الفردوس المخلوق
۱۸ سبتمبر ۲۰۲۰الله الذي ينبغي أن نخافه
۲۹ سبتمبر ۲۰۲۰صورة الله
الأصحاح الافتتاحي من كتابنا المقدس هو قصة مثيرة عن الخلق والتشكيل، ووضع الأساس لكل ما يلي. نقرأ إنه "فِي الْبَدْءِ" كان وطننا في الكون، أي الأرض، خربًا وخاليًا، مُغطَّى بالماء ومُغلَّف بالظلام، بينما كان روح الله يرف فوق المياه (الآية 2). مع حلول أيام الخلق، أعطى الله شكلًا للأرض وملأها. وفصل بين النهار والليل، والمياه من فوق والمياه من أسفل، واليابسة والمياه من أسفل. ملأ الله هذه العوالم بوضع أنوار في السماء لفصل النهار عن الليل، وخلق كائنات حيَّة تسبح في المياه من أسفل وطيور تطير في السماء من فوق، وجلب من الأرض كائنات حيَّة على اليابسة. أخيرًا، توَّج الله العمل بخلق نوعًا آخر من الكائنات الحيَّة، خلق الله الإنسان.
من الواضح أن تركيز الأحداث يقع على هذا المخلوق. لم يكن هذا هو الفعل الأخير من عمليَّة الخلق فحسب، بل تركَّزت عليه ربع القصة بالكامل. أمامنا هنا شيء مميَّز ومهم للغاية.
يُقسَّم الأصحاح كل الكائنات إلى فئتين أساسيتَّين: الخالق والمخلوق. يقف الله وحده رب الجميع غير المخلوق، صانع السماوات والأرض. كل شيء آخر مخلوق، وبالتالي محدود، ومؤقَّت، واعتمادي، ومُتغيِّر. بعض مخلوقات كائنات حيَّة (نباتات وحيوانات). وبعضها فيه نسمة الحياة (الآية 30). من بين هذه المجموعة هو الإنسان. مثل أعضاء المجموعة الآخرين، خُلقَ الإنسان ذكرًا وأنثى، ودُعي أن يكون مثمرًا، وأن يتكاثر، ويملأ الأرض (الآيات 22، 28). يمكن ملاحظة أوجه تشابه أخرى (الشعر الذي يُغطِّي الجلد، وتلد الإناث صغارها وترضعهم... إلخ). ولكن مع كل أوجه التشابه التي يمكن ملاحظتها، هناك شيء ما عن الإنسان يجعله مُتميِّزًا تمامًا عن جميع المخلوقات الأخرى.
تم ذكر الكائنات الحيَّة لأول مرة مع النباتات التي جعلها الله تنبت على اليابسة (الآية 11). ثم جاءت المخلوقات التي تعيش في البحار والطيور التي تطير في الهواء (الآية 20)، والبهائم والزحافات ووحوش الأرض (الآية 24).
وكلها مصنوعة كأجناسها. تتكرَّر هذه العبارة عشر مرات وتترك بصمة قوية على الأحداث. تشير إلى أنه في حين أن هناك تنوُّعًا كبيرًا بين جميع الكائنات الحيَّة، إلا أن هناك مجموعات لديها سمات مشتركة، وتشِّكل "عائلات" من الأشياء، كما هو الحال في التمييز الحديث بين الأجناس والأنواع. لكن الغرض الرئيسي من هذه العبارة ليس تعريفنا بالتصنيف العلمي؛ بل توضيح الخلفيَّة اللازمة لمقارنة البشر مع جميع الكائنات الحيَّة الأخرى.
عندما خلق الله الإنسان، كسر النمط الموجود في خلق الكائنات الحيَّة وفقًا لأجناسها. إن ذِكر هذا النمط عشرة مرات يجعلنا نتوقَّع ظهوره مع ظهور كل كائن حي جديد، ولكن حدث شيء مختلف تمامًا عندما خُلق الإنسان. لم يُخلق "كجنسه". كما لم يُخلق الإنسان وفقًا لأي نوع آخر بين الكائنات الحيَّة. فالإنسان لا ينتمي بالتالي إلى أجناسها، مهما كانت أوجه التشابه بينه وبين المخلوقات الأخرى. ويمكننا القول بلغة علميَّة حديثة، إن الإنسان ليس نوعًا معينًا ضمن جنس معين من الكائنات الحيَّة. فالإنسان لا يشبه أي كائن حي آخر (الآية 26). ما يُثير الدهشة هو أن الإنسان خُلق وفقًا "لطبيعة" أو "نوع" الله، فهو مخلوق على صورة الله (imago Dei). فالإنسان، مثل الله، هو كائن شخصي. الله نفسه، كما يوضِّح الكتاب المقدس لاحقًا، هو ثلاثة أشخاص أو أقانيم يشتركون جميعًا في جوهر إلهي واحد. فالبشر مخلوقات، وفي هذا الصدد (كما في غيرهم) متشابهون مع الكائنات المخلوقة الأخرى ويشتركون معها في الخصائص. لكن الشيء المهم عن البشر هو أنهم على شبه الله. هذا الشبه خاص جدًا لدرجة أنه يميِّزهم عن جميع المخلوقات الأخرى التي صنعها الله. فالإنسان لم يُخلق وفقًا لجنسه؛ بل مخلوق بحسب "طبيعة" أو "نوع" الله. بعبارة أخرى، خُلق الإنسان على صورة الله كشبهه.
لأن الإنسان على صورة الله، فقد مُنح قدرًا من السيادة على كل الأرض، بالتسلُّط على سمك البحر، وطيور السماء، والبهائم، وكل حيوان يدبُّ على الأرض (الآية 28). كما أنه مُكلَّف بإخضاع الأرض (الآية 28). تشير الكلمات إلى الحكم، بل إلى موقف انتصاري، كما يوضح مزمور 8 (الآيات 5-8). جُعل كل شيء تحت قدمي الإنسان، ولكن الطغيان والاستغلال ليس لهما مكان في المشهد. يوضِّح تكوين 2: 4–25 أن على الإنسان أن يحذو حذو الله في وكالته على الأرض. زرع الله جنة في عدن، ووضع الإنسان هناك ليعملها ويحافظها (2: 8، 15). ما بدأه الله، على الإنسان أن يحافظ عليه وينميه. دعا الله النور نهارًا والظلمة ليلًا؛ ودعا الجلد سماء والمياه بحار (1: 5، 8، 10). ثم طلب الله من الإنسان أن يسمِّي كل الكائنات الحيَّة التي صنعها (2: 19).
على الرغم من عدم استخدام مفردات الصورة والشبه، فإن تكوين 2 له طريقته الخاصة في التأكيد على تفرُّد البشر بين جميع الكائنات الحيَّة. عندما جبل الله الإنسان من التراب ووضعه في جنة عدن، أعلن أنه ليس جيِّدًا أن يكون الرجل وحده. لذلك، قرَّر الله أن يخلق له معينًا نظيره (2: 18). بعد هذا الإعلان، أتى الله بجميع الحيوانات التي صنعها إلى الرجل، من أجل تسميتها. لكن لماذا هذا العرض من الحيوانات أمام الرجل؟ لماذا لم يخلق الله المرأة على الفور؟ ما يبدو وكأنه مقاطعة في سرد القصة هو في الواقع الدافع الذي يحرِّك أحداث القصة: "وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ" (الآية 20).
النقطة الأساسيَّة هي أن البشر لا ينتمون حقًا إلى الحيوانات، مهما كانت الخصائص التي قد يتشاركونها معهم. لم يكن هناك بين جميع الحيوانات مُعين نظير آدم، مخلوق من نفس جنسه، يمكنه أن يتمِّم معه دعوة الله له. وهكذا، خلق الله المرأة، التي هي عظم من عظامه ولحم من لحمه (الآية 23). مثل آدم، خُلقت على صورة الله كشبهه (1: 28). كان عليهم أن يعملوا معًا في تحقيق عمل الله لكي يثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض ويُخضعوها. خلق الله أول ذكر وأنثى، ولكن جميع البشر الآخرين سوف يأتوا إلى الوجود من خلالهم. ما فعله الله، على الرجل والمرأة الآن أن يتمِّموه، إذ خُلقا على صورة الله كشبهه.
ومن المفجع أن الرجل والمرأة ابتعدا عن الله ووقعا في الخطيَّة، سعيًا إلى أن يُصبحا أكثر شبهًا بالله (3: 5)؛ ليميِّزوا بأنفسهم بين الخير والشر. فتشوَّهت صورة الله. على الرغم من أن الله صَنَعَ الإنسان مُسْتَقِيمًا، أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا اخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً (جامعة 7: 29). ونسلهم حمل أيضًا هذه الصورة المُشوَّهة (رومية 5: 12-21).
ومع ذلك فإن صورة الله لم تُفقد بالكامل، وما تبقَّى لا يزال كافيًا للحفاظ على قدسيَّة الحياة البشريَّة التي ترتكز على صورة الله. كما يوضِّح تكوين 9: 6 أن قتل الإنسان البريء هو اعتداء على صورة الله، لذلك يجب أن يُعاقب القاتل بالموت. على الإنسان باعتباره صورة الله أن يكون واهبًا للحياة، وليس آخذًا للحياة البريئة. عندما نصبح قتلة، فإننا نتعارض مع هدفنا في الحياة ونفقد الحماية الإلهيَّة التي عادةً ما تشملنا. إن حياتنا مميَّزة جدًا بالنسبة إلى الله لدرجة أنه حتى الحيوان يُقتل إذا أودى بحياة إنسان (تكوين 9: 5؛ خروج 21: 28-32).
علاوة على ذلك، كما يجب أن نحترم الله ونباركه بكلماتنا، فلا يجب أن نلعن أولئك الذين خُلقوا على شبهه (يعقوب 3: 9). ترتكز كل الأخلاق الإنسانيَّة على صورة الله. يجب أن يحب الأزواج زوجاتهم كما أحب المسيح الكنيسة (أفسس 5: 25-27). يجب على الآباء أن يؤدِّبوا أولادهم ويعلِّموهم كما يفعل الرب مع أولاده (6: 4). إن محبة الأم المعزية هي صورة وشبه محبة الله المعزية (إشعياء 66: 13). يجب أن يعكس سادة الأرض العدل والإنصاف الموجودين في السيد السماوي (أفسس 6: 9؛ كولوسي 4: 1). على الرغم من أن الخطيَّة قد شوَّهت صورة الله فينا إلى حدٍ كبير، إلا أنه بنعمة الله في المسيح تتجدَّد تلك الصورة (أفسس 4: 24؛ كولوسي 3: 10). حين نسلك بهذه النعمة، يرى الناس أعمالنا الصالحة ويمجِّدوا أبانا الذي في السماوات (متى 5: 16). عندما يكتمل خلاصنا، سنعيش إلى الأبد في محضر الله مكتسين بمجده (رؤيا 21-22)، حيث سنصبح حقًا شعبه من "طبيعته" أو "نوعه". شكرًا لله.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.