كاهن إلى الأبد - خدمات ليجونير
عضويَّة الكنيسة
۲۳ سبتمبر ۲۰۲۱
مثل الأرملة المثابرة
۱۸ أكتوبر ۲۰۲۱
عضويَّة الكنيسة
۲۳ سبتمبر ۲۰۲۱
مثل الأرملة المثابرة
۱۸ أكتوبر ۲۰۲۱

كاهن إلى الأبد

يتميَّز مزمور 110 بكونه نص العهد القديم الذي تم الاقتباس منه بشكل مُتكرِّر في العهد الجديد. ولأنَّ داود الملك قد كتبه، فإن مزمور 110 هو مزمور ملكي يتنبَّأ بصعود ملك مسياني وبملكه في المستقبل. يقول داود إنَّ هذا الملك سيأتي بقوَّة الرب (الآية 2) وسيثبِّت مُلك الله في جميع أنحاء الأرض (الآية 5). وهو سيدين الأمم (الآية 6)، ويُطيح بأعداء الله (الآيات 1 و6)، ويجمع شعب الله إلى نفسه (الآية 3). وفي مقطع لافت للنظر بشكلٍ خاص، دعا داود هذا الملك "ربي" (آية 1)، معترفًا بسمو هذا الملك الذي من نسله.

في قلب هذه النبوة الرائعة تظهر واحدة من أكثر الشخصيَّات غموضًا في العهد القديم. يقول داود: "أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ»" (الآية 4). يظهر ملكي صادق مرَّة واحدة أخرى فقط في العهد القديم. فبعد أن هزم إبراهيم ملوك الشرق الأربعة وأنقذ ابن أخيه لوط، تقابل مع ملكي صادق، الذي يُعرَف بأنَّه ملك شاليم وكاهن الله العلي (تكوين 14: 18-20). وجد داود في هذا الشخصيَّة الغامضة ظلًّا لشخص يسوع المسيح وعمله باعتباره الملك العظيم ورئيس الكهنة العظيم لشعبه.

الكاهن الملك:

كان من الشائع أن يعمل الملوك في العالم القديم ككهنة أيضًا. لقد حكموا ليس فقط في النطاق المدني ولكن أيضًا في النطاق المُقدَّس. لكن بالنسبة لإسرائيل، كان مثل هذا الملك الكاهن مستحيلًا. فالله أعطى المُلك لسبط يهوذا (تكوين 49: 9-10)، وتحديدًا لنسل داود (2 صموئيل 7: 12-16). ولكن الكهنوت أوكله بشكلٍ خاص لسبط لاوي، وعلى وجه التحديد لنسل هارون (عدد 17).

ومع ذلك، فهم داود أن ملك إسرائيل المسياني سيملك على كل الأشياء، بما في ذلك النطاق المُقدَّس المُخصَّص للكهنة. ولكن على أي أساس يمكن أن يخدم ملك إسرائيل ككاهن أيضًا؟ ألم يُرفَض الملك شاول لأنه مارس الحق المقصور على الكهنة (1 صموئيل 13: 13-14)؟ لا يجد داود في ملكي صادق الأساس لكهنوت آخر فحسب، بل وجد أيضًا الرجاء لكهنوت أفضل. أشار كاتب العبرانيين، وهو يتبع نفس المنطق، إلى أن إبراهيم أعطى عُشر غنائمه لملكي صادق وناله منه البركة كتعبير واضح عن سمو ملكي صادق على إبراهيم (عبرانيين 7: 4-10). وإذا كان ملكي صادق أسمى من إبراهيم، فهو بكل تأكيد أسمى من لاوي، الذي هو من نسل إبراهيم. لذا فإنَّ ملكي صادق، الذي يعني اسمه "ملك البر"، يمثِّل كهنوتًا أفضل، جزئيًّا لأنَّه كهنوت ملكي. وبصفته ظلًّا مُسبَقًا لخدمة الرب يسوع، كان ملكي صادق كاهنًا وملكًا.

يوجد تشجيع رائع للمؤمنين في حقيقة أن الرب يسوع يوحِّد منصبي الملك والكاهن. إذا كان الرب يسوع ملكًا فقط، فقد نعيش فعلًا في خوف من دينونته العادلة. ولكن الأخبار السارة هي أن هذا الملك البار الذي يملك على شعبه هو أيضًا رئيس الكهنة الذي بذل نفسه عنهم كذبيحة كفَّاريَّة ويقف وسيطًا لهم أمام الآب. في الحقيقة، بسبب أنَّ لدينا رئيس كهنة مثل هذا، فهو قادر "أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا" (عبرانيين 4: 15) ويمكننا أن "نَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ" (الآية 16). في الرب يسوع، الملك والكاهن العظيم، نجد إلهًا يعرف أوجاعنا، وقد حمل خطايانا، ويملك علينا بصفته ربنا الكريم.

كاهن إلى الأبد:

إن كهنوت الرب يسوع أسمى من كهنوت لاوي أيضًا لأنه كهنوت أبدي. قال داود: "أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ»" (مزمور 110: 4). على عكس الكهنة اللاويين، الذين كان تسلسل النسب ضروريًّا بالنسبة لهم لإثبات شرعيَّتهم، لا يوجد سجل لنسب ملكي صادق في سفر التكوين أو في أي مكان. لم يُسجَّل مولده أو وفاته، أو نسبه أو نسله. كما دوَّن كاتب العبرانيين ببراعةٍ، فإن تقديم ملكي صادق في تكوين 14 يضفي عليه صفة الأبديَّة، وهي الصفة التي هي ظل مُسبَق للصفة الأبديَّة لكهنوت الرب يسوع (عبرانيين 7: 3).

كانت إحدى عوائق الكهنوت اللاوي أن أولئك الذين خدموا ككهنة ماتوا كعادة كل البشر. وبالتالي، مثلما كانت هناك حاجة دائمة في إسرائيل إلى ذبائح جديدة، كانت هناك أيضًا حاجة دائمة إلى كهنة جدد. لكن كهنوت الرب يسوع مختلف. إنَّه كاهن إلى الأبد. ولأنَّه بلا خطيَّة، حتى بعد أن قدَّم الرب يسوع نفسه كذبيحة كاملة ونهائيَّة، لم يقدر الموت أن يُمسكه (الآية 16). ولهذا يقف إلى الأبد عن يمين الآب.

بالنسبة للمؤمنين بالمسيح، يجب أن يكون كهنوت الرب يسوع الأعظم الأبدي مصدر تعزية يوميًّا. هو تذكار بأنَّه عندما ننسى الله، فإنَّه لا ينسانا. وعندما نترك الله بعصياننا، يمكننا أن نعرف أنَّه لا يهملنا (عبرانيين 13: 5). لدينا وسيط كامل في السماء يتضرَّع باستحقاقات دمه المسفوك من أجلنا، ويُعيدنا إلى الله من خلال التوبة والإيمان به وحده. يتنبَّأ مزمور 110 بقوم هذا الملك والكاهن الأبدي، الرب يسوع المسيح، ويحتفل به.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

ستيفن كولمان
ستيفن كولمان
الدكتور ستيفن كولمان هو أستاذ مساعد للعهد القديم بكليَّة وستمنستر للاهوت في مدينة فيلادلفيا وباحث في مركز آلان جروفز لأبحاث الكتاب المُقدَّس المُتقدِّمة.