "لِأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلَادِ اللهِ" (رومية 8: 21). يظن البعض أن "الخليقة" هنا لا تضم سوى البشر. لكن يبدو أن هذه الآية تفرق بين "الخليقة" من جانب، و"أولاد الله" من الجانب الآخر. واتضح هذا التباين في الآية 23: "وَلَيْسَ هَكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ ... نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا ..." أي يشير هذا التباين إلى أن "الخليقة" تتضمَّن الحيوانات والنباتات والجماد، لا البشر وحدهم.

لكن "أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا" (الآية 20). بدأ البُطل (الفساد) في العالم بسقوط آدم، والذي تسبَّب في تغييرات سلبيَّة في العالم تحت سلطان آدم — شوك وحسك، ووجع للتي تلد، وعرق العمل (تكوين 3: 16-19). فأخضعت الخليقة برمتها، ليس آدم وحده، للبُطل. ونتيجة للسقوط، يعاني البشر، نسل آدم، من الخطية والموت، وبالتالي يؤذي كل منهم الآخر بخطيته وبؤسه. لكن أيضًا نتج عن هذه اللعنة، التي لفظها الله بسبب سقوط آدم، تغييرات في الكون المخلوق.

يتأمل المرء البعوض، والديدان الشريطيَّة، والسُعار وجميع الكائنات حاملة الأمراض التي تُصيب الإنسان وتُضعفه —من قد يتخيَّل مدى فساد الخليقة وبُطلانها جرَّاء السقوط؟

أما الآن، يحقِّق فداء المسيح شفاءً من كارثة السقوط بجميع جوانبها، بل ويحقِّق نقيضها. قبل كل شيء، يحقِّق المسيح شفاءً من الخطية، كما تشير رومية 3: 21-26؛ وبقية الأصحاح الثامن. كما أن انتصاره سيُحرِّر الخليقة كلها من "البُطل"، أي، نتائج اللعنة. في البدء، كانت الخليقة حسنة، ولم يدخل البُطل سوى لاحقًا بالسقوط. لذا، يوجد أساس أصيل للإيمان بأن الله سيجتث البُطل بدون هلاك الخليقة الحسنة. وهذا ما تعد به رومية 8: 21 حين نقرأ: "لِأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلَادِ اللهِ".

يا لروعة الرجاء الذي لنا! لاحظ التناقض بين الرجاء الكتابي، من جانب، والمنظور العالمي المادي التطوُّري من جانب آخر. تقول الماديَّة إن جميع الشرور والمعاناة التي في العالم الآن كانت موجودة قبلًا، على الأقل من حيث المبدأ. وتقول أيضًا: "ما من حدث يُدعى بالسقوط". يستمر كل شيء على ما هو عليه (2 بطرس 3: 4). ولم يقع أي اختلال جذري شوَّه حالة حسنة في الأساس. لكن هذا يعني أن الشر والألم متأصِّلان في طبيعة هذه الأمور؛ لذا ما من رجاء للقضاء على الشر في النهاية. فهذا بمثابة بُطل حقًا يقود إلى اليأس.

وعلى النقيض، نجد كلمة الله تبدِّد اليأس. فهي تمنحنا أساسًا راسخًا لرجاء من أجل حرِّيتنا الآتية. فنحن نتطلَّع إلى إبادة الموت والبكاء والألم (رؤيا 21: 4). كما أن حريَّة أولاد الله هي قياس حريَّة الخليقة كلها، نقرأ: "لِأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلَادِ اللهِ" (رومية 8: 21). كما رأينا، إن قيامة المسيح قياس قيامتنا. إذن وبحسب رومية 8: 21، فإن قيامتنا قياس تحرير الخليقة. وهكذا يصير المسيح في المركز بالنسبة لنا وللخليقة. ولا ينبغي أن نتفاجأ حين ندرك أنه خالق الكون وربه (كولوسي 1: 15-17). وبما أنه الخالق، فهو أيضًا المُخلِّص والرب الذي سيفدي الكون برمته من "البُطل" (كولوسي 1: 18-20). أولًا تأتي الخليقة، ثم يتبعها الفداء باسترداد الخليقة، وفي النهاية الاكتمال كونه القصد من الخليقة. وترتبط هذه المراحل الثلاث معًا بقصد الله. وهو يتمِّمهم جميعًا من خلال ابنه، الوسيط الوحيد.

يعكس الفداء تبعات السقوط. لكنه لا يعيدنا إلى حالة آدم قبل السقوط. خطَّط الله منذ البدء لتحقيق الفداء تدريجيًّا. أي، سيكون لآدم وحواء أبناء. قال لهم: "أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلَأُوا الْأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا" (تكوين 1: 28). يتجه العالم المخلوق نحو وجهته واكتماله، حيث سيكشف عن مجد الله على نحو أكثر بهاءً من بداية الزمان. في البدء، لم يكن سوى رجل وامرأة في جنة، لكن في النهاية ستكون مدينة بها ربوات من البشر. (لكن بها أيضًا رجل واحد وهو المسيح آدم الأخير، وعروس واحدة وهي الكنيسة، رؤيا 19: 6-9). في البدء، كانت الخليقة "حسنة جدًا" حقًا (تكوين 1: 31). لكن لا يزال اكتمالها تحقيقًا لِحُسنها كاملًا. سنقول إنها حسنة للغاية، حسنة حتى الكمال، بامتلائها بالمزيد جدًا من مجد الله. سيتحقَّق حتمًا هذا الاكتمال. سيُحقِّق الله مقاصده. لا بد أن نثق في هذا، لأن الله ضمن هذا بقيامة المسيح وبإرساله الروح القدس بصفته "الباكورة"، أي عربون ميراثنا الأبدي (رومية 8: 23؛ أفسس 1: 14).

بإدراك قياس قيامة المسيح، يمكننا الآن استخلاص بعض الاستنتاجات حول المستقبل:

1- يعد جسد قيامة المسيح تحوُّلًا وتجليًّا لجسده قبل القيامة. نجد فيه كلًا من تغير واستمراريَّة يمكن تمييزها (1 كورنثوس 15: 35-41). لقد رأى التلاميذ أثر المسامير في يديه. وبالمثل، لا تعني السماء الجديدة والأرض الجديدة في رؤيا 21: 1 البدء من نقطة الصفر، لكن تنطوي على نوع من "القيامة" أو تجلي الخليقة الحاضرة.

2- لن يمحي الله الخطية فحسب، بل جميع نتائج السقوط (رومية 8: 21؛ رؤيا 21: 4).

3- سيُحقِّق الله لخليقة تكوين 1 الأصليَّة اكتمالها، عوضًا عن إعادتنا إلى حالة آدم قبل السقوط.

4- بما أن جسد قيامة المسيح يمكن رؤيته ولمسه (لوقا 24: 39)، فالخليقة الجديدة أيضًا ستحمل جانبًا ماديًّا. بخلاف الأفلاطونيَّة، يرى الكتاب المقدس الجانب المادي (الجسدي) جزءًا من خليقة الله الحسنة، وليس شيئًا نحتقره أو نتخلَّص منه لكي "نتطهَّر".

5- لن تعزلنا قيامتنا عن التواصل مع الخليقة بمفهومها الأوسع، لكن سيكون بتناغم مع تجلِّي الخليقة كلها، تجلِّي يحضرنا، نحن والمخلوقات، إلى عالم جديد ومُمجَّد.

6- سيتعظَّم مجد الله في الخليقة الجديدة، على نحو يشبه مجد قيامة جسد المسيح ومجد قيامة أجسادنا على صورة المسيح. كل هذا من أجل مجد الله وتسبيحه (رومية 8: 18؛ أفسس 1: 10، 14؛ رؤيا 21: 23).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

فيرن بويثرس
فيرن بويثرس
الدكتور فيرن بويثرس هو أستاذ تفسير العهد الجديد بكلية وستمنستر للاهوت في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا.