مَثَل الكرَّامين - خدمات ليجونير
الوصية التاسعة وإله الحق
۲۰ مايو ۲۰۲۲
مَثَل الراعي الصالح
٤ يونيو ۲۰۲۲
الوصية التاسعة وإله الحق
۲۰ مايو ۲۰۲۲
مَثَل الراعي الصالح
٤ يونيو ۲۰۲۲

مَثَل الكرَّامين

لم يكن هناك رجل أكثر جسارة وشجاعة من ربِّنا يسوع، الذي افتضح النوايا الشريرة لرؤساء شعب الله في جيله، الذين كانوا متمركزين تمامًا حول ذواتهم، وفعل ذلك في وجوههم ودون تردُّد، مخاطرًا بحياته في سبيل ذلك. ومن المفارقة العجيبة أن هذا المقطع يُختَتَم برؤساء الكهنة وهم يطلبون أن يمسكوه (متى 21: 45-46)، مجسِّدين بذلك قساوة القلب عينها التي أدانها يسوع في المَثَل. كانت تصرفات المسيح الصارمة (مثل طرد الباعة من الهيكل)، وكلمات الدينونة التي نطق بها (مثل القصص المحيطة بهذا المقطع، من قبيل لَعن شجرة التين، ومَثَل الابنين، ومَثَل العرس) كانت هي الأسلحة التي استخدمها في معركته ضد المؤسَّسة الدينية التي ظل يحاربها منذ دخل أورشليم.

تَكمُن جذور هذا المَثَل الذي قاله يسوع بصفة خاصة في تعليم إشعياء النبي. وهو مَثَل مجازي غير معتاد. فصاحب الكرم هو الله - "إِنَّ كَرْمَ رَبِّ الْجُنُودِ هُوَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ" (إشعياء 5: 7)؛ والكرَّامون الجاحدون الذين استهدفهم يسوع بالمثل هم رؤساء إسرائيل - "اَلرَّبُّ يَدْخُلُ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ شُيُوخِ شَعْبِهِ وَرُؤَسَائِهِمْ" (3: 14)؛ والعبيد الذين أرسلهم ربُّ البيت هم إشارة إلى الأنبياء (استخدم يسوع التشبيه عينه في متى 23 :37 بينما كان يبكي على أورشليم). ومن هؤلاء العبيد يوحنا المعمدان، الذي قُتل على يد حُكَّام إسرائيل الأشرار (متى 21: 25). واختتم يسوع مَثَله بوصف معاملة الكرامين الشائنة لابن صاحب الكرم كما لو كان مجرمًا. وفي الآية 45، أدرك الجموع دلالة كلام يسوع في الآيات 41-44: "أُولئِكَ الأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ [صاحب الكرم] هَلاَكًا رَدِيًّا، وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا"، ولا سيما الضربة القاضية التي وجَّهها يسوع إليهم في الآية 43: "إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ". فقيادتهم التعسفية والفاسدة كانت على وشك أن تنتهي نهاية فجائية ومؤسفة.

تجلَّى التتميم التاريخي الأول لهذه النبوات في الكوارث التي حدثت في الأعوام 66-70م، والأعوام 132-135م، عندما خرب الرومان الهيكل، ومدينة أورشليم، وقتلوا معظم رؤساء الشعب.

لاحظ جيدًا أن الإساءة الأساسية التي سلَّط يسوع الضوء عليها هنا هي "رفض" الشعب له. فقد قدَّم يسوع نفسه للشعب على أنه الابن الذي يتمتَّع بعلاقة خاصة مع الآب. وقال سي. إس. لويس إن لا أحد يستطيع أن يعتبر يسوع مجرد معلِّم أخلاقي صالح آخر. فلا بد إما أن يكون المسيَّا، وإما شخصًا مصابًا بجنون العظمة. ولذا، قال يسوع إن رفضه هو الخطية الكبرى، التي تؤدِّي إلى دينونة. وفي هذا المثل، وضع يسوع نفسه في مركز مقاصد يهوه، باقتباسه من العهد القديم. ففي الآية 42، طبَّق يسوع المزمور 118: 22-23 على نفسه: "الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟" (انظر إشعياء 28: 16). وقال يسوع ما مضمونه: "قد يعتبرني ذوي النفوذ شخصًا منبوذًا عديم القيمة، لكن الله سيصنع عجائب بواسطتي، وسيعطيني ملكوتًا". وبمزيد من الجدية، وصف يسوع نفسه في متى 21 :44 بأنه "حَجَرَ صَدْمَةٍ" (إشعياء 8: 14؛ دانيال 2 :34، 44)، قائلًا بهذا ما معناه: "حريٌّ بكم ألا تتجاهلوني!"

شدَّدت هذه القصة إيمان المسيحيين الأوائل في مواجهة العار والخزي النابعين من كون يسوع "أُخرِج خارج الكرم وقُتل" (متى 21: 39). ويرفض المسلمون صلب يسوع النبي، معتبرين إياه أمرًا لا يمكن تصوره. وبحقٍّ، يُعَد موت يسوع جهالة وفضيحة لجميع الذين يبحثون عن مظاهر القوة والنفوذ الأرضية. بالإضافة إلى ذلك، كم عدد الذين أقبلوا إلى الإيمان بسبب تعاليم يسوع على الأرض؟ لا تدل الإحصائيات المعروفة على أمانة كبيرة في الكرازة. لكن، ساعد هذا المقطع المسيحيين اليهود الأوائل ليفهموا التغيُّرات الجذرية في القيادة وفي المظهر الخارجي لشعب الله، التي وقعت في القرن الأول (أعمال الرسل 2: 23-37؛ 3: 14-15). ويساعدنا مَثَل يسوع جميعًا لنرى الصورة الأكبر التي يعرضها العهد الجديد عن إسرائيل الله الممتدة، المؤلَّفة من مؤمنين من اليهود والأمم على حد سواء، تحت القيادة الجديدة لرسل المسيح (رومية 11؛ غلاطية 6 :16).

علينا، نحن الذين نؤمن بيسوع، أن نحفظ أنفسنا من التصلُّف والجحود اللذين أدانهما يسوع في هذا المثل (راجع رومية 11 :21). فإن السيد قادم، ولا بد أن نعطي حسابًا له. دعونا نحرص إذن على صُنع ثمار الإيمان والسلوك بالبر التي يتوقَّعها منا. ودعونا نضع في اعتبارنا لطف الله الغزير من نحونا، الذي يعبِّر عنه هذا المثل، والذي تجلَّى في الكرم المُعد بعناية، وفي طول الأناة المفرط الذي أبداه صاحب الكرم في انتظاره تجاوبًا من الكرامين، وكذلك في الابن الذي مات. فإن الرجل الشجاع الذي نطق بهذا المثل كان على وشك أن "يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ" (عبرانيين 2: 9). وإن هذا لسببٌ وجيهٌ يدفعنا إلى التجاوُب معه بإيمان وامتنان اليوم وكلَّ يوم.

 

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

تشارلز ك. تيلفر
تشارلز ك. تيلفر
د. تشارلز ك. تيلفر هو أستاذ اللغات الكتابية بكلية لاهوت وستمنستر بولاية كاليفورنيا، وهو شيخ لشؤون التعليم في الكنيسة المشيخية بأمريكا، ومؤلف الكتاب بعنوان Wrestling with Isaiah: The Exegetical Methodology of Campegius Vitringa..