مثلا حبَّة الخردل والخميرة
۲۹ يوليو ۲۰۲۱الله الآب
۳ أغسطس ۲۰۲۱معرف الحق
سوف نتناول موضوع "معرفة الحق" عن طريق شرح قصة الكتاب المُقدَّس عن الخلق، والسقوط، والإصلاح فيما يختص بفقدان المعرفة وإعادة اكتسابها، عن طريق ملاحظة ما كتبه بولس في الإصحاحات الأولى من رسالته إلى أهل رومية عن مأزق الجنس البشري. على الرغم من سقوط البشر في الخطيَّة، إلَّا أنَّهم يحتفظون بصورة الله (تكوين 9: 6؛ يعقوب 3: 9). كلمة صورة عند استخدامها في سفر التكوين ليست مُجرَّد أسلوب أدبي جذَّاب ولكنَّه شيء يحمل أهميَّة عميقة. نحن على صورة خالقنا بقدرتنا على معرفة الله كما يعرفنا الله. ولكن بعكس إلهنا الذي لا يتغيَّر، فإننا سقطنا في عدم إيمان.
صورة المعرفة والإرادة تبقى، بالرغم من أنها فسدت. لدينا فهم وأعمال للإرادة، ويشير الكتاب المُقدَّس إلى هذا الأمر بطرق مختلفة. هناك طريقتان بارزتان هما: قدرتنا على تكوين معتقدات خاطئة وقدرتنا على تحقيق أهداف شريرة. يرى الكتاب المُقدَّس أن هذه الأمور نتيجة خداع الذات وعمل تأثيرات السقوط على ضميرنا. نحن نبني أصنامًا ولنا ضمائر سيِّئة. نحن نعبد المخلوق بطريقة أو بأخرى، بدلًا من أن نعبد خالقنا. هذا هو الموضوع الذي تناوله بولس عندما تحدَّث عن الطبيعة الخاطئة بصفتها فقدان المعرفة. بالنسبة لبولس، فإن فقدان المعرفة ليس مسألة نسيان مجموعة من الحقائق ولكن امتلاك أذهان تُشوِّه ما نتعلَّمه. نحن غير متوازنين ومُشوَّهين. كان للبشر معرفة الله في البداية –"إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ" (رومية 1: 19)– لدرجة أن الله قد أعلن عن طبيعته الإلهيَّة، وقدرته، والمزيد عن نفسه، ممَّا يُنتج فهمًا لطبيعته عبر الأجيال اللاحقة، على الرغم من دوَّامة الانحدار.
إن عصيان الله هو مسؤوليَّتنا. فنحن نتدهور، ونتوقَّف عن التفكير بشكل سليم، ونتخيَّل، وقلوبنا يعلوها ضباب الجهل، والإنسان المخلوق على صورة الله يخلق صورًا خاصه به – صورًا للحيوانات وحتى صورًا لنفسه. بسبب عدم تمجيد الله أو شكره، أصبح الإنسان أحمق في أعماله وأظلم قلبه (رومية 1: 21). وهو صنع صور "الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ" (الآية 23). كنتيجة تحدِّيه، أبدل الإنسان الله ببعض جوانب الخليقة ليعبدها، بما في ذلك نفسه، بدلًا من الخالق المُبارك (الآية 25). هذه الدوَّامات تجذبه إلى الفجور الجنسي (الآيات 24، 26، 28). كما نزداد في الانحطاط بطرق مختلفة تشمل فقدان الاستقامة. وسواء كنَّا يهودًا أم أمميِّن، فإن أذهاننا المظلمة لها معياران. على الرغم من أن الأمم، الذين لا يستطيعون الوصول لناموس الله المُعلَن، يمكنهم إدانة السرقة، فإنَّنا نحن أنفسنا نسرق. ما يُظهره هذا، هو أن هذه المعرفة ليست قبولًا لحقائق مُعيَّنة، ولكن معرفة الله تشتمل إرادتنا. إنها حالة القلب التي تقود إلى أعمال شر. في هذا المأزق، لدى الأمم معياران، مثلهم مثل اليهود (2: 12-29). كل القلوب خادعة للذات. اليهود، على الرغم من أن لهم إعلان الله الخاص، إلَّا أنهم غير أمناء (الآيات 20-21). يقول الرسول بولس بشكل لاذع: "فَأَنْتَ إِذًا الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ، أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ ... الَّذِي تَفْتَخِرُ بِالنَّامُوسِ، أَبِتَعَدِّي النَّامُوسِ تُهِينُ اللهَ؟" (الآيات 21، 23).
حتى اليهود بحاجة إلى نعمة الله المُخلِّصة مثلهم مثل الأمم. إن مأزق اليهود غير المؤمنين يكمن في خداعهم ونفاقهم. على الرغم من أن لهم إمكانيَّة الوصول إلى نعمة الله بطريقة ليست لدى الأمم، إلَّا أن اليهود ككل قد ضلُّوا. وهناك خيوط مختلفة لهذا المأزق. على سبيل المثال، يؤدِّي خداع الذات بالإنسان إلى السلوك في مسارات أخرى بدلًا من اتباع المسار الذي عيَّنه الله. يقول الرسول بولس إن طبيعتنا الهشَّة كمخلوقات معتمدين على الله تجعلنا ندرك أن لدينا خالق وأن الخليقة ليست مُجرَّد صدفة عملاقة. في ضميرنا، نملك قاضي داخلي يراقب ما نفكِّر فيه وما نفعله. إن حمل صورة الله له هذه التبعات الحتميَّة. فكل البشر، يهودًا وأممًا، هم تحت الخطيَّة، يحملون ثقلها.
ولكن بولس لا يترك موضوع المعرفة عند هذه النقطة. فهو رسول يسوع المسيح. والخبر السار هو أن بر الله قد ظهر، بدون الناموس، رغم أن الناموس والأنبياء يشهدون عنه أيضًا. ما الذي نحتاج أن نتعلَّمه؟ طريق اكتساب: "بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ" (3: 22). وهي طريقة للتخلُّص من أنفسنا الفاسدة.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.