الشك واليقين
۹ فبراير ۲۰۲۱توقعات قديمة
۱۷ فبراير ۲۰۲۱سفر المزامير
ربما تم نشر تفسيرات، وكتب دراسيَّة، وإرشادات لسفر المزامير أكثر من أي سفر آخر في الكتاب المُقدَّس. ليس هدفي هنا أن أحل محل تلك الأعمال الأخرى. بدلًا من ذلك، أريد أن أقدِّم بعض الاقتراحات للمؤمن حول كيفيَّة استخدام المزامير حتى يتمكَّن من استخدام أفضل لتلك الأعمال الأخرى التي كُتبَت عن سفر المزامير.
كُتبَ سفر المزامير نفسه طوال الفترة الكاملة لإعلان العهد القديم، بداية من زمن موسى (مزمور 90) إلى الفترة التي تلت السبي (مزمور 126). وعناوين اثنين وسبعين مزمورًا تنسبها إلى داود، بينما عناوين أخرى هي لسُليمان وأساف وهيمان وبنو قورح. قد تكون بعض المزامير قد استُخدمت في عبادة الهيكل (ومن هنا جاءت عبارة "لإمام المغنين" في عناوين أكثر من خمسين مزمورًا). المزامير لها أنواع مختلفة. بعضها رثاء، سواء كان فرديًّا (مزمور 42) أو جماعيًّا (مزمور 44). بعضها مزامير شكر (مزمور 100)، بينما البعض الآخر ترانيم، أو أغاني تسبيح (مزمور 96). يُشار اليوم إلى بعض المزامير باسم مزامير "الحكمة"، مثل مزمور 1 و119. تميل هذه المزامير إلى أن تكون تأمُّلات في كلمة الله. يُشار إلى بعض المزامير، مثل مزمور 69 و109 على أنها مزامير "اللعنة"، حيث جوهر المزمور هو صلاة ضد أعداء الله (لطلب اللعنة).
يُشير كتَّاب العهد الجديد إلى سفر المزامير أكثر من أي سفر آخر في العهد القديم. وهو يوضِّح للقارئ أن أحد النقاط الرئيسيَّة في المزامير هو عمل المسيح وملكوته. وبما أن المسيح لم يأتِ بعد، يتم التحدُّث عنه بشكلٍ عام عن طريق الرموز والظلال في شخصيَّة الملك الذي من نسل داود. ولكن في بعض المزامير، تُسمى تقليديًّا "المزامير المسيانيَّة"، يتم الحديث عن المسيح بشكل مباشر. تتضمَّن هذه المزامير المسيانيَّة مزمور 2، 22، 45، 72. ومن هنا أصبح استخدام سفر المزامير للقارئ المعاصر هو للبحث عن المسيح.
ومع ذلك، فإن سفر المزامير له استخدام آخر أيضًا. فهو، كما يقول كالفن: "تشريح لجميع أجزاء النفس". إنه دليل التقوى للمؤمن. على وجه الخصوص، يُقدِّم سفر المزامير إرشادات للمؤمن في أربع مجالات: التأمُّل، ومواجهة النفس، والصلاة، والتسبيح. يعتبر فن التأمل المسيحي في عصرنا فنًا مفقودًا إلى حدٍ كبير، على الرغم من أن أسلافنا البيوريتانيِّين (التطهُّريِّين) والمصلحيين كتبوا عشرات الكتب حول هذا الموضوع. تم استخدام مصطلح التأمُّل من قبل ممارسي الديانات الشرقيَّة وديانات العصر الجديد. بقدر ما وصل التأمُّل إلى الكنيسة الإنجيليَّة، فقد جاء في كثير من الأحيان مُغلَّفًا بأفكار العصر الجديد هذه. إن التأمُّل، كما تفهمه وتمارسه ديانات العصر الجديد، هو تفريغ للذهن. إنه محاولة لتحقيق نوع من الحالة الروحيَّة بلا وعي يصبح فيها المتأمِّل مُنفتحًا على "القوى الروحيَّة"، بعد أن أفرغ نفسه، إن جاز القول، وبالتالي أصبح مُنفتحًا ظاهريًّا على حضور الله. ولكن يُعلِّم سفر المزامير القارئ ما هو التأمُّل الكتابي الحقيقي. انظر إلى مزمور 1: 2 "فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلًا". لفهم الفكرة التي تطرحها هذه الآية، يجب أولًا أن نفهم أن الناموس هنا لا يقتصر على الأقسام القانونيَّة من العهد القديم. الكلمة المُترجمة ناموس هي توراة، ولا تعني فقط التصريحات القانونيَّة بل "كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ" (تثنية 8: 3). وبالتالي، فإن ممارسة التأمُّل المسيحي هي تدريب فكري وروحي يتأمَّل فيه المؤمن في كلمة الله ويفكِّر فيها، ويسعى أولًا إلى فهمها وثانيًا لتطبيقها في حياته. الكلمة المُترجمة يَلْهَجُ تحمل فكرة "يتمتم"، ومن هنا جاءت فكرة التكرار، ومضغ ما تم قراءته. مزمور 119 هو مثال للمؤمن عن التأمُّل في شريعة الله. تقريبا كل آية في المزمور تذكر كلمة توراة، أو بعض مرادفاتها فكاتب المزمور يسعي آية بعد الأخرى إلى فهم معنى كلمة الله في حياته. وهناك عدد من المزامير مفيدة بشكلٍ خاص كمرشد للتأمُّل، من بينها مزامير 1، 34، 37، 49، 111، 112، 119.
مواجهة النفس هو تعبير آخر اختفى فعليًّا من مفردات المؤمنين المعاصرين. يُعرِّف قاموس (Webster’s New Collegiate Dictionary) تعبير مواجهة النفس بأنه "التفكير بجديَّة مع النفس بهدف النصح للعدول عن فعل شيء ما أو للاحتجاج". في سياق الاستخدام سفر المزامير، فإن هذا يشمل على فكرة مُحاجاة الشخص مع نفسه بشكل جدي لتصحيح وجهات نظر الفرد أو سلوكه. التحدُّث مع النفس، بهذا المعنى، ليس أمرًا سيِّئًا. إنها خطوة أبعد من التأمُّل من حيث إنها تأخذ ما تعلَّمه الشخص من كلمة الله، وتحمله كمرآة لمعتقداته وممارساته، لتسعى جاهدة لتصحيح تلك المعتقدات والممارسات. وهكذا، فإن الإنسان الذي يتعرَّض لإغراء الخطيَّة يواجه نفسه بشأن فظاعة الخطيَّة، والخزي الذي تسبَّبه لله، والضرر الذي يُلحقه بالإنسان نفسه، والضرر الأكبر الذي يُلحقه بالكنيسة ككل. هذه إحدى الطرق المهمَّة التي يُشكِّل بها المسيحيُّون بشكلٍ فعَّال نظرتهم الكتابيَّة إلى العالم. وهناك مجموعة من المزامير هي أدلَّة ممتازة لتطبيق مواجهة النفس. في مزمور 11، على سبيل المثال، أصيب داود باليأس أو الإحباط بسبب السؤال: "إِذَا انْقَلَبَتِ الأَعْمِدَةُ، فَالصِّدِّيقُ مَاذَا يَفْعَلُ؟" (آية 3). بعبارة أخرى، كل شيء ينهار، فلتستسلم أنت أيضًا. أجاب داود بتذكير نفسه بأن: "اَلرَّبُّ فِي هَيْكَلِ قُدْسِهِ"، و "الرَّبُّ يَمْتَحِنُ الْصِّدِّيقَ" ويبغض الشرير، و "الْمُسْتَقِيمُ يُبْصِرُ" وجه الله (الآيات 4-7). بعبارة أخرى، يُذكِّر داود نفسه، بناءً على الأشياء التي تعلَّمها من كلمة الله، أنه بغض النظر عمَّا يحدُث فأن الله لا يزال مُسيطرًا وهو ديَّان كل الأرض. المزامير الأخرى التي تُقدِّم نماذج مفيدة لمواجهة النفس هي المزامير 34، 37، 42، 43، 62.
غالبًا ما يكون من المُحزن أن تسمع شعب الله وهم يصلُّون. على الأقل في الصلوات العامة (الصلوات الوحيدة التي يمكن للآخرين تقييمها) يبدو أن شعب الله يفتقر غالبًا إلى المفردات للصلاة. إذا استخدم شخص ما نهج (تمجيد الله، والاعتراف بالخطيَّة، وتقديم الشكر، ورفع الطلبات) في الصلاة، فعادة ما يكون هناك ذكر مُوجز لعظمة الله وصلاحه، وبما إشارة عامة إلى حالتنا الخاطئة، وبضع كلمات شكر من أجل صلوات مُحدَّدة أستجاب لها الله، وقائمة طويلة من الطلبات لأجل مَن يعانون من مرضٍ أو غيره. ومع ذلك، يمكن للمؤمن الذي يتأمَّل في سفر المزامير أن يُشكِّل مفردات قويَّة للصلاة. ليس فقط العديد من المزامير أمثلة للصلاة، لكن حتى تلك التي ليست كذلك فهي تمدُّنا بمعلوماتٍ رائعة تفتح قلوبنا تجاه الله. على سبيل المثال انظر إلى الآيات الافتتاحيَّة في مزمور 18. يدعو داود الله قوته، وصخرته، وحصنه، ومنقذه، وحمايته، وترسه، وقرن (أي قوة) خلاصه، وملجأه. يا لها من تصريحات عظيمة من التمجيد والشكر! بالإضافة إلى ذلك، فإن القليل من التأمُّل هنا سيُذكِّر المؤمن بأن داود كان يعرف أنه في خضم حرب روحيَّة كان الله فيها الأساس الوحيد لتشجيعه وقوته وخلاصه. المؤمن المُعاصر هو أيضا في خضم حرب روحيَّة، على الرغم من أنه ينسى ذلك في كثير من الأحيان، ويواصل حياته كما لو أن الأعداء الحقيقيِّين الذين يجب أن يخوض الحرب معهم هم أولئك المختلفون معه سياسيًّا. المزامير الأخرى التي تعطي أمثلة على صلوات مختلفة الأنواع كثيرة جدًا بحيث لا يمكن سردها هنا، ولكن يمكن للقارئ اليقظ أن يجدها بسهولة.
أخيرًا، يمكن استخدام سفر المزامير لتعليم المؤمنين الترنيم. تقدَّمت الكنائس المُصلَحة في التقوى بقوَّةٍ من خلال ترنيم سفر المزامير. يرى البعض أن المؤمنين مُطالبون بأن يُرنِّموا سفر المزامير فقط في الاجتماعات العامة. رغم أنني أتعاطف مع هذا الرأي، فأنا لا أتفق معه. ومع ذلك، فإن النقص الشديد في ترنيم سفر المزامير التي يميِّز عصرنا قد ساهم في الضعف الروحي للكنيسة. لم يكن القصد من كل المزامير أن تكون ترانيم، لكن العديد منها هو كذلك. يمكن نظمها على ألحان قديمة، أو ألحان جديدة، لكن الكنيسة (والمؤمن كفرد) التي تسعى لإضافة ترنيم سفر المزامير إلى تسبيحها ستثري نفسها بشكلٍ كبير. المزامير 95-100 هي أمثلة قويَّة بشكلٍ خاص لترانيم التسبيح التي لها فهم عميق وغني لطبيعة الله، وطرقه ومقاصده بين أبناء البشر.
باختصارٍ، الإنسان الذي يريد أن ينمو كمؤمن سوف يستفيد من قراءة أي جزء من كلمة الله والتأمُّل فيها. لكن إن أراد أن ينمو في التقوى النابضة بالحياة التي هي شريان الحياة للسلوك المسيحي الناضج، فليس هناك أفضل من أن ينغمس في سفر المزامير. فمن سفر المزامير سوف يتعلَّم ما هو التأمُّل في كلمة الله. وسوف يتعلَّم كيف يواجه نفسه بتطبيق كلمة الله على إحباطاته وضيقاته. من سفر المزامير سوف يتعلَّم الصلاة بقوَّةٍ وفهم. أخيرًا، من سفر المزامير، سوف يتعلَّم المؤمن أن يترنِّم ويسبِّح لإلهنا المُخلِّص العظيم.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.