جمود المُختارين - خدمات ليجونير
الخمسة وتسعون احتجاجًا لمارتن لوثر
۲٦ أكتوبر ۲۰۱۹
المسيح وحده
٤ نوفمبر ۲۰۱۹
الخمسة وتسعون احتجاجًا لمارتن لوثر
۲٦ أكتوبر ۲۰۱۹
المسيح وحده
٤ نوفمبر ۲۰۱۹

جمود المُختارين

أغلبنا على دراية بالعبارة الشهيرة جمود المُختارين (the frozen chosen). وربما استخدمها العديد أيضًا لوصف أنفسهم أو مجموعة أخري من المؤمنين أو للتمييز بين تقليد معين داخل المسيحيَّة عن غيره. ولكن ما هو المعنى الحقيقي لهذه العبارة؟ وهل هي مفيدة؟ أم أنها تسمية خاطئة وتناقض في المفردات؟

إذا كنا نعني بجمود المُختارين أن بعض التقاليد المسيحيَّة أقل تعبيرًا من الخارج عن غيرها، فإن هذه العبارة بالتأكيد يمكن أن تكون طريقة مفيدة لنقل هذه الفكرة. عندما انتقلت أنا وعائلتي قبل عدة سنوات من الولايات المتحدة إلى اسكتلندا، كان من أول الأشياء التي لاحظناها أن العديد من إخواننا وأخواتنا الإسكوتلنديِّين متحفِّظين في تعبيرهم الخارجي عن الإيمان أكثر منا نحن الأميركيِّين.  إذا كان هذا هو كل ما نحاول نقله عندما نستخدم عبارة "جمود المُختارين"، فعندئذ ليس لدي أي اعتراض عليها. بالإضافة إلى ذلك، إذا كنا نعني أن بعض التقاليد الكنسيَّة أو بعض المؤمنين يميلون إلى أن يكونوا عقلانيين بشكل أكبر أو أكثر اهتمامًا بالعقيدة من غيرهم، فربما مرة أخرى قد تكون هذه العبارة مفيدة في نقل هذه الفكرة.

ولكن إذا كنا نعني بعبارة "جمود المُختارين" إنه من الممكن للناس أن يكونوا "مُختارين" (أي أن يكونوا مسيحيِّين حقيقيِّين) ولكن لا يكون هناك مظهر خارجي واضح لإيمانهم في حياتهم، فإنني لا أعتقد أن هذه العبارة مفيدة على الإطلاق. في الحقيقة، يمكنني القول بأنه إن كان هذا هو ما نعنيه بعبارة "جمود المُختارين"، فهذا زيف تام وتناقض واضح في المفردات.

أقول هذا لسببين رئيسيَّين. أولًا، علَّم يسوع في عدةِ مناسبات أن الإيمان الحقيقي يظهر بوضوح في حياة المسيحي الحقيقي. في متى 7: 15-20 و12: 33-37، على سبيل المثال، لجأ يسوع إلى مثل الشجرة وثمرها ليعلِّم أن الحالة الداخليَّة لكل شجرة تظهر من خلال نوع الثمر الذي تنتجه: تنتج الأشجار الجيدة ثمار جيدة والأشجار المريضة تنتج ثمار سيئة. الثمر الجيد لا يجعل الشجرة جيدة. بل الجذور الجيدة تفعل ذلك. يوضح الثمر الجيد ببساطة ويثبت أن الشجرة لها في الواقع جذور جيدة، وبالتالي فهي شجرة جيدة. تظهر الجذور الجيدة في حقيقة أنها تنتج ثمارًا جيدة، تمامًا كما تظهر الجذور السيئة في أنها تنتج ثمارًا سيئة.

في متي 12: 36-37، لا يربط يسوع فقط الأشياء التي نقوم بها بل أيضًا الكلمات التي ننطق بها بالثمر الذي تنتجه الأشجار. مثلما يكشف ثمر الشجرة عن حالة جذورها، فإن الكلمات التي ننطق بها تكشف عن حالة قلوبنا، سواء كنا نؤمن حقًا ومُتبررين أم لسنا كذلك وتحت الدينونة الإلهيَّة. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ (الآية ٣٤).

المقصود من هذه النصوص الكتابيَّة هو أن الإيمان الحقيقي يظهر بوضوح في الأشياء التي نقوم بها والكلمات التي ننطق بها. قد يكون هذه الإيمان خفي لفترة معينة، ولكن لا يمكن أن يستمر على هذا النحو. فسوف يعبر عن وجوده بوضوح في حياتنا. من هذا المنطلق، لا يمكن أن نكون "مُختارين" ونبقى في حالة "جمود". قد تكون هناك أوقات يشعر فيها المسيحيُّون الحقيقيُّون "بالجمود" أو بالفتور تجاه الله وكلمته، وفي هذه الأوقات، قد تكون ثمارنا في الواقع مخفية أو أقل وضوحًا. ولكن هذه لن تكون حالة دائمة، فلا يوجد شيء اسمه المسيحيَّة السريَّة. عاجلاً أم آجلاً، إما ستطرد السريَّةُ المسيحيَّة الموجودة أي كان نوعها، أو ستطرد المسيحيَّةُ السريَّة. فالمسيحيَّة الحقيقيَّة ستظهر دائمًا بوضوح في حياتنا.

السبب الثاني الذي يجعلني أقول إن عبارة "جمود المُختارين" هي تناقض في المفردات هو أن يسوع علَّم بأن العقيدة الصحيحة يجب أن تؤتي ثمارها في حياتنا. لا ينبغي فقط للإيمان الحقيقي أن ينتج ثمارًا واضحة ولكن يجب أن يفعل اللاهوت الصحيح ذلك أيضًا. هذه واحدة من النقاط الرئيسيَّة لمثل الزارع في لوقا 8: 4-15. إن بذرة كلمة الله التي تُزرع في الأرض الجيدة لقلب المؤمن لا تبقى مخفية. إنها تؤتي ثمارها "وَاحِدٌ ثَلاَثِينَ وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِئَةً" (مرقس 4: 20). بعبارة أخرى، يجب أن يؤثِّر اللاهوت الصحيح دائمًا على حياتنا بوضوح. يجب أن يؤثِّر على عبادتنا، وحياة الصلاة الخاصة بنا، وعلى الطريقة التي نحب بها شريك الحياة، ونؤدِّي عملنا، ونتفاعل بها مع المؤمنين الآخرين، والكيفيَّة التي نتحمَّل بها التجارب والمحن، والوصول للخطاة. إذا لم يحدث ذلك، فهناك خطأ ما إما في العقيدة (البذرة)، أو التربة، أو كليهما.

والأكثر من ذلك، فإن عقيدة التعيين المُسبق نفسها، وهي الأساس الذي عليه يدعي أي شخص أنه "مُختار"، تهدف في المقام الأول إلى أن تقودنا إلى عبادة حارة من القلب، وليس إلى الرضا الفاتر عن النفس أو الكبرياء. يخبرنا بولس بذلك في رومية 9: 22-24. وجهة نظر بولس هي أن كل ما عمله الله بخصوص قضائه عن الاختيار هو من أجل الهدف الصريح أن يعرف "المُختارون" ويستمتعون بغنى مجد الله الذي هو لنا.

بعبارة أخرى، يجب أن تؤثر عقيدة الاختيار على حياتنا. يجب أن تُلهب قلوبنا وتقودنا إلى العبادة وخدمة الرب بسبب رحمته العظيمة من نحونا. لا ينبغي مطلقًا أن تقودنا إلى حالة "الجمود"، ولكن أن نصرخ مع بولس قائلين "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!" ينبغي أن تقودنا إلى أن نعلن بشفاهنا وبحياتنا هذه الكلمات: "لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (رومية 11: 33، 36).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

جاي ريتشارد
جاي ريتشارد
الدكتور جاي ريتشارد هو المدير التنفيذي لكلية اللاهوت المُصلَحة في مدينة أتلانتا وأستاذ مساعد لعلم اللاهوت النظامي بها. وهو مؤلف كتب "ما هو الإيمان؟" (What Is Faith?) و"سمو الله في لاهوت صموئيل روثرفورد" (The Supremacy of God in the Theology of Samuel Rutherford).