صورة الله
۲۱ سبتمبر ۲۰۲۰بيوت محطمة في الكتاب المقدس
۲ أكتوبر ۲۰۲۰الله الذي ينبغي أن نخافه
في شهر أغسطس عام 2017، ولأول مرة منذ عام 1979، واجهت أمريكا الشماليَّة وأجزاء أخرى من العالم كُسُوف كلي للشمس. يمكن لعدد محدود من الناس مشاهدة هذه الظاهرة في شكلها الكامل اعتمادًا على موقعهم الجغرافي. كما تم الإعلان عن حدوث هذه الظاهرة في التلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام الأخرى، وتوقَّعها الملايين، لدرجة أن البعض سافر آلاف الأميال لمجرَّد الحصول على عرض "كامل" لهذا الحدث النادر.
من الأشياء التي تم التأكيد عليها مرارًا وتكرارًا مع توقُّع حدوث كُسُوف الشمس هو الضرر الذي يمكن أن يحدث إذا تعرَّضت العين البشريَّة بشكل مباشر ولفترة طويلة لمثل هذه الظاهرة. لكن لماذا يضر كُسُوف الشمس بالعين؟ ندرك جميعًا الآثار الضارة للتحديق في الشمس عندما تكون مشرقة ومكتملة. ولكن ما الضرر من التحديق عندما تكون آثارها محجوبة، لدرجة الإظلام التام؟
عندما ننظر إلى الشمس في اكتمالها، فإن أعيننا تحدق بشكل طبيعي وننظر بعيدًا على الفور تقريبًا بسبب سطوعها. في الكُسُوف، يتم تغطية هذا السطوع للحظات، لكن المشكلة تكمن في أن الأشعة فوق البنفسجيَّة التي يمكن أن تلحق الضرر بأعيننا لا تتضاءل في حالة الكُسُوف. ولا يجب أن نحدق أعيننا أثناء الكُسُوف، حيث يمكن لهذه الأشعة أن تتدفَّق وبالتالي تُحدث ضررًا أكثر مما يحدث إذا أجبرنا ضوء الشمس الكامل على عدم التحديق والنظر بعيدًا. بعبارةٍ أخرى، فإن الكُسُوف، على الرغم من أنه يُغطِّي بريق الشمس واللمعان الطاغي، إلا إنه لا يُقلِّل أو يخفي قدرة الشمس على إلحاق الضرر بنا. فسواء كانت في "حالة الكُسُوف" أم لا، فهي نفس الشمس، ولها نفس القوة.
هناك تبادل رائع بين الله وموسى في خروج 33 و34. عندما أمر الرب موسى بقيادة شعبه إلى أرض الموعد، نزل في سحابة إلى خيمة الاجتماع وتحدَّث موسى مع الرب هناك "وَجْهًا لِوَجْهٍ" (خروج 33: 11). أخبر الله موسى أنه وجد نعمة في عينيه وأنه يعرف موسى بالاسم (33: 17). من الواضح أن هذا تأكيد على الشركة الوثيقة التي تمتَّع بها موسى مع الله بفضل نعمة الله المُعطاة لموسى. فالكلمات التي يستخدمها الرب تُعبِّر عن العلاقة الحميمة. إنه التزام الله الذي لا يتزعزع بعبده المُختار موسى. لقد تأثَّر موسى بتأكيد الله على هذه العلاقة لدرجة أنه، على ما يبدو أنه اندفاع، قال للرب: "أَرِنِي مَجْدَكَ" (33: 18).
لماذا طلب موسى هذا الأمر؟ ماذا يطلب من الله بالضبط؟
إن دافع موسى ليس موضع شك هنا. ما كان يُفكِّر فيه هو شيء من هذا القبيل: "يا رب، إن كنتُ قد وجدتُ نعمة في عينيك حقًا، وإن كنتَ تعرفني حقًا بالاسم، فقم بزيادة الشركة التي بيننا عن طريق إظهار كامل لشخصك المجيد. أريد أن أرى مجدك في كمال إعلانه". ما أراده موسى هو التجلِّي الكامل لكل ما رآه حتى هذه اللحظة.
لقد رأى موسى بالفعل مجد الله الخارجي. لقد رآه نازلًا في السحابة (خروج 16: 10). وكان قد رآه على جبل سيناء (خروج 24: 16). كما رآه في وجه الله نفسه (خروج 33: 11). لكن كل هذه "المشاهدات" لمجد الله كانت مثل كُسُوف الشمس، تخفي ملء مجد الله. لقد كانت تجليَّات حقيقيَّة ومهيبة لطبيعة الله، لكنها لم تكن تجليِّات لمجد الله في ملئه، لأنها لا يمكن أن تكون هكذا.
عرف الرب أن طلب موسى كان مستحيل التنفيذ. لم ينتهر موسى على طلبه، لكنه أوضح له ما سيحدث إذا فعل ما طلبه موسى: قال لموسى: "لو رأيت مجدي، يا موسى، ستموت على الفور!" تُقدِّم لنا هذه العبارة التي قالها الرب لموسى دليلًا عن سبب مخافتنا لله، علينا أن نخاف الله لأننا نفهم أن رؤية مجده تعني موتًا أكيدًا.
لكن لماذا رؤية مجد الله تعني الموت لنا؟ ماذا يوجد في ملء مجد الله يؤدِّى إلى هلاكنا؟ إنه ببساطة هذا: إن مجد الله في أكمل صوره هو كمال طبيعة الله. ومعاينة كل كمال طبيعة الله سوف يقحمنا لدرجة الموت.
على سبيل المثال، ملء مجد الله هذا هو عدم محدوديَّة الله. فلا يمكن قياس الله بأي شكلٍ من الأشكال لأنه لا حدود له. لا يمكننا أن نتخيَّل في أذهاننا ما هو غير محدود، ناهيك من رؤيته بأعيننا البشريَّة. يجب أن تثير عدم محدوديَّة الله الرهبة والتساؤل والخوف فينا لأنها غريبة تمامًا على كل ما نحن عليه كمخلوقات. ينطبق الشيء نفسه على سرمديَّة الله. تعنى الحياة الأبديَّة للمؤمن أن حياتنا في المسيح لن تنتهي أبدًا، لكن سرمديَّة الله ليست كذلك. إن سرمديَّة الله تعني أنه حي دائمًا، لكن دون أن تخضع حياته لمضي الوقت. فالله، وهو وحده، قائم بذاته. كما هو الحال مع عدم المحدوديَّة، إذا حاولنا تصوير السرمديَّة في أذهاننا، فإننا سنفشل. يدفعنا مجده السرمدي إلى تسبيحه، ويدفعنا إلى مخافته لأنه يتخطى تمامًا وجودنا المحدود كمخلوقات.
عندما يقول الكتاب المُقدَّس إن الله يسكن في "نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ" (1 تيموثاوس 6: 16)، فهذا يعني أن صفات الله من عدم المحدوديَّة، والقوة، والسرمديَّة... إلخ تتجاوز قدرة المخلوق على استيعابها. لا يمكننا الاقتراب من نور شخصه المجيد لأنه غير محدود ويتجاوز أي شيء نحن نكونه أو سنكون عليه أبدًا. ونخافه لنفس السبب الذي من أجله نحمده. إننا نخافه بسبب طبيعته في عظمته وقدرته السرمديَّة وغير المحدودة.
إن ملء مجد الله هو ملكه وحده، وهو أمام عينه وحده. لا يمكن أن يراه الإنسان الفاني. هذا المجد عظيم ومهيب ومتعالي لدرجة أنه إن تم الإعلان عنه لنا في كماله فإنه سيقضي في الحال على وجودنا المحدود كمخلوقات.
كيف يمكننا إذن أن نعرف الله إن كان لا يمكننا رؤية ملء شخصه ومجده؟ نحن نعرف الله بالطريقة التي عرف بها موسى الله. نحن نعرف الله حين يعلن لنا عن هذا المجد، على مستوانا، وبطريقة لا تربكنا وتقضى علينا. نحن نعرف الله لأنه، كما يذكِّرنا كالفن، قد "تنازل" الله إلى مستوانا ليجعل نفسه معروفًا لنا. لقد "تنازل" الله إلى طلب موسى بالسماح له برؤيته من الخلف (خروج 33: 23). لقد "تنازل" الله في العهد القديم حين كلَّم آبائنا بالأنبياء، بأنواع وطرق كثيرة. وفي ذروة الأمر، "تنازل" الله عندما كلَّمنا في ابنه، الذي يشبهنا، حتى وهو بهاء مجد الله ورسم جوهره (عبرانيين 1: 1-3).
ولكن هنا تكمن "المشكلة" بالنسبة للكثيرين. إن "تنازل" الله —وهو ما نسميه في اللاهوت تنازل الله في العهد—يمكن أحيانًا أن يدفعنا إلى التفكير في أن الله مثلنا تمامًا. للأسف، أصبحت هذه طريقة تفكير الكثيرين في إسرائيل (مزمور 50: 21). لأن الله يمنحنا نعمته المجيدة من خلال النزول إلى مستوانا، فقد نبدأ في إقناع أنفسنا بأن إعلان الله المتنازل لنا هو كل ما هو في طبيعة الله. وقد نعتقد أنه ليس من مشكلة بالنسبة لنا أن نرى كمال مجد الله وشخصه. وقد نخدع أنفسنا في التفكير بأن النور الذي لا يُدنى منه يمكن في الواقع أن نراه ونستوعبه جميعًا. وفي النهاية، قد نسلك كما لو أنه لا يجب أن نخاف الله.
ولكن كما هو الحال مع الكُسُوف الكلي، فإن هذا "الحجب" لملء شخص الله غير المحدود والسرمدي في تنازله الإلهي إلينا لا يُقلِّل بأي حال من قوة تلك الشخصيَّة. على الرغم من أن الله يحجب ملء مجده بلطف في إعلانه لنا، فهو دائمًا وأبدًا الإله الذي يمكن لشخصه أن يقضي علينا في لمح البصر. هذا جزء لا يتجزَّأ مما يعنيه أن يكون الله هو الله. لا ينبغي أبدًا أن يجعلنا "كُسُوف" مجد الله في الإعلان المتنازل لذلك المجد نعتقد أننا قادرون على رؤية الله في ملئه. نحن نرى الله فقط لأنه قد تنازل إلى مستوانا. ولكن حتى مع تنازله، فإنه يستمر في السكن في نور لا يُدنى منه. إن نور مجد الله الذي لا يُدنى منه على الرغم من "كُسُوفه" في إعلانه، فهو حاضر دائمًا في ذلك الإعلان وقوته لا تتضاءل أبدًا. يجب أن يجعلنا هذا النور —البهاء الكامل لمجده— دائمًا نخافه بحق.
لا يحتاج المؤمنون أن يخافوا الله لأنهم يخشون العقاب الأبدي؛ لقد أزال المسيح هذا الخوف. لا نحتاج أن نخاف الله لأننا نخشى أن يتراجع عن وعوده، أو أنه في النهاية لن يقبلنا. يخاف المؤمنون الله، في المقام الأول، لأننا ندرك أن بهاء شخصه غير المحدود والسرمدي والمهيب يمكن ببساطة، من خلال جلاله، أن يخرجنا من الوجود. نخاف الله لأننا نعلم أنه إذا رأيناه في ملء مجده، فلن يكون لنا وجود بعد ذلك. لذلك نقترب منه بوقار ورهبة لأننا نعلم أن مثل هذا الاقتراب "بخوف" يعترف بالشخص الذي في تنازله قد أُعلن لنا، ولكنه أيضًا يستمر بشكل غير محدود وسرمدي ودون تغيير في إشراق ساطع لا يمكن لأي إنسان أن يتحمَّله. يجب أن نخاف الله لشخصه من ملء كيانه المهيب.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.