ملك الملوك
۲٤ يونيو ۲۰۲۰نقيض اللعنة
۳۰ يونيو ۲۰۲۰النعمة وحدها
"المجد لله وحده" (soli Deo gloria) هو الشعار الذي نشأ من الإصلاح البروتستانتي وقد استُخدم في كل لحن موسيقي قام بتأليفه يوهان سيباستيان باخ (Johann Sebastian Bach). فقام بلصق الأحرف الأولى من هذا الشعار (SDG) في أسفل كل نوتة موسيقيَّة لتوصيل فكرة أن الله والله وحده هو المُستحق أن يأخذ المجد لعجائب أعماله في الخلق والفداء. في قلب الجدال الدائر في القرن السادس عشر حول الخلاص كانت القضية الأساسيَّة تتعلَّق بالنعمة.
لم تكن المسألة هي حاجة الإنسان إلى النعمة. لكن السؤال كان حول مدى احتياجه لتلك النعمة. لقد أدانت الكنيسة بالفعل بيلاجيوس (Pelagius)، الذي علَّم أن النعمة تُسهِّل الخلاص ولكنها ليست ضروريَّة بشكل مطلق. وقد علَّمت شبه البيلاجيَّة (Semi-Pelagianism) دائمًا منذ ذلك الوقت أنه بدون النعمة لا يوجد خلاص. ولكن النعمة التي تتحدَّث عنها جميع نظريات الخلاص شبه البيلاجيَّة والأرمينيَّة ليست نعمة فعَّالة. إنها نعمة تجعل الخلاص مُمكنًا، ولكنها ليست نعمة تجعل الخلاص مُؤكَّدًا.
في مثل الزارع نرى أنه فيما يتعلَّق بالخلاص، فإن الله هو مَن يُبادر ليحقِّق الخلاص. فهو الزارع، والبذرة التي تُزرع هي بذرته، التي ترمز لكلمته، والحصاد الذي ينتج هو حصاده. فيحصد ما كان يهدف إلى حصاده عندما بدأ العملية برمتها. لا يترك الله الحصاد لتقلُّبات الأشواك والحجارة على الطريق. الله والله وحده هو الذي يضمن أن يقع جزءًا من كلمته على الأرض الجيدة. من الأخطاء الفادحة في تفسير هذا المثل أن نفترض أن الأرض الجيدة هي التصرُّف الجيد للخطاة الساقطين، أولئك الخطاة الذين يتَّخذون الخيار الصحيح، ويستجيبون بشكل إيجابي لنعمة الله المُساعِدة. إن الفهم الكلاسيكي المُصلح للأرض الصالحة هو أنه إذا كانت الأرض مُتقبِّلة للبذرة التي زرعها الله، فإن الله وحده هو الذي مهَّد الأرض لإنبات البذرة.
السؤال الأكبر الذي يجب أن يواجهه أي شبه بيلاجي أو أرميني على المستوى العملي هو: لماذا أخترتُ أن أؤمن بالإنجيل وأكرِّس حياتي للمسيح بينما جاري، الذي استمع إلى نفس رسالة الإنجيل، اختار أن يرفضه؟ تمت الإجابة عن هذا السؤال بطرق عديدة. قد نتوقَّع أن السبب اختيار شخص للاستجابة بشكل إيجابي للإنجيل وللمسيح، في حين أن شخص آخر لا يفعل ذلك، هو أن الشخص الذي استجاب بشكل إيجابي كان أكثر ذكاءً من الآخر. إن كان الأمر كذلك، فإن الله سيظل هو المانح الأساسي والمطلق للخلاص لأن الذكاء هو عطيته، ويمكن تفسير أن الله لم يعطِ الذكاء نفسه إلى الجار الذي رفض الإنجيل. ولكن من الواضح أن هذا التفسير سخيف وغير معقول.
الاحتمال الآخر الذي يجب على المرء أن يأخذه في الاعتبار هو: أن السبب الذي يجعل الشخص يستجيب بشكل إيجابي للإنجيل وجاره لا يستجيب هو لأن الشخص الذي استجاب كان شخصًا أفضل. أي ذلك الشخص الذي قام بالاختيار الصحيح والاختيار الجيد فعل ذلك لأنه كان أكثر برًا وصلاحًا من جاره. في هذه الحالة، لم تستفيد طبيعته الجسديَّة من شيء فحسب، بل استفادت من كل شيء. هذا هو الرأي الذي يؤمن به غالبيَّة المسيحيِّين الإنجيليِّين، أي أن سبب خلاصهم هم وعدم خلاص الآخرين هو أنهم قاموا بالاستجابة الصحيحة لنعمة الله بينما قام الآخرون بالاستجابة الخاطئة.
يمكننا أن نتحدَّث هنا ليس فقط عن الاستجابة الصحيحة بدلًا من الاستجابة الخاطئة، ولكن يمكننا التحدُّث من منطلق الاستجابة الصالحة بدلًا من الاستجابة السيئة. إن كنت في ملكوت الله لأنني قمت بالاستجابة الصالحة بدلًا من الاستجابة السيئة، فلدي شيء أفتخر به، وهو الصلاح الذي استجبت به لنعمة الله. لم أقابل أرمينيًّا أبدًا قد أجاب عن السؤال الذي طرحته للتو بالقول: "السبب في أنني مؤمن هو أنني أفضل من جاري". سيبغضون قول ذلك. ومع ذلك، على الرغم من أنهم يرفضون هذا التلميح، فإن منطق شبه البيلاجيَّة يتطلَّب هذا الاستنتاج. إن كان حقًا في الواقع السبب في أنني مؤمن وشخص آخر ليس كذلك هو أنني قمتُ بالاستجابة المناسبة لدعوة الله للخلاص بينما رفضها شخص آخر، فعندئذٍ بالمنطق السديد قمت بالفعل بالاستجابة الصالحة، وقام جاري بالاستجابة السيئة.
ما يُعلِّمه اللاهوت المُصلَح هو أنه حقًا يقوم المؤمن بالاستجابة الصحيحة ويقوم غير المؤمن بالاستجابة الخاطئة. لكن السبب الذي يجعل المؤمن يستجيب بشكل جيد هو أن الله في اختياره السيادي يغيِّر رغبة قلب الشخص المُختار ليصنع فيه استجابة صحيحة. ليس لي أي فضل في الاستجابة التي قمتُ بها للمسيح. لم يبدأ الله خلاصي فحسب، لم يزرع البذور فحسب، بل ضمن أيضًا أن تُنبت تلك البذور في قلبي من خلال ميلادي الثاني بقوة الروح القدس. وهذا الميلاد الثاني هو شرط ضروري لترسيخ البذور وازدهارها. لهذا السبب في قلب اللاهوت المُصلَح تُدوي الحقيقة البديهيَّة، وهي أن الميلاد الثاني يسبق الإيمان. إنها تلك المعادلة، أو ترتيب الخلاص الذي يرفضه جميع أتباع شبه البيلاجيَّة. فهم يتمسَّكون بفكرة أنهم في حالتهم الساقطة وموتهم الروحي، يمارسون الإيمان، ثم يُولدون من جديد. من وجهة نظرهم، هم يستجيبون للإنجيل قبل أن يغيِّر الروح القدس من رغبة نفوسهم أن يُقبِلوا إلى الإيمان. عندما يحدث ذلك، يتم الانتقاص من مجد الله. لا يمكن لأي شبه بيلاجي أن يقول بصدق: "المجد لله وحده". بالنسبة إلى شبه البيلاجي، قد يكون الله رحيمًا، ولكن بالإضافة إلى نعمة الله، فإن عملي في الاستجابة ضروري للغاية. هنا نعمة ليست مؤثِّرة وفعَّالة، ومثل هذه النعمة، في واقع الأمر، ليست حقًا نعمة مُخلِّصة. في الواقع، للرب الخلاص من البداية إلى النهاية. نعم، يجب أن أؤمن. نعم، يجب أن أستجيب. نعم، يجب أن أقبل المسيح. ولكن بالنسبة لي كي أقول "نعم" لأي من هذه الأشياء، يجب أن يتغيَّر قلبي أولًا بقوة الله الروح القدس الفعَّالة ذات السيادة. فالمجد لله وحده (soli Deo gloria).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.