المسيح وحده - خدمات ليجونير
جمود المُختارين
۲۸ أكتوبر ۲۰۱۹
الهدف من صياغة اللاهوت
٦ نوفمبر ۲۰۱۹
جمود المُختارين
۲۸ أكتوبر ۲۰۱۹
الهدف من صياغة اللاهوت
٦ نوفمبر ۲۰۱۹

المسيح وحده

يؤكد اللاهوت المُصلَح أن الكتاب المقدس وتعليمه عن النعمة والإيمان يشدِّدون على أن الخلاص هو solus Christus، أي "بواسطة المسيح وحده" — ويعني هذا، أن المسيح هو المُخلِّص الوحيد (أعمال الرسل 4: 12). كتب بي. بي. وارفيلد (B.B. Warfield) قائلًا، "إن القوة المُخلِّصة للإيمان لا تكمن في ذاتها، لكن في المخلِّص القدير الذي تتكل عليه".

تُعد مركزيَّة المسيح هي الأساس للإيمان البروتستانتي. قال مارتن لوثر إن المسيح يسوع هو "مركز ومحيط الكتاب المقدس" — بمعنى أن شخصه وما فعله في موته وقيامته هما المحتوي الأساسي للكتاب المقدس. قال أورليخ زوينجلي (Ulrich Zwingli)، "إن المسيح هو رأس كل المؤمنين الذين هم جسده وبدونه يصبح الجسد ميتًا".

بدون المسيح، لا يمكننا أن نفعل شيئًا؛ ففيه نستطيع أن نفعل كل الأشياء (يوحنا 15: 5؛ فيلبي 4: 13). المسيح وحده يستطيع أن يخلِّص. يوضح بولس في رومية 1–2 أنه بالرغم من أن هناك إعلان ذاتي لله خارج عمله الفدائي في المسيح، فلا يوجد قدر من اللاهوت الطبيعي يقدر أن يوحد الله والإنسان. فالاتحاد بالمسيح هو السبيل الوحيد للخلاص.

نحن في أمَس الاحتياج لسماع المسيح وحده في عصرنا المليء بلاهوت التعدديَّة. يشكك كثير من الناس اليوم في الاعتقاد أن الخلاص هو فقط بواسطة الإيمان بالمسيح. كما يقول كارل براتين، "إنهم يعودون إلى الشكل القديم المفلس لمنهجيَّة الكريستولوجي (شخص وعمل المسيح) الخاص بالقرن التاسع عشر لليبراليَّة البروتستانتيَّة ويسمونه ’جديد‘، بينما هي فعليًّا بالكاد تكون منهجيَّة سطحيَّة لدراسة يسوع". والنتيجة النهائيَّة هي أن الكثير من الناس اليوم — كما قال إتش. أر. نيبور (H. R. Niebuhr) عن الليبراليَّة — يعلنون ويعبدون "إلهًا بلا غضب أحضر أناس بلا خطية لملكوتٍ بلا دينونة من خلال خدمات لمسيح بلا صليب".

وجد أسلافنا المُصلحون، استنادًا إلى منظور يمكن تتبعه إلى يوسابيوس القيصري كاتب القرن الرابع الميلادي، أنه من المفيد أن نفكر في المسيح كنبي، وكاهن، وملك. على سبيل المثال، صاغ إقرار إيمان لندن المعمداني لعام 1689 الأمر كالتالي: "المسيح، والمسيح وحده، هو المناسب أن يكون الوسيط بين الله والإنسان. هو النبي، والكاهن، والملك لكنيسة الله" (8: 9). دعونا ننظر عن كثب في هذه الوظائف الثلاثة.

المسيح النبي:

المسيح هو النبي الذي نحتاجه لكي يُعلِّمنا أمور الله حتى نُشفى من عمانا وجهلنا. يدعوه إقرار إيمان هيدلبرج "نبينا ومعلمنا الأعظم، الذي أعلن لنا تمامًا مشورة الله السريَّة ومشيئته فيما يتعلَّق بفدائنا" (الإجابة 31). أعلن موسى، "يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ" (تثنية 18: 15). هو ابن الله، ويطلب الله أن نستمع إليه (متى 17: 5).

كونه نبيًّا، المسيح هو الوحيد الذي يستطيع أن يعلن عمَّا كان يقصد الله عبر التاريخ "منذ بدء العالم" والذي يستطيع أن يعلِّم ويوضِّح المعنى الحقيقي "للكتب النبويَّة" (العهد القديم، أنظر رومية 16: 25–26). لا يمكننا توقع إحراز تقدُّم في الحياة المسيحيَّة إلا عندما نأخذ في الاعتبار وصاياه وتعاليمه.

المسيح الكاهن:

المسيح أيضًا هو كاهن — رئيس كهنتنا الذي نحتاجه للغاية، الذي، كما يقول إقرار إيمان هيدلبرج "بذبيحة جسده الواحدة قد افتدانا، وباستمرار يشفع فينا عند الآب" (الإجابة 31). بكلمات إقرار إيمان لندن المعمداني لعام 1689، "بسبب غربتنا عن الله ونقص خدماتنا في أفضل الأحوال، نحتاج إلى وظيفته الكهنوتيَّة ليصالحنا مع الله ويجعلنا مقبولين لديه" (8: 10).

إن الخلاص هو فقط بالمسيح يسوع لأنه هناك شرطين، بغض النظر عن مدى صعوبة المحاولة، لا يمكننا أن نحقِّقهما أبدًا. ومع ذلك يجب تحقيقها إن أردنا الخلاص. الأول هو إرضاء عدالة الله من خلال طاعة الناموس. الثاني هو دفع ثمن خطايانا. لا يمكننا أن نفعل أيًّا منهما، لكن المسيح فعل كلاهما تمامًا. تقول رسالة رومية 5: 19، "بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا". وتقول رسالة رومية 5: 10، "إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ". لا يوجد طريق أخر كي نأتي لمحضر الله سوى من خلال المسيح وحده.

تمت ذبيحة المسيح مرة واحدة، لكنه لايزال رئيس كهنتنا العظيم، الذي من خلاله تُقدَّم لله كل الصلوات والتسبيحات المقبولة. في السماويات، مازال هو شفيعنا وحامينا الدائم (رومية 8: 34؛ 1 يوحنا 2: 1).  لا عجب إذن أن بولس يدعو إلى تقديم المجد لله "بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ... إِلَى الأَبَدِ" (رومية 16: 27). لا يمكننا أن ننمو في تمتُّعنا بالاقتراب إلى الله إلا من خلال اتكالنا المتعمق عليه كونه ذبيحنا وشفيعنا.

المسيح الملك:

أخيرًا، المسيح ملك، يحكم ويسود على كل الأشياء. يملك على كنيسته بواسطة الروح القدس (أعمال الرسل 2: 30–33). هو له السيادة في إعطاء التوبة للخاطئ ومنح الغفران للمذنب (أعمال الرسل 5: 31). المسيح هو "ملكنا الأبدي، الذي يحكمنا بكلمته وبروحه، ويدافع عنَّا ويحفظنا في بهجة الخلاص الذي اشتراه لنا" (إقرار إيمان هيدلبرج سؤال وجواب 31). ولأنه الملك الوريث للخليقة الجديدة، فهو يقودنا لملكوت النور والمحبة.

لذلك، نستطيع أن نتفق مع جون كالفن عندما قال، "قد نمر بصبر خلال هذه الحياة بشقائها، وبرودتها وخزيها، وعارها، ومشاكلها الأخرى — مكتفين بشيء واحد: أن ملكنا لن يتركنا معدمين أبدًا، بل سيوفر احتياجاتنا إلى أن تنتهي حربنا ويدعونا إلى النصرة". لا يمكننا أن ننمو في الحياة المسيحيَّة إلا عندما نحيا في طاعة تحت ملك وسيادة المسيح وبواسطة قدرته.

إن كنت ابنًا لله، فالمسيح في وظائفه الثلاثة كنبي، وكاهن، وملك سيعني كل شيء لك. هل تحب المسيح وحده؟ هل تحبه في شخصه، ووظائفه، وطبيعتيه، وبركاته؟ هل هو نبيك ليعلمك؛ كاهنك ليضحي من أجلك، ويشفع فيك، ويباركك؛ وملكك ليسود عليك ويرشدك؟

بعد أداء مثير لفرقة بيتهوفن للسيمفونيَّة التاسعة، قيل إن الموسيقي الإيطالي الشهير أرتورو توسكانيني (Arturo Toscanini) أخبر الأوركسترا: "أنا لا شيئ. أنتم لا شيئ. بيتهوفن هو كل شيء". إن كان بإمكان توسكانيني أن يقول ذلك عن مؤلف موسيقي لامع ولكنه ميت، فما الذي يجب على المؤمنين أن يقولوه عن المخلِّص الحي، الذي هو الملحن، والموسيقار، وحتى الموسيقى الجميلة نفسها فيما يتعلَّق بخلاصنا.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

جويل بيكي
جويل بيكي
الدكتور جويل بيكي هو رئيس كلية بيويرتان المُصلَحة للاهوت (Puritan Reformed Theological Seminary) وأستاذ اللاهوت النظامي والوعظ بها، وهو قسيس في كنيسة (Heritage Netherlands Reformed Congregation) بمدينة جراند رابيدز في ولاية ميشيجان، ورئيس تحرير دار النشر (Reformation Heritage Books). وهو مؤلف العديد من الكتب منها "العيش لمجد الله: مقدمة إلى الكالفينية" (Living for God’s Glory: An Introduction to Calvinism).