الوصية التاسعة وإله الحق - خدمات ليجونير
اكتشاف دعوة الله والوكالة الأمينة عليها
۲۰ مايو ۲۰۲۲
مَثَل الكرَّامين
٤ يونيو ۲۰۲۲
اكتشاف دعوة الله والوكالة الأمينة عليها
۲۰ مايو ۲۰۲۲
مَثَل الكرَّامين
٤ يونيو ۲۰۲۲

الوصية التاسعة وإله الحق

عندما كنتُ في المرحلة الثانوية، قرَّرت مجموعة من أصدقائي الذهاب للتخييم فوق جبل لوكاوت بولاية جورجيا. تضمَّن هؤلاء الأصدقاء، الذي كان عددهم نحو عشرة، مجموعة مختلَطة من الصبيان والفتيات. كنتُ أعلم جيدًا أن والداي لن يسمحا لي بالذهاب للتخييم مع هذه المجموعة المختلطة، ولذلك "أغفلتُ" إخبارهم بمرافقة فتيات لنا. وقد قضينا وقتًا رائعًا في التخييم، ولم يكن هناك أيُّ سوء سلوك، لكن عندما عدتُ إلى المنزل، واجهني والداي، وعندما حاولتُ التملص من المواجهة بمزيدٍ من التحريف للحقيقة، عوقِبتُ، وكانا محقَّين في ذلك. 

تبدو مثل هذه "الأكاذيب البيضاء" البسيطة غير ضارة إلى حدٍّ كبير، لكن عندما ننطق بها، ألسنا ندور حول الحقيقة، أو نخفيها، أو نغفل قولَها؟ وفي واقع الأمر، يحبُّ الله الحق، ويُسَرُّ به، ويدعمه، لأنه هو إله الحق. وبصفته الخالق لكلِّ شيء، والكلى السيادة، فهو من أسَّس الحق، وأعلنه بصفة عامة في الخليقة، وبصفة خاصة في كلمته (مزمور 19). 

كتب الرسول يوحنا يقول: "إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ" (1يوحنا 1: 5). يعبِّر هذا "النور" عن السمات الأخلاقية مِن صدقٍ، واستقامةٍ، وبرٍّ. فالله ليس فقط الإله الحي والحقيقي، على عكس كلِّ الآلهة الزائفة في هذا العالم، لكنه أيضًا يَعلَم كلَّ شيء على حقيقته. بتعبير آخر، ليس الله مُضَلَّلًا أو متحيِّرًا، لكنه بالأحرى يتمتع بمعرفة دقيقة وتامة بكلِّ شيء.

ويدعونا إله الحق هذا إلى أن نحبَّ الحق، ونسرَّ به، ونقوله، ونسلكَ بحسبه. فإذا أرادت الكنيسة أن تكون "عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" (1تيموثاوس 3: 15)، نكون نحن المؤمنون بحاجة إذن إلى معرفة الحق، وإلى التمتُّع بالشجاعة الأخلاقية المتمثِّلة في دعم الحق في وسط عالَمٍ من الأكاذيب.

أُغوِي أبوانا الأوَّلان بكذبة الشيطان، الذي هو "أَبُو الْكَذَّابِ" (يوحنا 8: 44). ولذلك، لا عجب أن يؤكد الله في كلمته اهتمامه بالحق. كتب مارتن لوثر في ترنيمته الشهيرة بعنوان "إلهنا حصن حصين" (A Mighty Fortress is Our God) يقول:

قد يمضي الأخيارُ والأهلُ 

وتلك الحياة الفانية أيضًا

وقد يقتلون الجسد 

لكن يظلُّ حق الله ثابتًا 

وملكوته يدوم إلى الأبد

ففي حين يحاول الشيطان القضاء على الحق الإلهي، ويسعى العالَم إلى التقويض من هذا الحق، أُعلِن غضب إلهنا القدوس وكلىِّ السيادة على إثم الناس "الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ"، والذين "اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ" (رومية 1: 18، 25). ومع ذلك، فإن حق الله سيثبت، وملكوته يدوم إلى الأبد.  

الوصية التاسعة 

تبيِّن لنا الوصايا العشر كيف يجب أن نحبَّ الله (الوصايا 1-4)، والقريب (الوصايا 5-10). وبالإضافة إلى المنِّ وعصا هارون، وُضِعت الوصايا العشر داخل تابوت العهد، الأمر الذي يكشف عن أهميتها في حياة شعب إسرائيل وهويتهم. كذلك، أصبحت هذه الوصايا العشر أساس كلِّ شرائع الله ووصاياه الأخرى، لأنها تعرض لنا صورة للحياة التي تُرضي الله. 

أعطى الله الوصايا العشر في سياق العهد الذي قطعه مع شعبه في سيناء. كان الله قد عمل خلاصًا لأجل شعب إسرائيل، مؤكِّدًا لهم المكانة التي صاروا يحتلُّونها بصفتهم شعبه: "أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ" (خروج 20: 2؛ انظر تثنية 5: 6). ومن ثَمَّ، فإن خلاص الله وفداءه هو الخلفية التي تكمن وراء قضاء الله وشريعته. فقد كانوا هم شعبه، وهو كان إلههم. 

تعلِّمنا الوصية التاسعة أهمية الحق: "لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ" (خروج 20: 16). وتمثِّل بيئة المحاكمة القضائية خلفية هذه الوصية، حيث كان من شأن شهادة زور أن تؤدِّي إلى وقوع عقاب صارم على قريب المرء. كان للشهود أهمية كبيرة في العالم القديم. يقول تثنية 17: 6، "عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يُقْتَلُ الَّذِي يُقْتَلُ. لاَ يُقْتَلْ عَلَى فَمِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ". وبالتالي، فإن الشهادة الزور يُمكن أن تتسبَّب في وقوع ظلم كبير على طرفٍ بريء. لكن، تنطوي الوصية التاسعة على ما يتعدَّى كثيرًا هذا التطبيق الخاص.

الواجبات المطلوبة والخطايا المحظورة

يُخصِّص دليل وستمنستر الموسَّع لتعليم الإيمان عن طريق السؤال والجواب ثلاث أسئلة عن الوصية التاسعة (الأسئلة 143-145)، مقدِّمًا محتوى الوصية، بالإضافة إلى "الواجبات المطلوبة" (الشق الإيجابي) و"الخطايا المحظورة" (الشق السلبي) في تلك الوصية.

من الناحية الإيجابية، عَلَّم علماء لاهوت وستمنستر بأننا ينبغي أن نؤيِّد الصدق بين إنسان وآخر، ونحافظ على صيتنا وصيت قريبنا أيضًا. فعلينا أن نقف بجانب الحق، ونتكلَّم بالصدق، ونفكِّر ونفعل كلَّ ما هو حق، وعادل، ومُسِرٌّ، وصيته حسن (فيلبى 4: 8). أما من الناحية السلبية، فقد عَلَّم علماء لاهوت وستمنستر بأننا ينبغي ألا نذعن لأيِّ إضرار بالحق، أو أي إضرار بصيتنا وصيت قريبنا أيضًا. فعلينا ألا نقدِّم أدلة كاذبة، أو نصدر حكمًا ظالمًا، أو نخفي الحقيقة، أو نظل صامتين بينما يجب أن نقول الحق، أو نقول الحق في غير أوانه، أو بمكرٍ، أو بطريقةٍ تحرِّفه إلى معنى خاطئ. علاوة على ذلك، ينبغي ألا نستسلم للكذب، أو الافتراء، أو النميمة، أو الاستهزاء، أو السب، أو نشر شائعات كاذبة، وغيرها من خطايا الكذب. وعليه، ينبغي أن نقدِّر قريبنا، ونفترض حسن نيته، ما لم يكن هناك دليل واضح على عكس ذلك، ولا نُبالي بالشائعات.  

في حين يقول نص الوصية التاسعة فقط أننا يجب ألا نشهد شهادة زور، تعبِّر هذه الوصية عن الأهمية العامة التي يوليها الله للحق، مثلما رأينا في تطبيق مجمع وستمنستر لهذه الوصية. فالحُجة هنا تنتقل من الأعظم إلى الأدنى: فإذا كانت الشهادة الزور ضد قريبنا - التي قد تؤدي إلى موته (الأعظم) - محظورة، فمن المؤكد إذن أن كلَّ أشكال الكذب الأخرى محظورة بالمثل (الأدنى). 

في شرح يوهانس فوس (Johannes Vos) لدليل وستمنستر الموسَّع لتعليم الإيمان عن طريق السؤال والجواب، قال: "إن النطاق العام للوصية التاسعة يتعلَّق بقدسيَّة الحق والصدق في المجتمع البشري، وبوجوب حفاظ المرء على صيته وصيت قريبه". ولأن الحق صفةٌ من صفات الله، ولأننا مخلوقون على صورة الله، فعلينا إذن أن ندعم الحق، وندافع عنه، ونؤيِّده في حياتنا، وبيوتنا، وكنائسنا، ومجتمعنا.

ثلاث طرق للسلوك بالحق

في ضوء حقيقة أن الله هو إله الحق، وفي ضوء اهتمامه بالحق - تلك الحقيقة التي نراها بصفة خاصة في الوصية التاسعة - هل يمكنك أن تذكر بعض الطرق العملية التي يُمكننا من خلالها أن نسلك بموجب هذا الحق في حياتنا اليومية. اسمحوا لي أن أقدِّم فيما يلي ثلاث طرق. 

أولًا، اجتهد أن تحفظ نفسك من خطايا اللسان. قال يعقوب إن "اللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ" (يعقوب 3: 6)، ثم واصل التوسُّع في هذا التشبيه، مبيِّنًا مدى سرعة انتشار النار. علينا أن ننتبه إلى تحذيرات الكتاب المقدس القائلة: "شَاهِدُ الزُّورِ لاَ يَتَبَرَّأُ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالأَكَاذِيبِ يَهْلِكُ" (أمثال 19: 9). لدينا، بالطبيعة، تحيُّز ضد الحق؛ ولذلك، يجب أن نكون يقظين للطرق التي نواصل بها تحريف الحق. فالكلام الكاذب - مثل خطايا النميمة، والافتراء، والكذب، وشهادة الزور، وما إلى ذلك - يجب ألا يكون له مكان على شفاهنا، لأن تلك الأمور ليست فقط تُحزن قلب إله الحق، بل يُمكنها أيضًا بسهولة أن تنتشر وتسبِّب ضررًا كبيرًا لقريبنا. وفي المقابل، علينا أن نكون "صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ ("نتكلَّم بالصدق في المحبة")" (أفسس 4: 15)، وأن نحافظ على صيت قريبنا. 

ثانيًا، لأن الله كلىُّ السيادة، ولأنه أيضًا مصدر كلِّ حقٍّ، نستطيع أن نضع ثقتنا فيه وفي كلمته. فهو جدير بالثقة، ووعوده لا يُمكن أن تخيب. وتمدُّنا عصمة كلمته، وخلوُّها من الخطأ، وصدقها بأساس متين يمكن أن نبني عليه فلسفة حياتية سليمة ومتسقة وثابتة، تمدُّنا بالرجاء والثقة فيما نعيش في عالم غير مستقرٍّ. صلَّى يسوع لأجل تلاميذه قائلًا: "قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَق" (يوحنا 17: 17). وذكَّر الرسول بولس مؤمني أفسس بأنهم خُتِموا بالروح القدس عندما سمعوا "كَلِمَةَ الْحَقِّ" وآمنوا بها (أفسس 1: 13). وإننا مدعوون إلى أن نضع ثقتنا في الإله الحي والحقيقي "الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ" (تيطس 1: 2). وإن حقيقة أن إلهنا كلىُّ السيادة هو مصدر كلِّ حق تهب أرواحنا المنهكة والشاردة راحةً. 

ثالثًا، ادرس الحق واعرفه. "وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يوحنا 8: 32). يتجسَّد الحق في شخص يسوع المسيح، الذي هو "الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يوحنا 14: 6). وهو يُدعَى "النُّورُ الْحَقِيقِيُّ" (يوحنا 1: 9)، و"الْخُبْزَ الْحَقِيقِيَّ" (يوحنا 6: 32)، و"الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ" (يوحنا 15: 1). والمسيح، الذي يتجسَّد فيه الحق، نزف ومات حتى يتسنَّى لنا نوال الغفران عن كلِّ شهادة باطلة قدمناها، وعن خطايا اللسان. ومن ثَمَّ، علينا أن ننمي معرفة أعمق بيسوع وبحقِّه، أي أن نلهج في هذا الحق نهارًا وليلًا، ونخبِّئه في قلوبنا لكيلا نخطئ إليه، وننتفع منه عن طريق الوعظ المنتظم بكلمة الله. "لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً" (كولوسى 3: 16). 

قال يسوع إنه جاء إلى العالم "لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ" (يوحنا 18: 37)، وقد رفضه هذا العالم وازدرى به، أما خرافه، فتعرف صوت راعيها الصالح وتتبعه، وهو يعطيها حياة أبدية، ولن يخطفها أحدٌ من يده. هكذا نحن أيضًا شهودٌ للحق في عالم بحاجة ماسة إلى المخلِّص، وإلى أن يقوده صوت الراعي إلى مراعي نعمته المُغيِّرة. ليتنا نحبُّ الحق الإلهي، ونتكلَّم به، ونسلك بموجبه، حتى نمجِّد الله، ونستمتع به إلى الأبد.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

برايان كوسبي
برايان كوسبي
د. برايان كوسبي هو كبير رعاة كنيسة وايسايد المشيخية بمدينة سيجنال ماونتن، ولاية تينيسي. وهو أستاذ مساعد لمقرَّر علم اللاهوت التاريخي بكلية اللاهوت المُصلَحة بولاية أتلانتا. كما أنه مؤلف للعديد من الكتب، ومنها كتاب Uncensored: Daring to Embrace the Entire Bible وكتاب A Christian’s Pocket Guide to Suffering.