الأنبياء: أثناء السبي - خدمات ليجونير
مذبح البخور
۱۸ أغسطس ۲۰۲۰
الأنبياء: بعد السبي
۲۰ أغسطس ۲۰۲۰
مذبح البخور
۱۸ أغسطس ۲۰۲۰
الأنبياء: بعد السبي
۲۰ أغسطس ۲۰۲۰

الأنبياء: أثناء السبي

عاش حزقيال ودانيال في السبي. وما أسهل أن نقول هذا. فنحن سعداء لمعرفة هذه "الحقيقة القاسية" عن هذين النبيين. إذ في المرة القادمة التي نشترك فيها في اختبار معلومات عن الكتاب المقدس، سنكون مُتأكِّدين من إجابة واحدة على الأقل: كان حزقيال ودانيال من أنبياء السبي.

لكن تبنِّي هذا النوع من الرأي تجاه "حقيقة" سبي شعب إسرائيل يشبه معرفة أن إعصارًا من الفئة الخامسة سيضرب مدينتك في غضون الساعات القليلة القادمة. كيف يمكنك التعامل مع هذه الحقيقة بطريقة عابرة وغير مبالية؟ الإعصار يعني الخراب والدمار والموت.

يعني السبي نفس الأشياء. فهو يعني الخراب والدمار والهدم والموت.

إذن، ما الذي كان يفعله الله كلي السلطان؟ ليس لدينا مشكلة في تصديق أنه دعا إبراهيم من حياته الوثنيَّة كعابد للأوثان. ونؤمن أنه حرَّر إسرائيل من عبوديَّة مصر بسلطانه وأنه أقام روابط العهد مع موسى وداود. ولكن كيف يتلاءم السبي مع سير خطة الفداء؟ هل قرَّر الله أن يسلك مسارًا مختلفًا بشأن وعده الكريم؟

إن سبي شعب الله، وهو تناقض ظاهري لعملية الفداء بأكملها، كان يعني أشياءً مختلفة لأناس مختلفين. فبالنسبة للمُرتدِّين عن الإيمان المُتمرِّدين، كان السبي لهم جحيم الانفصال عن الله. لم يعودوا قادرين على المُطالبة بخلاص الرب باعتباره توقُّعًا لهم. فقد حُرِموا من وعود الله، وأُعلِنوا رسميًا أنهم "لُوعَمِّي"، أي "ليس شعبي". بالنسبة لآخرين، كان السبي يعني التأديب في أقصى درجاته. امتدت يد الرب بشدِّة على المؤمنين العُصاة الذين ساوموا على الحق ولم يسلكوا بأمانةٍ في طريق الرب.

لكن ماذا عن حزقيال ودانيال؟ كانوا من بين الأمناء القلائل. فلماذا كان يجب أن يخضعوا أيضًا للألم المُبرح الناجم عن انتزاعهم من أرضهم التي تفيض لبنًا وعسلًا، ومن العائلة والأصدقاء، ومن الهيكل والكهنوت والذبائح؟

أصبح هؤلاء الأنبياء نتيجة وجودهم في السبي مُتلقِّين للإعلان الإلهي الخاص بالفداء بطريقة لم يختبرها شعب الله من قبل. لقد فهموا خطط وأهداف إلههم كلي السيادة والسلطان والتي تجاوزت كل الإعلانات السابقة عن مقاصده الكريمة.

انظر إلى حزقيال. نجده لأول مرة عند أنهار بابل، من بين أوائل شعب إسرائيل المسبيِّين والمُستعبَدين. ولكن من هذه الزاوية غير المُتوقَّعة، ماذا كان يرى؟ لم يكن أمامه، مثل موسى، الآفاق المتسعة لأرض الموعد التي يمكن رؤيتها من مرتفعات الفِسْجَة العالية. وهو ليس مثل سليمان، الذي وقف على جبل صهيون مُقدِّمًا صلاة تكريس مهيبة أمام الهيكل المُكتمل لتوِّه. لكنه كان بعيدًا جدًا عن أرضه، يعيش تحت سوط سادة بابل الظالمين.

إذن، ماذا كان يرى؟ أيَّة رؤية لرب المجد تنير ظلام ظروفه الحالية؟

كان يرى الشكينة، أي مجد الله بكل ما فيه من روعة. فرأى بكرات مُدويَّة الصوت تحمل عرش القدير، كلي القدرة، وكلي الوجود، وكلي المعرفة.

ولكن كيف يمكن أن يكون هذا؟ ألم يُحدِّد الرب جبل صهيون في أورشليم مسكنه الدائم؟ ألم يملأ مجده هيكل سليمان، وكان هناك وليس في أي مكان آخر بكل بهاءه بين أمم البشر؟ فماذا تفعل الشكينة، أي مجد الله، في بابل وليس في أي مكان آخر؟

نعم، هؤلاء الأنبياء المسبيِّين لديهم شيء يُعلِّموه لنا ويجب ألا ننساه أبدًا. الله غير مُقيَّد بالأماكن وأفعال البشر. ولا يمكن حصر وجوده سواء في هذا المبنى المُعيَّن المصنوع بأيدي بشريَّة، أو في تلك المُؤسَّسة المُحدَّدة ذات التوجُّه الديني أو السياسي، بغض النظر عن مدى نقاوة أو استقامة تلك المُؤسَّسة. يمكنه إظهار مجده (بل وأظهره) بسهولة في بابل بين شعب مُستعبَد كما كان يفعل في أورشليم بين شعب كهنوتي. قال الرب على لسان نبيِّه: "وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَبْعَدْتُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ بَدَّدْتُهُمْ فِي الأَرَاضِي، فَإِنِّي أَكُونُ لَهُمْ مَقْدِسًا صَغِيرًا فِي الأَرَاضِي الَّتِي يَأْتُونَ إِلَيْهَا" (حزقيال 11: 16).

لم يكن الثقل الكامل لهذه الرؤية النبويَّة مفهومًا إلى أن جاء الرب المُتجسِّد. فقد أظهر السيِّد المسيح بنفسه دلالات هذا المنظور الواضح الخاص بالسبي قائلًا: "تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ ... اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا" (يوحنا 4: 21، 24).

لذلك بالنسبة لحزقيال، رحل مجد الله عن الهيكل في أورشليم. فالسبي يعني رحيل حضور الله الثابت والمُبارِك كما كان قديمًا في الأيام السابقة. ولكن عندما تصوَّر النبي في النهاية المهيبة لسفره عودة مجد الله إلى هيكلٍ موسَّع يمتد إلى ما أبعد من قمم جبل صهيون، فإنه توقَّع بشكل نبوي المجد المتَّسع لمسكن الله بين جميع أمم الأرض.

اليوم يمكننا أن نفهم رسالة النبي بشكلٍ أفضل مما كان يستطيع أن يفهمها هو بنفسه. فنحن نشهد اليوم مجد الله الثابت والمستمر في اجتماعات كنيسة المسيح وفي قلوب الناس في جميع أنحاء العالم.

بالتزامن مع رؤية النبي حزقيال أتت رؤى دانيال رجل الدولة بوحي من الله. ركَّز حزقيال ككاهن على الهيكل كمركز عبادة شعب الله. بينما ركَّز دانيال كرجل دولة سياسي على ملكوت الله في علاقته بالقوى القوميَّة في زمانه وكذلك في المستقبل.

وصف دانيال أولًا تمثالًا ضخمًا مُكونًا من أربعة أجزاء (دانيال 2). تُمثِّل هذه الأجزاء الأربعة من هذا التمثال الضخم أربع إمبراطوريَّات عالميَّة مُتتالية، وتتوافق بشكلٍ وثيق مع رؤية دانيال اللاحقة للوحوش الأربعة (دانيال 7).

تشير بدقة هذه الصور الأربع المُتتالية إلى ممالك بابل، ومادي وفارس، واليونان، وروما لدرجة أن النُقَّاد غير المؤمنين يقولون إن سفر دانيال بالتأكيد قد كُتب بعد ظهور ثلاث على الأقل من هذه الممالك الأربع على مسرح التاريخ.

لكن لا شيء يمكن أن يسلب الله حقه في أن يكون لديه خطة لهذا العالم، وأن يتمِّم خطته عبر التاريخ البشري، وأن يُعلن هذه الخطة نفسها لعبيده الأنبياء. إن ذروة هاتين الرؤيتين هو ظهور صورة تحل محل جميع القوى السياسيَّة في العالم من أجل تنفيذ مقاصد الله في الفداء. أولًا، حطَّم "حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ" التمثال الضخم ثم توسَّع ليملأ الأرض كلها (دانيال 2: 34-35). ثم في الرؤية الثانية، أتى شخص مثل "ابن إنسان" مع سحب السماء، مما يشير إلى طبيعته الإلهيَّة. نال هذا الشخص المجيد الذي أتى مثل ابن إنسان سلطانًا ومجدًا وملكوتًا على جميع أمم وشعوب الأرض. سُلطانه سلطانٌ أبديٌّ لن يَزُول (دانيال 7: 13-14).

ظهرت هذه الرؤى حول الانتشار العالمي لملكوت الله المسياني أثناء حياة دانيال المسبي في بلاط ملك بابل العظيم. في تناقض صارخ مع النزعة الإقليميَّة التي قد تكون مرتبطة برسالة إنجيل يهودي مقتصر على هذا الشعب وحده، فإن الأخبار السارة لهذه الرؤى الممنوحة لدانيال في السبي تُظهر مملكة المسيَّا على أنها تضم جميع الإمبراطوريَّات الأرضيَّة وتتفوَّق عليها. علم دانيال لاحقًا أن الله القدير قد قضى بوقتٍ مُحدَّدٍ "لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ" (دانيال 9: 24). وبسبب تصوُّر دانيال لتأسيس سيادة عالميَّة للمملكة المسيانيَّة، فإن هذه الرسالة تجلب الرجاء لجميع شعوب الأرض. وبسبب تشتُّت شعب الله بالسبي، يمكن الآن فهم الطابع الشامل لرسالة الخلاص هذه للخطاة.

لذلك يجب ألا يُنظر إلى تجربة إسرائيل في السبي من منظور سلبي تمامًا. بدلًا من ذلك، يسلِّط السبي الضوء على بعض أهم حقائق الإيمان المسيحي. لا تقتصر المملكة المسيانيَّة (ملكوت المسيح) على مجتمع جغرافي سياسي واحد. بل تشمل مقاصد الله للفداء جميع أمم وشعوب العالم.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

أو. بالمر روبرتسون
أو. بالمر روبرتسون
الدكتور أو. بالمر روبرتسون هو مدير ونائب رئيس كليَّة الكتاب المقدس الأفريقيَّة في أوغندا. وهو ألَّف كتاب "المسيح الذي عرفه الأنبياء" (The Christ of the Prophets).