الأنبياء: قبل السبي
۱۲ أغسطس ۲۰۲۰الأنبياء: أثناء السبي
۱۹ أغسطس ۲۰۲۰مذبح البخور
كان للعديد من مقتنيات خيمة الاجتماع غرض وظيفي. فمثلًا، كانت المنارة تُضيء مكانًا مظلمًا، وكانت المائدة لوضع خبز الوجوه عليها. في حين تَمثَّل الغرض العملي من مذبح البخور في تعطير الهواء على نحو ينشر سرورًا. كانت هذه المقتنيات عادية ومألوفة من نواحٍ عدة، وإن كانت مصنوعة من الذهب النقي ومُزيَّنة بزخارف غنية بما يتناسب مع مقتنيات ملكٍ. فكانت جميع الحواس تشترك في الخدمة الكهنوتيَّة اليوميَّة، فترى العين ضوء المنارة، وتشم الأنف بخور المذبح، ويتذوَّق الفم خبز الوجوه من على المائدة، وتسمع الأذن الأجراس المُعلَّقة على ثياب رئيس الكهنة. فقد صُمِّم الأمر برمته ليكون تجربة تُثري جميع الحواس من أجل الله، ليس لأن الله يمتلك حواسًا مادية مثلنا، بل اعتراف وإقرار بصلاح كل حاسة مختلفة قد وهبها لنا. فقط أفضل ما في كل شيء هو ما يُعد تقدمة كافية لخالق الكون.
وعلاوة على فائدة مقتنيات خيمة الاجتماع العمليَّة وجاذبيتها الحسيَّة، كان لها أيضًا دورًا رمزيًّا مُتعدِّد القيم عند شعب الله. فكانت ترمز سُرج المنارة السبعة إلى بركة الله المضيئة على أرغفة خبز الوجوه الاثنا عشر التي بدورها ترمز إلى أسباط إسرائيل الاثنا عشر. وكانت المنارة نفسها صورة مصغرة من عمود النار، للتذكير بحضور الله مع شعبه في البريَّة. ومذبح البخور بدوره شكَّل في المقابل عمود سحاب ليرافق عمود نار المنارة.
علاوةً على ذلك، كان بخور المذبح نفسه، الصاعد باستمرار، يرمز إلى صلوات شعب الله المرفوعة باستمرار أمام الرب. في خيمة الاجتماع، لم يكن يُوقِد البخور سوى الكهنة، الذين يخدمون بصفتهم وسطاء بين الشعب والله، رمزًا إلى رفع صلواتهم إلى محضر الله العلي. نجد هذه الصورة مُوضَّحة في مزمور 141: 2، إذ يُصلِّي داود إلى الرب قائلًا: "لِتَسْتَقِمْ صَلَاتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ". في سفر أخبار الأيام الثاني نقرأ عن حادثة كسر لهذه الوصية، عندما دخل الملك عزريا (المعروف ايضًا باسم عُزِّيَّا) إلى المَقْدِس وحاول إيقاد بخورًا بنفسه، على الرغم من اعتراض الكهنة. وبدلًا من المكانة المرتفعة التي سعى إليها، ضُرب بالبرص، فصار نجسًا ولم يعد بوسعه دخول أي جزء من الهيكل فيما بعد (26: 16-21).
كما كان مذبح البخور مُرتبطًا أيضًا بطقوس ذبائح إسرائيل. فعندما كانت يُقدِّم رئيس الكهنة ذبيحة خطيَّة عن خطيته، كان ينضح بدمها على قرون مذبح البخور، ويصب بقيته على أساسه (لاويين 4: 3-7). والأمر عينه على ذبيحة الخطية عن الجماعة كلها، كان يُنضح بدم الذبيحة على قرون مذبح البخور، ويُصَب بقيته إلى أسفل مذبح المحرقة الأقل قدسيَّة (الآيات 13-18). مع ذلك، لم تكن ذبائح الخطية المُتكرِّرة هذه كافية للتعامل مع الفساد المتراكم لخطية الشعب؛ ولتجنُّب تحوُّل الأرض إلى مسكن غير لائق أو مناسب لله، كان على رئيس الكهنة الدخول إلى قدس الأقداس مرة واحدة كل سنة في يوم الكفَّارة. وكان يحمل معه مجمرة نار وبخور كي تصنع سحابة بخور تغشي المكان كي يستطيع أسفلها من أخذ دم ذبيحة التطهير وينضح به على كرسي الرحمة وأعلى تابوت العهد (لاويين 16: 12-13).
وعلى الرغم من أن البخور كان له دورًا رئيسيًّا في العبادة داخل خيمة الاجتماع والهيكل، لكنه لم يعد مطلوبًا الآن في عبادة العهد الجديد. إذ في الهيكل الجديد، أي الكنيسة، استُبدلت الطقوس الكهنوتيَّة القديمة بما كانت ترمز إليه، أي صلوات القديسين (انظر رؤيا 5: 8؛ 8: 3-4). فالآن نحن لسنا في حاجة لوساطة كهنوتيَّة ترفع صلواتنا وتضرعاتنا إلى الله، لأننا نستطيع الاقتراب إليه باسم المسيح، رئيس كهنتنا الأعظم. وهو ليس مجرَّد وليَّنا والمُدافع عنَّا فحسب، بل هو نفسه ذبيحة الكفارة عن خطايانا (1 يوحنا 2: 2). وبصفته رئيس كهنتنا الحقيقي، أخذ دمه إلى داخل النموذج الأصلي السماوي الذي أشارت إليه خيمة الاجتماع والهيكل، ونضحه على كرسي الرحمة السماوي، مما طهَّر شعبه إلى الأبد (عبرانيين 9: 11-14). فهذا ما يُمكِّننا من التقدُّم إلى الله بلا خوف، وبلا مظلة بخور حامية، سالمين عبر الدم المسفوك للمسيح وسيط العهد الجديد (12: 24). وقد لخَّص كاتب الرسالة إلى العبرانيين الأمر في قوله: "لِذَلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لَا يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى" (آية 28). مثل البخور، لنرفع صلوات حمدنا أمام الله كل يوم.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.