الفردوس المفقود
۱۷ سبتمبر ۲۰۲۰صورة الله
۲۱ سبتمبر ۲۰۲۰الفردوس المخلوق
حتى الأشخاص الذين ليسوا على دراية بالكتاب المُقدَّس سمعوا عن آدم وحواء. ربما رأوا لوحة مايكل أنجلو بعنوان "خلق آدم" أو قرأوا كتاب جون ميلتون بعنوان "الفردوس المفقود". ومع ذلك، يعرف الكثيرون أيضًا أن آدم وحواء يلعبان دورًا مهمًّا في الأصحاحات الأولى من الكتاب المُقدَّس. يعرف البعض أيضًا أن الكتاب المُقدَّس يُعلِّم أن لآدم علاقة بالشر والشقاء الذي نختبرهما في العالم وفي أنفسنا كل يوم. ما الذي فعله آدم تحديدًا؟ كيف أثَّر فعله علينا وعلى حياتنا اليوميَّة؟ دعونا نتوجَّه إلى الكتاب المُقدَّس سعيًا لبعض الإجابات.
تخبرنا قصة الخلق في الكتاب المُقدَّس أنه بعد أن خلق الله الإنسان، أعلن أن كل ما صنعه في اليوم السادس هو "حَسَنٌ جِدًّا" (تكوين 1: 31). بعبارة أخرى، خلق الله آدم حسنًا وصالحًا. كما قال سليمان: "أَنَّ اللهَ صَنَعَ الإِنْسَانَ مُسْتَقِيمًا" (جامعة 7: 29). خلق الله آدم بارًا وبلا خطيَّة. في البداية، حفظ آدم ناموس الله المكتوب على قلبه بشكلٍ لا تشوبه شائبة (رومية 2: 14-15).
بعد أن خلق الله آدم، وضع الله آدم في جنة عدن وأقام معه ما يُسمَّى بعهد الأعمال أو عهد الحياة.
قبل أن ننظر عن كثبٍ إلى تكوين 2، دعونا نطرح سؤالًا أساسيًّا: ما هو العهد؟ جزء من صعوبة الإجابة على هذا السؤال هو أننا لا نرى العهود كثيرًا في المجتمع الحديث. ومع ذلك، فإنها موجودة. بعض الدول، على سبيل المثال، لديها ما يُسمَّى "عهد الزواج". تطلب بعض الأحياء من أصحاب المنازل التوقيع على "عهد" حتى يسكنوا في هذا الحي.
ما هو إذن العهد؟ ببساطة، العهد هو اتفاق رسمي بين طرفين أو أكثر. ينص هذا الاتفاق على شروط يتَّفق الأطراف على الوفاء بها. غالبًا ما تكون هذه الشروط مصحوبة ببركات موعودة (للتشجيع على الطاعة) وبتهديدٍ بالعقوبات، والتي تُسمَّى غالبًا "الروادع" (لإعاقة التعدَّي أو التجاوز).
هذا هو بالضبط ما نراه في تكوين 2. جاء الله إلى آدم وأوصاه قائلًا: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (تكوين 2: 16ب-17). طرفي هذا العهد هما الله وآدم. شرط العهد هو طاعة آدم المستمرة لناموس الله مقرونة بطاعته لهذه الوصيَّة الخاصة بعدم الأكل من ثمر شجرة معرفة الخير والشر. نتيجة العصيان هي الموت. لو أطاع آدم، يمكننا أن نستنبط أنه كان سيحصل على بركة "الحياة" المستمرة، والمُؤكَّدة، وغير المتقطِّعة —أي القداسة والشركة مع الله.
بالتالي، على الرغم من أن موسى لم يستخدم كلمة العهد في تكوين 2، إلا أنه يمكننا أن نستنتج بوضوح أن الله دخل في عهدٍ مع آدم في جنة عدن. وقد أطلق اللاهوتيُّون على هذا الاتفاق عهد الأعمال. وقد اسموه هكذا لأن نتيجة العهد كانت تتوقَّف على طاعة آدم أو عصيانه لوصايا الله.
نحتاج إلى إضافة توضيح هام للقول بأن الله وآدم كانا طرفي عهد الأعمال. إن آدم طرف في عهد الأعمال، ولكنه ليس كشخص منفرد. فهو شخص مُمثِّل أو نائب. بعبارة أخرى، لم تكن أفعاله تصرفاته فحسب، ولكنها أفعال نسله أيضًا.
وقد أوضح الرسول بولس هذه الفكرة في رومية 5: 12-20. مات نسل آدم لأن المُمثِّل عنهم، آدم، كسر عهد الأعمال بالخطيَّة. في الآية 12، نقرأ: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ". قصد بولس هنا "المَعْصِيَة الواحدة" "للإِنْسَانِ الْوَاحِدِ" (أي آدم، انظر الآيات 15-17). فكيف إذن "أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" بسبب الخطيَّة آدم الواحدة؟ لم يقل بولس إن نسل آدم قد تبعوا مثال آدم السيئ —مُقلِّدين خطيته وصائرين خطاة بهذه الطريقة (الآية 14). بدلًا من ذلك، يقول الرسول: "كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً" (الآية 19 أ). إن نسل آدم مسؤول عن خطية آدم مُمثِّلهم أو مذنب بسببها. إن ذنب خطية آدم الأولى انتقل أو "نُسب" إليهم. قد يسأل شخص ما: "هل هذا عدل؟" الإجابة هي: نعم. كان الله عادلًا في أن نسب خطية آدم إلى نسله لأن آدم كان المُمثِّل والنائب عنهم الذي عيَّنه الله.
يجب أن نلاحظ أنه عندما قال بولس: "أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" في آدم، فإنه لا يعني أن خطية آدم نُسبت إلى يسوع. لأن آدم لم يكن مُمثِّلًا عن يسوع. بل بالأحرى، فإن يسوع هو "آدم الثاني". إن يسوع، الذي حُبل به من الروح القدس ووُلد من عذراء، كان بلا خطيَّة.
إن كانت خطيَّة آدم الواحدة قد نُسبت إلى نسله، فماذا يعني هذا للبشر كأبناء وبنات آدم؟ يمكننا أن نشير إلى أربعة أشياء.
أولًا، يعني نسب خطيَّة آدم أن البشر مذنبون بخطيَّة آدم الأولى. "فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ [لآدم] صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ [في آدم] لِلدَّيْنُونَةِ" (الآية 18). أنت وأنا، منذ لحظة الحبل بنا، نقف مدانين بعدلٍ أمام الله.
ثانيًا، يعني نسب خطيَّة آدم أن البشر بطبيعتهم فاسدون أو خطاة. لأنهم مذنبون في آدم، فإنهم مُعاقبون بالفساد الطبيعي. إنهم يفتقرون إلى الصلاح الأخلاقي والروحي الذي خُلق عليه آدم. بالطبيعة، فإن إنساننا بأكمله مُستعبد للخطيَّة. نحن نخطئ ولا نستطيع أن نفعل شيئًا سوى الخطية —"لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ" (رومية 3: 10). علاوة على ذلك، تصل الخطيَّة إلى "أفكار القلب"— أعمق أعماق شخصنا. كما علَّم يسوع، تنبع الخطيَّة من قلوب شريرة (متى 7: 17-18؛ 15: 19). نحن لسنا خطاة لأننا نخطئ. نحن نخطئ لأننا بطبيعتنا خطاة.
للأسف، فإن هذه الحالة تنطبق علينا منذ لحظة الحبل بنا (مزمور 51: 5). كما كان يذكِّر الراحل الدكتور جون جرسينر (John H. Gerstner) مستمعيه كثيرًا، يخبرنا الكتاب المقدس أن الأطفال الرُضَّع يخرجون من الرحم مثل "الأفاعي الشريرة". إن ولادة طفل هي حقًا مناسبة للفرح والاحتفال. ولكنها أيضًا تذكير حزين بأننا ندخل العالم مذنبين وفاسدين بالفعل.
ثالثًا، يعني نسب خطيَّة آدم أن البشر غرباء عن الله وفي عداوة معه. قبل أن يُخطئ آدم، كان لنا شركة مع الله. نرى آدم يقف في محضر الله، حيث يتحدَّث الله معه (تكوين 2: 15-17). لكن بعد أن أخطأ آدم، حاول أن يختبئ من الله (3: 8). هذا صحيح بالنسبة لكل أبناء آدم الساقطين. على الرغم من أنهم يعرفون "أُمُورَهُ [الله] غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ... بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ"، إلا أنهم يحوُّلون أفكارهم وعبادتهم إلى أصنام ميتة بدلًا من الله الحي. لهذا يقول الكتاب المُقدَّس "لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ" (رومية 3: 11) و"اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ" (8: 7).
رابعًا، يعني نسب خطيَّة آدم أن البشر خاضعون للموت. فالموت في النهاية هو "أجرة" الخطية (6: 23). "اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (5: 12). إن الموت، والمرض، والإصابات اليوميَّة، هي تذكير قاتم بذنب الإنسان في آدم. علاوة على ذلك، فإن الموت الذي نختبره أنا وأنت في هذا العالم الساقط ليس نهاية القصة. يخبرنا الكتاب المُقدَّس أن "الْمَوْتُ الثَّانِي" (رؤيا 21: 8) ينتظر غير التائبين —عندما يُرسَل الخطاة إلى مكان العذاب والبؤس لكي يُعاقبوا إلى الأبد على خطاياهم.
ماذا يمكن لعهد الأعمال أن يقوله أيضًا للمؤمنين اليوم؟ أولًا، يوضِّح لنا تعليم الكتاب المقدس عن عهد الأعمال الحالة الروحيَّة الحقيقيَّة للإنسان. ليس لدى الخاطئ الذي لم يتجدَّد أي رغبة أو ميل للرجوع إلى الله. كم هو مهم بالنسبة لنا أن نتذكَّر هذا الأمر عندما نكرز لأصدقائنا وأقربائنا غير المؤمنين. قد نميل للاعتقاد بأن غير المؤمن لديه نزعة فطريَّة للتجاوب بشكل إيجابي مع الإنجيل. إن استخدمنا فقط الأساليب الصحيحة، وقلنا فقط الكلمات الصحيحة، ووضعنا أمامه أفضل الحوافز، فبالتأكيد سيأتي هذا الشخص إلى المسيح! ومع ذلك، يذكِّرنا عهد الأعمال بأن أفضل أعمالنا ونحن نشارك الإنجيل مع غير المؤمن يمكن أن تحقِّق نجاحًا روحيًّا فقط إن سُرَّ روح الله أولًا أن يفتح قلب الخاطئ، معطيًا حياة جديدة للميت.
ثانيًا، يُعلِّمنا عهد الأعمال أن الخلاص لا يكون إلا بنعمة الله وحدها. تعني الخطيَّة أننا مدينون لعدل الله. الله لا يدين لنا بشيء سوى غضبه الأبدي. إذا جاء الخلاص إلى الخاطئ، فلا بد أن يكون بالنعمة الإلهيَّة. يجب ألا نظن أبدًا أن الله قد خلَّصنا لأننا نستحق الخلاص بأي شكل من الأشكال.
أخيرًا، يُعلِّمنا عهد الأعمال أن الخلاص لا يمكن أن يأتي بعملٍ لأي ابن عادي أو ابنة عادية لآدم. الخبر السار في الكتاب المُقدَّس هو أن الخلاص قد تمَّ فقط من خلال عمل ابن الله الذي بلا خطيَّة، يسوع المسيح، آدم الأخير. يا لها من تعزية للمؤمن أن يعرف أن مكانته الأبديَّة تقوم على هذا الأساس الراسخ الذي لا يتزعزع. هذه الحقيقة هي ترنيمة السماء الآن (رؤية 5: 9). هل هي ترنيمتك أيضًا؟
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.