كاهن إلى الأبد
۲۸ سبتمبر ۲۰۲۱معرفة إرادة الله
۲۲ أكتوبر ۲۰۲۱مثل الأرملة المثابرة
في ظاهر الأمر، يبدو لنا مَثَل الأرملة المُثابرة (لوقا 18: 1-8) غريبًا، ويُعاني عدد ليس بقليل من القسوس والعامة لفهمه. لكن المَثَل، بمُجرَّد فهمه في سياقه، له معنى رائع ويحث شعب الله على المضي قُدُمًا في الإيمان.
من ناحية السياق، فإننا نقترب من نهاية الرحلة الطويلة إلى أورشليم، وهي رحلة تشغل ما يقرب من ثلث إنجيل لوقا (9: 51-19: 44). يأتي هذا المَثَل في أعقاب حديث المسيح عن عودته كابن الإنسان، وهو حدث سيتحقَّق في نهاية التاريخ (17: 20–37). خلال الفترة ما بين المجيئين الأول والثاني للمسيح، ستتحمَّل جماعة العهد مشقَّة كبيرة واضطهاد عظيم، لذا فإن المَثَل يحفِّز المؤمنين على المُثابرة. وعلى عكس الأمثال الأخرى في إنجيل لوقا، فإن مَثَل الأرملة المُثابرة يبدأ ببيان الغرض منه: "وَقَالَ لَهُمْ [تلاميذه] أَيْضًا مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ" (18: 1؛ انظر 5: 36؛ 6: 39؛ 12: 16؛ 13: 6). غالبًا ما ترد عبارة "يُمَلَّ" (تكلُّ) في العهد الجديد في سياق التحمُّل تحت اضطهاد آخر الزمان. على سبيل المثال، يقول بولس لكنيسة أفسس: "لِذلِكَ أَطْلُبُ أَنْ لاَ تَكِلُّوا فِي شَدَائِدِي لأَجْلِكُمُ الَّتِي هِيَ مَجْدُكُمْ" (3: 13؛ انظر أيضًا 2 كورنثوس 4: 1، 16؛ غلاطية 6: 9؛ 2 تسالونيكي 3: 13).
إن السرد العام للمَثَل سهل بما فيه الكفاية: تتوسَّل الأرملة بلجاجة إلى قاضي وثني لينصفها. تقريبًا كل تفاصيل المَثَل غامضة – فنحن لا نعرف شيئًا عن سبب ظُلم الأرملة أو كيفيَّة حدوث ذلك، ولا شيء عن "الخصم"، ولا شيء عن مكان حدوث ذلك باستثناء "فِي مَدِينَةٍ" (لوقا 18: 2). لكننا نتعلَّم شيئًا عن طبيعة القاضي. إنَّه "لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا" (الآية 2)، وبسبب إصرار الأرملة، أصدر حُكمًا مُنصفًا (الآية 5).
يتطرَّق المَثَل إلى موضوعين رئيسيَّين: الإنصاف والمُثابرة. يبذل لوقا قصارى جهده لإبراز حالة عدم الإيمان لدى القاضي. لماذا؟ الفكرة هي أنَّه إذا أصدر قاضي شرير حُكمًا منصفًا للمُثابرة، فكم بالحري سيفعل القاضي البار ذلك؟ نجد صيغ الاسم والفعل لكلمة "إنصاف" في جميع أنحاء المَثَل، في الآيات 3 و5 و7 و8. ولكن هذا ليس الشكل العام لمفهوم "العدالة". فالمصطلح هنا نجده في عدد من النصوص التي تصف أعمال القصاص أو الانتقام – أي إنصاف الشخص الذي وقع ضحية. على سبيل المثال، في أعمال الرسل 7: 24، يروي استفانوس حدثًا من حياة موسى: "وَإِذْ رَأَى وَاحِدًا مَظْلُومًا حَامَى عَنْهُ [موسى]، وَأَنْصَفَ الْمَغْلُوبَ، إِذْ قَتَلَ الْمِصْرِيَّ" (انظر خروج 2: 11-12). الكلمات هنا المُترجمة إلى "مظلوم" و"أنصف" مُشتقَّة من نفس الكلمات التي نجدها في لوقا 18: 3 (انظر أيضًا رومية 12: 19؛ 13: 4؛ عبرانيين 10: 30؛ 1 بطرس 2: 14؛ رؤيا 6: 10). فالأرملة في المَثَل إذن تطلب القصاص والإنصاف. وهي ترغب في أن يُعاقب القاضي مَن ظلمها بلا عدل.
من الأفضل لنا أن نفكِّر في كيفيَّة تناسب هذا المَثَل مع السياق الأوسع في لوقا 17-18. ففي النصوص السابقة، يتعلَّق الكثير ممَّا يُعلِّمه المسيح بمُثابرة المؤمنين قبل مجيئه الثاني (17: 22-37). فبينما يتكشَّف التاريخ، يزداد العداء بين شعب الله والعالم. نحن نعيش في "الأيام الأخيرة"، وهي فترة من الزمن تتميَّز بشكل غريب بحضور ملكوت الله ووجود الضيقة (متى 13: 24-50). إن الانضمام إلى الملكوت يؤدِّي حتمًا إلى معاناة كبيرة واضطهاد عظيم. يجب أن يكون المؤمنون الحقيقيُّون على استعداد لهلاك نفسه من أجل الملكوت (لوقا 17: 33). سيُظلَمون، وسيفعل العالم أسوأ ما في وسعه. ولكن لأنَّ الأرملة ثابرت انتقم لها القاضي. ولأنَّ المؤمنين الحقيقيِّين يثابرون بإيمان، فإنَّ الله يعدهم بالانتقام لهم. فالإيمان هو في الواقع عطيَّة من الله، وعمل نعمة خالصة (أفسس 2: 8-9)، لكن الإيمان الحقيقي دائمًا ما يكون مصحوبًا بأعمال أمينة (يعقوب 2: 14-26). ربما يكون أحد النصوص الأقرب لمَثَل الأرملة المُثابرة هي الختم الخامس في رؤيا 6: 9-10، حيث يصرخ القدِّيسون في السماء إلى الله قائلين: "حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟" بينما نتوق مع القدِّيسين السماويِّين إلى أن يسكب الله عدله على العالم، فإنَّه يذكِّرنا بشيء واحد: "انتظروا زَمَانًا يَسِيرًا" (الآية 11).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.