الهدف من صياغة اللاهوت - خدمات ليجونير
المسيح وحده
٤ نوفمبر ۲۰۱۹
لتصبحي امرأة حسب تيطس 2
٦ نوفمبر ۲۰۱۹
المسيح وحده
٤ نوفمبر ۲۰۱۹
لتصبحي امرأة حسب تيطس 2
٦ نوفمبر ۲۰۱۹

الهدف من صياغة اللاهوت

نعلم جميعًا أن علماء اللاهوت أتباع الفلسفة المدرسيَّة في العصور الوسطى كان لديهم اهتمام كبير بالملائكة. كم من الملائكة يستطيع الرقص على رأس دبوس؟ كان هذا تساؤلهم. ينظر المسيحيُّون المعاصرون إلى هذا السؤال على أنه تافه ومثير للسخرية، وبالتأكيد قد يبدو كذلك. ولكن ربما نعذر عالم اللاهوت في القرون الوسطى لسؤاله: "لماذا، إذن، يتعيَّن على المعاصرين أن يتخطوا الكثير من زينة وبطاقات الملائكة والشاروبيم في المتجر المسيحي المحلي من أجل العثور على كتاب عن الله السرمدي؟"

في الواقع، يحتوي هذا السؤال حول رؤوس الدبابيس والملائكة الراقصة على سلسلة كاملة من الأسئلة الأخرى: هل ترقص الملائكة، وإذا كان الأمر كذلك، لماذا؟ لأن الرقص (على الأقل في الكتاب المقدس) هو عادة علامة على الفرح. فلماذا هم سعداء جدًا هكذا؟ وماذا عن رأس الدبوس؟ نعم، هذا يطرح أسئلة مثيرة للاهتمام حول نوعيَّة تلك المخلوقات. هل يشغل الملائكة مساحة كما نشغل نحن؟ كيف يتحركون عبر الفضاء كما يبدو في الكتاب المقدس؟ لذلك، إذا كنَّا نؤمن حقًا بعالمٍ خارق للطبيعة، وإله لديه عدد لا يحصى من المخلوقات السماويَّة كخدامه — فإن هذه الأسئلة حول هذا الفرع السماوي لعائلة الله مثيرة للاهتمام بطبيعتها حتى لو كان الكتاب المقدس لا يقدِّم لنا كل الإجابات في إشاراته عن الملائكة التي تزيد عن ثلاثة مائة. فكّر في هذا وأنت تحاول تخطِّي بعض الزينة في المتجر: هل أصبحنا قصيري النظر في منظورنا للواقع بحيث لم يصبح لدينا أي اهتمام بالطريقة التي يحكم بها الله الكون؟

في الواقع، يعتقد علماء اللاهوت في القرون الوسطى أن الملائكة هم أيضًا لاهوتيُّون. فهناك ثيولوجيا أنجيلوروم (theologia angelorum)، أي "لاهوت الملائكة". فإن كنا "نصيغ اللاهوت"، لماذا لا تفعل الملائكة ذلك أيضًا؟ ربما هناك شيء يمكن أن نتعلَّمه منهم (فنحن نسبح بترنيمة "سبحي يا نفسي ملك السماء" التي تشمل على العدد القائل: "يا أيتها الملائكة ساعدينا أن نعبده"). لذلك، مع الاعتذار لسي. إس. لويس وورموود، تخيل طالبًا شابًا يكتب رسالة لعائلته من كلية غبرائيل للاهوت بعد أيامه القليلة الأولى كملاك جديد:

"قدَّم لنا الأستاذ ميخائيل الآن ثلاث محاضرات رائعة في موضوع "مدخل لللاهوت النظامي عن الملائكة" (Theologia Systematica Angelorum). ظننت أن ملاحظاتي التي دونتها ستثير اهتمامكم. فها هي ملاحظاتي:

نأتي إلى الموضوع الثالث. نعود مرة أخرى إلى الفيلسوف البشري أرسطو: يجب أن تكون الغاية النهائيَّة في الرأي هي أول شيء يتم التفكير فيه من أجل استخدام الوسائل التي ستؤدي إلى تلك الغاية. لذلك، ابدأ دائمًا من "النهاية".

اليوم: المحاضرة الثالثة. السؤال الثالث: ما هي غاية الإنسان العُظمى؟ بالرجوع إلى تقارير الملائكة عن محفل وستمنستر الأرضي في القرن السابع عشر: "غاية الإنسان العُظمى هي تمجيد الله، والتمتّع به إلى الأبد".

تتوفق هذه الإجابة مع موضوع الأمس: "ما هي غاية الملائكة العُظمى؟" الإجابة هي: "غاية الملائكة العُظمى هي تمجيد الله، والتمتّع به إلى الأبد".

وأسباب هذا مستمدة من (أ) شخصيَّة الله، (ب) طبيعة الخلق بشكلٍ عام، (ج) طبيعة ووظيفة الملائكة بشكلٍ خاص.

يؤهلنا هذا للنظر إلى غاية الملائكة العُظمى في بعدها الأرضي وعلاقتها بغاية الانسان العُظمى.

لكن الأستاذ ميخائيل يؤكد مرة أخرى: تذكر الاستنتاج الذي تم التوصُّل إليه في المحاضرة الأولى عندما طرحنا السؤال النهائي (أي السؤال اللاهوتي المعقد) — السؤال الجريء. "ما هي غاية الله العُظمى؟" والجواب؟ "غاية الله العُظمى هي تمجيد الله، والتمتّع بنفسه إلى الأبد."

ملحوظة: المجد والفرح الإلهي هو أساس الفرح البشري، والفرح الملائكي. فمركز ومصدر كلاهما هو أهيه العظيم، الآب، والابن، والروح القدس.

فاللاهوت الإنساني، واللاهوت الملائكي، واللاهوت الإلهي — الكل يدور حول "التمتع" الذي يأتي من مجد وتمجيد الله.

قارن الشاعر البشري تشارلز ويسلي (من القرن الثامن عشر البشري). نحن الملائكة يمكننا أيضا أن نرنم:

"فلتشترك الارض والسماء،

ويتفق الملائكة والبشر ".

قال الأستاذ ميخائيل أكثر من ذلك بكثير — ولكن يجب عليَّ أن أذهب الآن لتناول العشاء: الحلوى الليلة هي كعكة ملائكيَّة!

اتعلم الكثير! كل الحب لكم، الملاك سبتيموس (Septimus)".

بكل تأكيد ما رويته هو من نبع الخيال، لكنه يُساعد على توضيح الفكرة الأساسيَّة. إن اللاهوت هو نشاط مفرح ومجيد لأنه في نهاية المطاف يدور حول مجد إلهنا وفرحه. فغايته هو غاية الملائكة، وفي الواقع، غاية الله نفسه: هذا المزيج من تمجيد الله والتمتع به، الأمر الذي يُعتبر لغير المؤمنين تناقض مطلق ولكن بالنسبة للمؤمنين هو اكتشاف غايتنا.

إلى جانب الرب يسوع، لم يُجسِّد أحد ما يعنيه هذا بشكل كامل أكثر من الرسول بولس. يتضح أن رسائله الثلاثة عشر (التي يبلغ مجموعها سبعين صفحة فقط في الكتاب المقدس على مكتبي) أثقل مما يستطيع إنسان أن يحملها، فهي مكتظَّة باللاهوت بكل أشكاله. والأسلوب؟ المجد لله وحده (Soli Deo gloria).

أدعوك لتجلس لمدة ساعة مع فهرس الكتاب المقدس وابحث عن الآيات الموجودة في رسائل بولس التي تحتوي على الكلمتين "المجد" و "تمجيد". سوف تندهش للغاية. فمجد الله هو القطب المغناطيسي في فكر بولس. فقد رآه في وجه يسوع المسيح (2 كورنثوس 4: 6). ومَنْ رأوا هذا المجد لا يمكن أن يكتفوا أبدًا إلا إذا تذوَّقوا المزيد منه، وفكَّروا فيه بشكلٍ أكثر وضوحًا. مثل الشاب الذي رأى "المجد" في امرأة شابة (1 كورنثوس 11: 7)، ونحن نتوق إلى معرفة المزيد، والتأمُّل بمحبة، والوصف ببلاغة. إن اللاهوت هو ببساطة وصفًا عن الله، مدفوعًا بمجده.

تقدم لنا رسالة رومية 9-11 توضيحًا موسَّعًا. هل تتذكر إشارة الأستاذ ميخائيل إلى أرسطو؟ النهاية تشرح البداية. إن رومية 9-11 هي في الواقع مدفوعة من نهايتها: "لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (11: 36). ما الذي قاد بولس إلى هذا الاستنتاج؟ إن قراءة كلامه الذي يسبق هذا الاستنتاج، ورؤية كيف "يصيغ اللاهوت"، سوف تقودنا إلى بعض الإجابات.

نحن "نصيغ اللاهوت" بعين مهدَّفة ومركزة علي مجد الله لأنه هو أصل، وحاكم، ونهاية كل الأشياء (11: 36).

يتجلى هذا المجد، حتى لو لم يكن مفهومًا تمامًا، في غنى نعمته، وذكاء حكمته، وملء معرفته، وطبيعة أحكامه البعيدة عن الفحص، وطبيعة طرق عنايته البعيدة عن الاستقصاء (11: 33-35).  يشرب بولس بعمق، ولكن محيط الحق لا يزال غير منقوص.

بالعودة لكلام بولس، نكتشف الآن كيف دفعه فكره اللاهوتي إلى هذا الاستنتاج الشامل.

لقد تتبَّع بولس للتو طرق الرب (11: 1-32). تكشف تعاملات الله مع اليهود والأمم عن رحمته ودينونته؛ فسر قساوة شعب إسرائيل يدل على خطورة الخطية ضد النعمة؛ ويكشف ملء الأمم وخلاص "كل إسرائيل" عن وفرة محبته ويقين خطته. يصيغ بولس اللاهوت بطريقة تاريخ الفداء، واللاهوت الكتابي. ليس هنا المكان المناسب لتفسير معناه الدقيق ولكن ببساطة هو التفرُّس برهبة متواضعة في طرق الله.

ولكن، مع استمرار هذه الرحلة في الاتجاه المعاكس، نكتشف أن بولس يشرح طريق الخلاص في المسيح (10: 1-21). إن معجزة رسالة الإنجيل هي بساطتها، وقربها، وشموليتها (الآيات 13-16). يكسب الله غناه على كل من يدعو باسمه — بغض النظر عن عرقهم أو ماضيهم. ويكمن وراء كل هذا التأكيد على أنه على الرغم من أن مقاصد الله قد يبدو أنها قد أُحبطت بسبب عدم الايمان، إلا أن العكس هو في الواقع الحقيقة. فلا تفشل كلمته أبدًا (9: 6-33). بل يعمل الله بطريقة غامضة وسرية و "يخطو خطواته في البحر" حيث قد تختفي على الفور، لكنه لا يفشل في مقاصده أبدًا.

ربما هذه الأصحاحات الثلاثة، إذن، هي أصعب اللاهوت الذي قد نجده في رسائل بولس. ولكن ما تعلنه هو أن التعليم عن الخلق (منه)، والعناية الإلهيَّة (به)، والفداء (بواسطته)، والتحقيق النهائي (له) كل ذلك يتشكَّل بهذه الغاية العظيمة: مجد الآب، والابن، والروح القدس.

وينبغي ألا نترك هذا الموضوع دون أن نلاحظ أن "صياغة اللاهوت" بهذه الطريقة لها تأثيرات وتطبيقات عميقة وعمليَّة.

ما أثار كل ما قدَّمه بولس هنا هو حزنه العظيم ووجعه الذي في قلبه لا ينقطع من أجل أنسبائه (9: 2). فهو يتوق إلى خلاصهم (10: 1). لماذا؟ بالعودة خطوة أخرى إلى الوراء في رومية 1-3 نجد الإجابة. إنه بسبب حماسه من أجل مجد الله. فقد رأى مأساة حالة الإنسان — المخلوق على صورة الله ولمجده ولكن بالخطية يستبدل مجد الله بالمخلوقات والأصنام (1: 23). فالخطية هي حقًا "عدم الامتثال لناموس الله، أو التعدّي عليه" (دليل أسئلة وأجوبة وستنمستر الموجز 14). ولكن نتيجتها هي أننا يعوزنا مَجْدُ اللهِ (رومية 3: 23). وخسرنا كل من تاجنا ومصيرنا. إن رأينا هذا، فإن حالة السقوط لأقاربنا وتداعياتها تكون حقًا مفجعة. لذلك، فمَن "يصيغون اللاهوت" لمجد الله يجب أيضًا أن يكونوا مستعدين للحزن (9: 2) ولديهم الاستعداد للتضحية (الآية 3) والكرازة (10: 14-17).

إلى جانب عمل بولس كمُحفِّز، فإن طريقته في "صياغة اللاهوت" لها تداعيات تُغيِّر الحياة. ترتبط رومية 9: 1-11: 36 برومية 12-16 وخاصة بالكلمات الأولى من تلك الأصحاحات (12: 1-2). إن الرحمة التي يُظهرها الله (11: 30-32) تدعو إلى تكريس له غير مشروط يُعبَّر عنه بعدم التشبُّه والتشكُّل بهذا العالم وبالتغيُّر إلى صورة المسيح، ليعكس في نهاية المطاف مجده. ولكن كيف يحدث هذا؟ من خلال "صياغة اللاهوت" لمجده ولمسرته. فالتغيير يحدث من خلال "تَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ" (12: 2).

هناك عظمة لهذا المنظور لأنه يعطي للواقع الكوني معنى؛ فهو يجعلنا نتضع ويرفعنا أيضًا؛ كما يقودنا إلى "الغاية" الحقيقيَّة. بحسب مُلخَّص توما الأكويني، إن اللاهوت يُعلِّم عن الله، والله يُعلِّمه، ويقود إلى الله. ماذا الذي يمكننا أن نطلبه أكثر إن كانت الغاية العُظمى لكل من البشر والملائكة هي "تمجيد الله، والتمتّع به إلى الأبد"؟

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

سينكلير فيرجسون
سينكلير فيرجسون
الدكتور سينكلير فيرجسون هو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير وأستاذ استشاري لعلم اللاهوت النظامي في كلية اللاهوت المُصلَحة. شغل سابقًا منصب الراعي الأساسي في الكنيسة المشيخيَّة الأولى في مدينة كولومبيا، بولاية ساوث كارولاينا، وقد كتب أكثر من عشرين كتابًا، بما في ذلك "المسيح كاملًا" (The Whole Christ).