مثلا حبَّة الخردل والخميرة - خدمات ليجونير
اللامبالاة بالعقيدة
۲۸ يوليو ۲۰۲۱
معرف الحق
۲۹ يوليو ۲۰۲۱
اللامبالاة بالعقيدة
۲۸ يوليو ۲۰۲۱
معرف الحق
۲۹ يوليو ۲۰۲۱

مثلا حبَّة الخردل والخميرة

احتلَّ ملكوت الله مكانة بارزة في تعاليم المسيح منذ بداية خدمته على الأرض (متى 4: 17؛ مرقس 1: 15؛ لوقا 4: 43). فقد أعلن أن مجيئه إلى الأرض يعني اقتراب ملكوت الله. فقد كان يُؤسِّس ملكوت الله في وسط مستمعيه. وقد كانت المعجزات والتعاليم ترافق تأسيس الملكوت وتبرهن عليه. اتخذت تعاليم المسيح أشكالًا مختلفة، ولكن كان من أهمِّها الأمثال التي استخدمها لتعليم سامعيه شيئًا عن طبيعة الملكوت. يكشف مَثَل حبَّة الخردل (متى 13: 31-32؛ مرقس 4: 30-32؛ لوقا 13: 18-19) ومَثَل الخميرة (متى 13: 33؛ لوقا 13: 20) شيئًا عن النمو الخفي والتدريجي لملكوت الله. سنلقي نظرة بإيجاز على كل مَثَل على حدة.

شبَّه الرب يسوع ملكوت الله بحبَّة الخردل التي، بسبب شكلها الأوَّل الصغير مقارنةً مع شكلها النهائي المُثير للدهشة، أعطت للمسيح نموذجًا مناسبًا لنمو ملكوت الله بين تأسيسه واكتماله. إن حبَّة الخردل، وهي من أصغر البذور في فلسطين، ستنتج شُجيرة صغيرة وبمرور الوقت قد يصل ارتفاعها إلى أكثر من عشرة أقدام. ستنمو البذرة الصغيرة لتصبح كبيرة جدًا بحيث تتآوى فيها طيور السماء.

يعود هذا الوصف إلى الملك نبوخذ نصر ملك بابل. فقد رأى حُلمًا لشجرة نمت وكبرت بحيث سكنت فيها طيور السماء. ومع ذلك، تم قطع الشجرة في لحظة. كشف تفسير دانيال أن كل ممالك البشر ستنهار، حتى نبوخذ نصر العظيم (دانيال 4). ملكوت الله مختلف. فعلى الرغم من أن تأسيس هذا الملكوت كان بسيطًا، إلَّا أنَّه سينمو حتى يصل إلى شكله النهائي المجيد، لكي تُعشِّش في أغصانه كل طيور السماء (حزقيال 31: 6).

لئلا ينسى سامعيه الرسالة، قال المسيح مَثَلًا آخر لتوضيح نفس الفكرة تقريبًا عن ملكوت الله. في هذا المَثَل، خبَّأت امرأة خميرة من عجينة الأسبوع السابق في ثلاثة أكيال دقيق. وقطعة صغيرة من الخميرة كان لها تأثيرها على العجين كله. مِثل الخميرة، يبدأ ملكوت الله صغيرًا، وغالبًا ما يكون عمله مخفيًّا وغير مرئي، إلى أن يتحقَّق تأثيره الكامل.

يوضِّح هذان المثلان المتلازمان نمو ملكوت الله بين المجيء الأوَّل للمسيح ومجيئه الثاني. أظهر المسيح فيهما أن الطريقة التي أسَّس بها ملكوت الله لا تحتاج إلى إثارة أي شكوك حول قوَّة وشرعيَّة منصبه المسياني والملكوت. لم يكن التأسيس البسيط خطأً – فقد خطَّط له الله. قال جون كالفن: "أسَّس الرب ملكه ببداية ضعيفة ومُحتقرة، لغرض صريح، وهو أن تظهر قدرته بشكل كامل من خلال تقدُّمه غير المُتوقَّع".

منذ أن نطق المسيح بهذه الأمثال، تجذَّرت بذور الخردل وازدهرت. كبر العجين المُختمر أضعافًا مُضاعفة. أولئك الذين عارضوا المسيح وأتباعه بعد صعوده حاولوا سحق الكنيسة الصغيرة –قطع الشجرة– قبل أن تتجاوز أورشليم. ومع ذلك، كانت محاولاتهم غير مُجدية. في الواقع، كلما قطعوا أكثر، نمت الشجرة. إن استشهاد استفانوس هو مثال واضح، لأنَّه أدَّى إلى التشتُّت الذي حمل الكرازة بالإنجيل إلى ما وراء أورشليم، إلى اليهودية، وإلى السامرة، وإلى أقاصي الأرض (أعمال الرسل 8: 4). إن تاريخ الكنيسة هو تحقيق وعد المسيح بأنَّه لن تقوي حتى أبواب الجحيم على كنيسته (متى 16 :18).

لكن الملكوت الذي أسَّسه المسيح ينتظر عودته من أجل اكتماله الكامل والنهائي. وإلى أن يحدث ذلك، نسلك بالإيمان لا بالعيان (2 كورنثوس 5: 7). فنحن مواطنون في ملكوتٍ لا يتزعزع (عبرانيين 12: 28). عندما يعود المسيح لاكتمال ملكوت الله، لن يتمكَّن أحد من إنكار مجد الملكوت (متى 25: 31؛ مرقس 14: 62). إن الذي تجسَّد ووُلدَ في مكان متواضع سيعود في البهاء والقضاء (1 تسالونيكي 4: 16؛ رؤيا 1: 7) لإكمال الملكوت. ثمَّ، أخيرًا، سيكون مسكن الله مع الناس (رؤيا 21: 3-4).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

أرون جاريوت
أرون جاريوت
القس أرون جاريوت (@AaronGarriott) هو مدير تحرير مجلة تيبولتوك، وأستاذ مساعد بكليَّة الإصلاح للكتاب المُقدَّس، وقس مرتسم في الكنيسة المشيخيَّة في أمريكا (Presbyterian Church in America).