طِلبات المسيح - خدمات ليجونير
شعب المسيح
۱۳ أكتوبر ۲۰۲۲
نطهِّر أنفسنا كما أن المسيح هو طاهر
۲۰ أكتوبر ۲۰۲۲
شعب المسيح
۱۳ أكتوبر ۲۰۲۲
نطهِّر أنفسنا كما أن المسيح هو طاهر
۲۰ أكتوبر ۲۰۲۲

طِلبات المسيح

ملاحظة المُحرِّر: المقالة 5 من سلسلة "صلاة يسوع الكهنوتية"، بمجلة تيبولتوك.

في يوحنا 17، تشفَّع المسيح بجدية وقوة عن تلاميذه. وقد عُرِفت صلاته هذه باسم الصلاة الكهنوتية، مع أننا لا نجد في أيِّ موضع فيها التعبير "كاهن" أو "رئيس الكهنة". لكن، أظهر المسيح دوره الكهنوتي بوضوح من خلال شكل هذه الصلاة ومضمونها. ما الدور الذي لعبه المسيح بصفته رئيس الكهنة الأعظم؟ جواب السؤال 31 من دليل هايدلبرج لتعليم الإيمان عن طريق السؤال والجواب يصف المسيح بأنه "رئيس كهنتنا الوحيد، الذي افتدانا بذبيحة جسده الواحدة، وهو حيٌّ دائمًا ليشفع فينا أمام الآب". هذه الأدوار الكهنوتية (ولا سيما الشفاعة) تَظهَر جليًّا طوال هذا المقطع من صلاة يسوع (يوحنا 17: 19-26). فيسوع، رئيس الكهنة الأعظم، تشفَّع عن تلاميذه، بل وعن الكنيسة بأكملها أيضًا. فقد صلَّى لأجل خاصته، الذين أعطاهم الآب له.

فإن المسيح، رئيس الكهنة الأعظم، والأخير، والحقيقي تقدَّم إلى الآب بقوة ليَشفَع في تلاميذه، حاملًا ثلاث طِلبات كي يرفعها أمام أبيه. وماذا يمكن أن نتعلَّم عن قلب المخلِّص وأحشائه من خلال طلباته الشفاعية؟ وما طِلبات الصلاة الثلاث التي رفعها رئيس الكهنة إلى أبيه السماوي؟ يخبرنا يوحنا 17: 19-26 بأن المسيح صلَّى لأجل خاصته، لأجل تقديسهم، ووحدتهم، ومجدهم.

خاصته (الآيات 24-26)

صلَّى يسوع في هذه الآيات لأجل خاصته الذين يحبُّهم محبة أبدية. ففي ختام تلك الصلاة، وجَّه المسيح أنظارنا إلى حقيقة الاختيار. يتجلَّى هذا الاختيار في كلٍّ من الفترة الزمنية التي ذكرها يسوع، والأطراف المعنيَّة التي حدَّدها في كلماته الختامية. نقرأ عن الفترة الزمنية في ختام الآية 24، حيث أشار المسيح إلى محبة أبيه التي أُعطِيت له "قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ" (17: 24). وأيَّ نوع من المحبة هو الذي يمكن أن يعود إلى ما قبل الخلق؟ وأيَّ نوع من المحبة أعطاه الآب للابن ويمكن للابن أيضًا أن يعطيه لشعبه (الآية 26)؟ هذه المحبة تعبِّر عن عقيدة الاختيار الإلهي بالنعمة. يصف البند 16 من إقرار الإيمان البلجيكي هذا الأمر قائلًا: "الله ... رحيمٌ ... في خلاصه ... للذين، بحسب المشورة الإلهية الأزلية وغير المتغيِّرة، قد اختيروا في يسوع المسيح ربِّنا، بدافعٍ من الصلاح البحت، ودون أدنى اعتبارٍ لأعمالهم". وإن محبة الآب من قبل الخلق إشارة إلى هذه المشورة الأزلية وغير المتغيِّرة.

علاوة على ذلك، تشير كلمات المسيح الختامية إلى الطرفين المعنيَّين في الاختيار، ألا وهم الذين أعطاهم الآب له والذين لم يعطِهم له. في الآيتين 24-25، تحدَّث المسيح عن "الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي"، والذين "مِنَ الْعَالَمِ" الذين "لا يعرفونك". بهذه الكلمات، أشار المسيح إلى المختارين والمرفوضين. يشير البند 16 من إقرار الإيمان البلجيكي إلى كلا هذين الفريقين في حديثه عن "الذين ... قد اختيروا"، و"الآخرين" الذين يتركهم "في خرابهم وسقوطهم الذي ورَّطوا أنفسهم فيه". يجب ألا يؤدي بنا التمييز بين هذين الفريقين إلى الاستنتاج القدري بأن "ما سيحدث لا بد أن يحدث"، بل بالأحرى، عندما نسمع الوعد الأخير الذي نطق به رئيس الكهنة في هذه الصلاة، لا بد أن نتوق إلى أن نُستخدَم كأدواتٍ لإعلان حق محبته واختياره. فقد صلَّى مُخلصنا المقدَّس لأجل أن يقدَّس مختاروه في حق كلمته، ويتَّحدوا بالآب بواسطته، حتى يشتركوا في مجده ويُظهِروه.

التقديس (الآيات 17-19)

للاطلاع على طلبة التقديس، سيكون علينا أن ننظر إلى ما جاء في يوحنا 17: 17، 19. في الآية 17، خاطب المسيح الآب قائلًا: "قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌ". وفي الآية 19، قال إنه "لأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَق". في هاتين الآيتين، ترد الكلمة اليونانية نفسها ثلاث مرات، وتُترجم إلى الفعل "يقدِّس". تساعدنا ترجمة هذه الكلمة لنرى أن المسيح استخدم هنا لغة كهنوتية. فقد تشفَّع كي يتقدَّس تلاميذه، أو ينفصلوا عن العالم، كما أن المسيح نفسه هو منفصل ومقدَّس. يُشجِّعنا ذلك على التفكير في فكرتين مرتبطتين بهذا التشفع: أولًا، طلب الابن أن يتقدَّس التلاميذ؛ وثانيًا، يُذكِّرنا الابن نفسه بأنه مقدَّس.

في طلب المسيح أن يتقدَّس التلاميذ، طلب من الآب أولًا أن يوجِّههم إلى حقِّ الكلمة. ففي الآية 17، ذُكِرت كلمة "حق" مرتين. فبعدما قدَّم المسيح الطلبة العامة التي مفادها أن يتقدسوا "في الحق"، اختتم بالتأكيد على أن "كَلاَمُكَ [كلام الآب] هُوَ حَقٌ". تنطبق هذه الطلبة بكلِّ تأكيد على التلاميذ على نحو فريد وخاص. فهم ليسوا فقط عرفوا كلمة الحق المتجسد، بل قد أوحي إليهم لاحقًا بالروح القدس ليكونوا أدوات للكرازة بكلمة الله وكتابتها. فلهذه الطلبة معنى خاص بالنسبة للتلاميذ، لكنها تنطبق أيضًا على كلِّ شعب الله. فالوسيلة الوحيدة للتقديس أو التكريس لله هي قوة كلمة الله.

ثم في ختام الآية 19، كرَّر المسيح طلبة التقديس هذه، لكنه ابتدأ يشير إلى الحقِّ الكامن في شخصه، وذلك عن طريق التأمل في تكريسه الشخصي: "وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ [أخصص] أَنَا ذَاتِي" (الآية 19). يبيِّن تصريح المسيح هذا أن محتوى حق الكلمة هو شخص يسوع المسيح، رئيس الكهنة الذي قدَّس ذاته ليخلِّصهم. فكي يتقدَّس التلاميذ، أي يكونوا قديسين في نظر الآب، كان ينبغي أن يحرِّرهم حق يسوع المسيح، ذلك الحق المعلن فقط في كلمته الموحى بها.

نكتشف كيف استُجيبت طلبة المسيح عندما ننظر إلى ما حدث في سفر أعمال الرسل وعبر الرسائل. فقد احتكمت عظة بطرس الأولى إلى الكلمة وأشارت إلى للمسيح (أعمال الرسل 2: 14-36). كذلك، افتتح بولس رسالته الأولى إلى مؤمني كورنثوس واعظًا عن "كَلِمَةَ الصَّلِيبِ" (1: 18، 23). وإننا نُدعَى، طوال الكتاب المقدس، إلى قبول حق يسوع المسيح. ومن ثَمَّ، فمع أن هذه الطلبة كانت تخص تلاميذ القرن الأول تحديدًا، لا يزال محتواها ينطبق أيضًا على كلِّ مَن يتبع المسيح. فإننا مدعوون جميعًا إلى أن نتقدَّس كذبائح شكر حيَّة. استخدم بولس هذه اللغة الكهنوتية نفسها في بداية رومية 12، حيث دعا مستمعيه إلى أن يكونوا "ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ" (الآية 1). وبالتالي، نرى أن طلبة المسيح لأجل تلاميذه قد استجيبت. فهؤلاء الرجال أنفسهم الذين صلَّى المسيح لأجلهم مضوا في طريقهم وأصبحوا رسلًا. علاوة على ذلك، في رسائل وصلوات هؤلاء التلاميذ أنفسهم، صلُّوا لأجل تقديس أتباع المسيح جميع. إذن، في حين أن التلاميذ كانوا هم المعنيُّون بهذا الجزء من طِلبة المسيح وتشفُّعه، نرى بوضوح أن هذا الجزء ينطبق علينا نحن أيضًا، بصفتنا أناسًا يتبعون المسيح وكلمته.

كذلك، يمدُّنا المسيح بالتعزية بهذه الطِلبة، إذ يُذكِّرنا في الآية 19 بتقديسه الشخصي. من المؤكَّد أن المسيح استخدم اللفظ اليوناني نفسه حتى يربط نفسه بتلاميذه، لكنه ميَّز أيضًا بين تقديسهم وتقديسه [تكريسه]، لأنه في حين يحتاج التلاميذ إلى طِلبة تُرفَع لأجلهم ليتقدَّسوا، يُذكِّرنا الكسيح بأنه مقدَّس بالفعل. فيسوع الذي هو "الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يوحنا 14: 6)، ليس محتاجًا أن يطلب التقديس، بل بالأحرى، هو يُعلِن بهذا التقديس أنه هو رئيس الكهنة، والذبيحة، والقدوس في نظر أبيه. وباستخدام المسيح لتلك اللغة الكهنوتية، أكَّد أنه كاهن فريد من نوعه ولا مثلَ له. والتعزية المستمدة من هذا التصريح الكهنوتي هي من نصيب جميع الذين هم للمسيح. ومن ثَمَّ، فعندما قال يسوع في الآية 20 إنه لا يُصلِّي فقط لأجل تلاميذه (17: 20)، كان هذا انتقالًا ملائمًا. فقد وسع رئيس الكهنة من نطاق شفاعته ليشمل جميع الذين ينتمون إليه في الحاضر والمستقبل. ثم استطرد صلاته برفع طلبة ملائمة لأجل جماعة المؤمنين في كل زمان، وكانت هذه الطلبة لأجل الوحدة.

الوحدة (الآيات 21-23)

نقرأ طلبة المسيح لأجل الوحدة في الآيات 21-23. في الآية 21، طلب المسيح قائلًا: "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا". وفي الآية 22، كرَّر هذه الطلبة، قائلًا: "لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ". وفي الآية 23، اختتم طلبته قائلًا: "لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ". لكن، ينبغي أن نسأل عن نوع الوحدة التي تضرَّع المسيح لأجلها. توجد اليوم الكثير من الانقسامات في حياة شعب الله. فالمؤمنون منقسمون اليوم لأسباب لاهوتية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وعرقية، وجغرافية، وتاريخية (على سبيل المثال لا الحصر). إذن، هل كان المسيح يطلب هنا وضع حدٍّ لأحد هذه الانقسامات أو جميعها؟ كي نفهم قصد المسيح من وراء هذه الطلبة التي رفعها لأجل الوحدة، يجب أن ندرك أن هذه الطلبة كانت مكوَّنة من مثال توضيحي، وكذلك من تطبيق عملي على الوحدة.

قدَّم ابن الله مثالًا توضيحيًّا صادمًا للوحدة في الآيتين 21-22، حيث شبَّه المسيح وحدة المؤمنين بالوحدة نفسها الموجودة بين الآب والابن، قائلًا: "كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ"، ثم واصل صلاته قائلًا: "لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ". فقد استُخدِمت العلاقة بين الآب والابن كمثال توضيحي للدعوة إلى أن نكون واحدًا. وبهذا المثال التوضيحي، لم يكن الابن يطلب أن نصير كائنات إلهية، أو أن نختبر نوعًا من وحدة الوجود مع الآب والابن؛ بل بالأحرى، استخدم المسيح أعظم صورة للوحدة، وهي الوحدة بين الآب والابن، ليعطينا مثالًا للوحدة التي ينبغي أن نتوق إليها. وبالتالي، يمدُّنا هذا المثال التوضيحي القوي أيضًا بتطبيقٍ عمليٍّ على الوحدة.

طبَّق المسيح هذه الوحدة عمليًّا عندما صلَّى ليكون شعب الله واحدًا فيه. لاحظ جيدًا أن فكرة الوحدة لا يمكن أن تقوم بمفردها. فلا يمكننا فقط أن نكون واحدًا، بل يمكن أن نكون واحدًا فيه. وإذا كنا نتوق إلى أن تحطم وحدتنا الانقسامات الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو الثقافية، أو العرقية، أو الجغرافية، أو التاريخية، فهذا لن يحدث إلا عندما نلتفت إلى الابن. فالوحدة ليست مجرد ترياق سحري قائم بذاته. والوحدة بمعزل عن المسيح هي وثن يُحدَّد ويُنحَت بحسب فكر الإنسان الساقط.

في غالبية الأحيان، نتبع في كنائسنا هذا السبيل الخاطئ إلى الوحدة، ناسين العلاقة الرأسية بين المسيح وكنيسته، وناظرين بعضنا إلى بعضٍ أفقيًا، وسائلين أنفسنا كيف يمكن أن نحل مشاكلنا بحكمتنا الشخصية. لكنَّ الخطط ذاتية الصنع والمعتمدة على الذات التي نضعها في سبيل تحقيق الوحدة محكوم عليها دائمًا بالفشل. ففي صلاة المسيح لأجل الوحدة، حول انتباهنا إلى الاتجاه الصحيح، مظهرًا لنا أن الوحدة الحقيقية في المسيح تتحقق بوسيلتين، وهما الوحدة بالإيمان (الآية 21)، والوحدة في محبة الآب (الآية 23).

كانت الطلبة الأولى لأجل الوحدة هي لأجل الوحدة بالإيمان. في الآية 20، تشفَّع المسيح لأجل جميع "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي [بالمسيح] بِكَلاَمِهِمْ [أي كلام التلاميذ]". وفي الآية 21، توسَّع في الحديث عن هذه الوحدة بالإيمان، طالبًا أن "يُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي". وفي حين عبَّرت الطلبة التي جاءت في الآية 20 عن مفهوم الوحدة داخل الكنيسة، أوضح المسيح في الآية 21 أنه ينبغي أن يُنادَى بفكرة الوحدة هذه للعالم أجمع. فسواء كان التركيز منصبًّا على الشركة (في الآية 20)، أو على الكرازة (في الآية 21)، يمكن تحقيق هذا النوع من الوحدة بالإيمان وحده بالمسيح وحده. وتُذكِّرنا طلبة يسوع هذه بسبب الأهمية الشديدة التي تمثِّلها المناداة بالإنجيل. فأيُّ رجاء حقيقي في الوحدة يجب أن يبدأ من الإيمان بالمسيح.

طلب المسيح أيضًا أن نكون واحدًا في محبة الآب. فإن محبة أبينا هي مصدر تشجيع ضخم. ورغم صراعاتنا مع الخطية والشيطان، طلب الابن أن نتحد معًا بصفتنا أولاد أبينا السماوي. أحد ترجمات مزمور 103: 13 صاغت هذه الفكرة جيدًا كالتالي:

تلك المحبة الحنونة التي يكنُّها الأب

 لكل أولاده الأعزاء،

يغدقها الرب على 

جميع الذين يعبدونه في مخافة ("محبة الله الأبوية"، ترنيمة 278)

إن محبة أبينا من نحونا في المسيح تُكسِبنا فهمًا أعمق للوحدة. اختبر داود، كاتب مزمور 103، محبة الآب، واختبر يوحنا، الذي دوَّن صلاة رئيس كهنتنا، محبة الآب. ونحن، الذين نواصل الصلاة إلى أبينا الذي في السماء، نتحد بهذين الرجلين وبجميع الذين يدعونه عن طريق الإيمان باسم المسيح.

يجب ألا تدفعنا طلبة المسيح لأجل الوحدة إلى السعي وراء تطبيق استراتيجيات في سبيل كسر الحواجز الطائفية أو العقبات الثقافية، ويجب أيضًا ألا تُستخدَم كنص إثباتي لمناقشة الانقسامات الاجتماعية الموجودة في العصر الحالي؛ بل بالأحرى، ينبغي أن تكون طلبة رئيس كهنتنا مصدر تشجيع لنا، لأنها تخبرنا بأننا متحدون بالآب والابن، ومدعوون إلى الإيمان به بواسطة كلمته، وإلى إظهار المسيح للعالم. تمَّم المسيح نفسه تلك الصلاة لأجل الوحدة، ولا يزال يتمِّمها، فيما يُقبِل رجال ونساء إلى الإيمان به، وإلى المناداة به إلى العالم.

المجد (الآيتان 22، 24)

انتقل المخلِّص بعد ذلك في صلاته إلى رفع طلبة أخيرة لأجل أن يُظهِر تلاميذه مجده. وهذه الطلبة المختصة بالمجد تُعَد خاتمة ملائمة، لأنها متصلة بفكرة الوحدة. فكما أن تلاميذ المسيح متحدون به، هم سيشتركون أيضًا في مجده. وفي هذه الآيات الختامية، طلب المسيح اعترافًا بالمجد في الحاضر، واشتراكًا فيه في المستقبل. في الآية 22، وجَّهنا المسيح في المقام الأول إلى المجد الحاضر، حيث تحدَّث عن المجد الذي أعطاه لهم هنا والآن (يوحنا 17: 22). فمن المؤكَّد أن مجد مخلِّصنا قد أُعلِن بالفعل، لأنه أتى في مجد (لوقا 2: 14)، وأظهر مجده لتلاميذه (متى 17: 1-8)، ودخل أورشليم منتصرًا في مجد (لوقا 19: 38)، وقام من القبر في مجد (لوقا 24: 19). أكَّد رئيس الكهنة الأعظم في صلاته أن مجده أُظهِر بالفعل، وأنه سوف يُستعلَن أيضًا بكلِّ ملئه يومًا ما. ومع أننا نتوق بلا شك إلى أن نرى مجده وجهًا لوجه، ينبغي أن نقرَّ أيضًا بأنه قد أَعلَن مجده بالفعل. وعندما ندرك كيف أعلن المسيح مجده لنا بوضوح في كلمته، نتوق أكثر فأكثر إلى قراءة الكتاب المقدس.

علاوة على ذلك، طلب المسيح أن يأتي مجده في المستقبل. ففي الآية 24، تعلَّقت طلبته بالمستقبل، حيث طلب "أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي" (يوحنا 17: 24). يتركنا مفهوم المجد عادة في تطلُّع إلى ما لم يأتِ في المستقبل بعد (متى 16: 27). وإن المجد المستقبلي يحفز جميع المؤمنين على الاستمرار في الصلاة. كانت الصلاة الأخيرة في الكتاب المقدس هي: "تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ!" (رؤيا 22: 20). ففي الأوقات الصعبة، أو في خضم الصراعات مع الخطية، أو في وسط آلام الموت، دعونا نستمر في الصلاة قائلين: "تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ!" كذلك، يُذكِّرنا المجد المستقبلي بالصورة الأكبر والأشمل لخطة الله للخلاص. فإن خطة خلاصه ستستمر طوال الأبدية، وهي خطة بدأت من قبل تأسيس العالم. تّذكِّرنا الجمل الأخيرة من صلاة المسيح الكهنوتية (يوحنا 17: 24-26) بأنه لا يزال يصلي لأجل مختاريه. يا للتشجيع الذي نستمدُّه من هذه الصلاة، إذ ندرك أن رئيس كهنتنا، يسوع، يشفع فينا حتى الآن من السماء. ليتنا نعرفه ونتحد به بالإيمان. وإننا مدعوون إلى أن نواصل المناداة به للعالم إلى أن يأتي ثانيةً في مجد.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

روبرت جودفري
روبرت جودفري
الدكتور روبرت جودفري هو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير والرئيس الفخري لكليَّة وستمنستر للاهوت في كاليفورنيا والأستاذ الفخري لتاريخ الكنيسة بها. وهو الأستاذ المُميَّز في سلسلة ليجونير التعليميَّة المُكوَّنة من ستَّة أجزاء بعنوان "مسح شامل لتاريخ الكنيسة" A Survey of Church History. تشمل كتبه العديدة "رحلة غير مُتوقَّعة" An Unexpected Journey، و"تعلَّم أن تُحبَّ المزامير" Learning to Love the Psalms.