لاَ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ
۲۷ أبريل ۲۰۲۰ضرورة الإصلاح
۲۱ مايو ۲۰۲۰الكنيسة ومزمور 81
ما هو أشد احتياج الكنيسة اليوم؟ للإجابة عن هذا السؤال المهم والعام بطبيعته، نجد أن مزمور 81 مهم ونافع للغاية. من الواضح أن هذا المزمور يحتوي على وعود وإرشادات مباشرة لمعونة شعب الله. بينما الدراسة المتأنية لهذا المزمور تعمِّق تقديرنا له، وتزيد من قيمته في أعيننا، وتُظهر كم هو فريد في معونة الكنيسة.
حين ندرس المزامير، سرعان ما ندرك أن الآية المركزيَّة لأي مزمور غالبًا ما تكون مهمة بسبب كونها المفتاح لتفسيره. فالآية المركزيَّة لمزمور 81 هي صرخة الله الحزينة التي يقول فيها: "يَا إِسْرَائِيلُ، إِنْ سَمِعْتَ لِي!" (آية 8). فقلب هذا المزمور، في الحقيقة المزمور بأكمله، انعكاسًا للشيماع "اسمع يا إسرائيل".
تبرز مركزيَّة هذه الآية وأهميتها حين ندرك أن مزمور 81 هو في قلب القسم الثالث من سفر المزامير. يتمحور القسم الثالث (المزامير من 73-89) حول الكارثة التي لحقت بإسرائيل جرَّاء خراب الهيكل (مزمور 74)، والإخفاق الظاهري لوعود الله حيال جلوس أبناء داود على عرشه إلى الأبد (مزمور 89). فتحمل الآية 8، مركز مزمور قلب القسم الثالث، أحد أسباب هذه الكارثة وأحد ملامحها.
بما أن القسم الثالث يعد منتصف الخمسة أقسام لسفر المزامير، فتعد الآية 8 من مزمور 81 في الواقع الآية المركزيَّة لسفر المزامير برمته. فهي لب قلب كتاب تسابيح إسرائيل. وتدعو إسرائيل إلى تأمل عميق في علاقتها مع إلهها.
كما يتضح أن هذا المزمور هو في قلب التقويم الطقسي لإسرائيل. فلا يشير التسبيح عند رأس الشهر والهلال سوى إلى الشهر السابع في السنة، وعيد الأبواق (لاويين 23: 24؛ عدد 10: 10)، وعيد المظال (لاويين 23: 26-32). ويقع بين هذين العيدين يوم الكفارة (لاويين 23: 27). فكما يدعو الله إسرائيل لتحتفل بعطائه العظيم بصفته الخالق والمُخلِّص، فيدعو شعبه أيضًا أن يسمعوا له.
فكما أن الشيماع "اسمع يا إسرائيل" ضروريَّة في التوراة، فهي مركزيَّة أيضًا في سفر المزامير والحياة المسيحيَّة. ينبغي على شعب الله الإنصات إلى كلمة الله، وبالتحديد أن يرفضوا الآلهة الزائفة (آية 9)، وألا يتبعوا حكمتهم البشريَّة (آية 12)، بل يسيروا في طرق الله (آية 13). من المُحزن اعتقاد أن الله سيمنحنا ما نظن أنه صالح لنا.
يُذكِّر الله شعبه بالتاريخ حين كان مخلِّصهم ومنقذهم، ويعد الآن بأننا حين نفتح شفاهنا بالصلاة، سيسمع إلينا ويلبِّي احتياجاتنا (آية 10). فهو الله الحافظ وعوده والمُلبِّي لاحتياجات خاصته.
إن إخفاق إسرائيل في سماع كلمة الله، صوَّبه ابن الله. لقد كان الرب يسوع دائم السماع لكلمة الله وتمجيدها. ولهذا السبب قد سُر أبوه به قَائِلًا: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ...» (متى 17: 5). لقد سمع الرب يسوع بالتمام لكلمة الله واتَّبعها كاملة لكي ينال شعبه خلاصًا تامًا وكاملًا. ويواصل الآب دعوته إلى شعبه ليسمعوا، ويوجههم الآن إلى كلمات ابنه قائلًا: "لَهُ اسْمَعُوا" (متى 17: 5). فخلاص الكنيسة وسلامتها يعتمدان على استمرارها في السماع لكلمة الله.
ويبدو أيضًا أن مزمور 81 يشير إلى فترة السبي، حين عاقب الله إسرائيل بفقدان الهيكل وملكها وأرض الموعد. كما يذكِّرنا أيضًا المزمور بوقتٍ سابقٍ، حين شكَّكت إسرائيل في الله وتذمَّرت عليه (آية 7). ففي مريبة (خروج 17) جرَّبت إسرائيل الرب، متشكِّكة في إنه مع شعبه، لذا جرَّب الرب إسرائيل ووجدها ناقصة. وبالمثل، يمكننا العودة إلى تاريخ الكنيسة لنرى إنها في مرات عديدة وبطرق مختلفة أخفقت في السماع إلى كلمة الرب.
بالطبع يعد عصر الإصلاح إحدى أعظم الفترات التي عادت فيها الكنيسة إلى كلمة الله. وقد حدث إصلاح الكنيسة لأن المسيحيِّين بدأوا مرة أخرى في دراسة الكتاب المقدس بتمعُّنٍ وعناية. لقد درس المصلحون اللغتين العبريَّة واليونانيَّة، وقدَّموا للكنيسة ترجمات جديدة للكتاب المقدس، واستخدموا تقنية الطباعة الحديثة لطباعة الكتاب المقدس، وألَّفوا بعض أعظم التفسيرات وكتب اللاهوت في تاريخ الكنيسة.
مرة أخرى في عصرنا هذا، ينبغي دعوة الكنيسة لسماع كلمة الله. فيبدو أن الكنائس اليوم تفضِّل الانصياع وراء أصوات أخرى بخلاف صوت الله. فلعقود، تُعلِّم بعض الكنائس أن الكتاب المقدس ليس كلمة الله الكاملة الحقَّة. وكنائس أخرى كانت سابقًا تستند إلى الكتاب المقدس، لكن يبدو أنها فقدت الثقة في أن الوعظ والتعليم بالكتاب المقدس هو ما يغيِّر غير المؤمن ويبني الكنيسة. ويبدو أن العديد من المسيحيِّين في يومنا هذا يتجاهلون عن قصد الكتاب المقدس، ونتيجة لهذا فإنهم دنيويُّون مثل جيرانهم من غير المؤمنين.
يقول الرب لنا اليوم، مثلما قال لإسرائيل قديمًا، ومثلما يقول لكل جيل من شعبه: "يَا إِسْرَائِيلُ، إِنْ سَمِعْتَ لِي!". فلنصل إلى الروح القدس ليفتح الآذان داخل كنائسنا وفي جميع أرجاء أوطاننا. ودعونا نسمع بصدق وبإيمان. فهذا النوع من السمع هو أشد احتياج الكنيسة اليوم.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.