
استخدامك مواهبَك لمساعدة الكنيسة على النموّ في المحبّة
۲۱ أبريل ۲۰۲۵
صعود ورحلة
۲۹ أبريل ۲۰۲۵الإسراع في الاستماع، الإبطاء في التكلُّم

قبل بضع سنوات، كانت هناك ظاهرة ربَّما يكون السماع عنها غريبًا أوّلَ مرّة بقدر غرابة مشاهدتها. فقد كان بعض الناس يرتدون نظّاراتٍ من دون عدسات. أستطيع فهمَ هذا بمعنى غريب وغير مألوف. فثمّة مفهوم ثقافيّ يرى أنّ ارتداء النظّارات تُعطي الشخص مكانةً في المجتمع، على الأقلّ الآن أكثر من السنوات الماضية. ولذا هناك أسباب وراء ارتداء النظّارات. أنا نفسي أرتدي نظّارات. أتخيَّل أنّها تجعلني أبدو أذكى ممّا أنا في الحقيقة. وهذا هو الحال حين أختار ألّا أتكلَّم.
يقول لنا سفر الأمثال 17: 28: "بَلِ الأَحْمَقُ إِذَا سَكَتَ يُحْسَبُ حَكِيمًا، وَمَنْ ضَمَّ شَفَتَيْهِ فَهِيمًا." والآن، علينا أن نكون حذرين من خطأٍ تصنيفيٍّ هنا. فالذي يرتدي النظّارات ليس بالضرورة ذكيٌّ. ففي الوضع الاعتيادي ارتداء النظّارات يعني أنّ لديه ضعفًا في البصر. والشخص الذي يبقى صامتًا ليس بالضرورة حكيمًا، فكلّ ما في الأمر هو أنّه لا يتكلَّم في ذلك الوقت. والأمر الأهمّ الذي ينبغي ملاحظته من أمثال 17: 28 هو أنّ التزام الصمت ليس صفةً للأحمق.
ينبغي لنا نحنُ المسيحيّين أن نُبقي تعليم يعقوب، أخي ربّنا، قريبًا من قلوبنا وأذهاننا: "إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ" (يعقوب 1: 19). فبسلطةٍ رسوليّةٍ كاملة، يأمرنا يعقوب بأن نكون مسرعين في الاستماع، وبطيئين في التكلُّم. وضروريٌّ لنا أن نطيع هذه الوصية، بسبب الطبيعة القابلة للاشتعال للخلافات، ولهذا يربط يعقوب بين التكلُّم والغضب.
يساعدنا يعقوب في أن نرى مدى أهمّيّة كلامنا في تشكيل حياتنا باستخدامه سلسلةً من الصّوَر المجازيّة السلبيّة في يعقوب 3. يوضِّح هنا قوّة اللسان المُوجِّهة باستخدام صورة دفّة سفينة، ويشبِّه قوّةَ الاشتعال في اللسان بصورةِ نارٍ صغيرة تشعِل غابةً (يعقوب 3: 4-5). فيمكن لشعلةٍ صغيرة أن تحرق بيوتًا كثيرةً في نارٍ هوجاء. ويمكن للسفينة التائهة دون توجيه أن تصطدم باليابسة، كما يمكنها أن تأخذنا إلى أماكن جميلة. ولغاية توجيهنا يعطينا يعقوب قائمةً بالصفات التي ينبغي أن يتّسم بها كلامنا. ينبغي أن يتّصف كلامنا بصفات الحكمة التي من فوق: "طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ" (يعقوب 3: 17). ولكنّ تعليم يعقوب الرئيسي عن اللسان في الأصحاح الأوّل متعلِّق بالتوقيت. فعلينا أن نكون مسرِعين في الاستماع، ولكنْ مُبطِئِين في التكلُّم.
أضمن لك أنّك لن تندم إن أخذتَ لحظات تباطأتَ فيها قبل أن تردّ في المرّة القادمة التي فيها سيزعجك ويؤذيك شخصٌ ما على المستوى الشخصي، باستخفافه بمعتقدٍ ثمينٍ لديك، أو بمناداته برأيٍ منحرف. وثمّة أمرٌ تعرف أنّه صحيح من تجربتك الحياتيّة أريد توضيحه هنا. أستقي هذا الأمر من قلب ترتيب وصيتَي يعقوب 1: 19. فبدلًا من أنْ تأتي وصيةُ "مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ" تتبعها وصيةُ "مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ"، دعنا نفكِّر بقلب ترتيبهما، بحيث تأتي وصية "مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ" قبل وصية "مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ". مفيدٌ أن ننظر إلى هذا الترتيب المقلوب، لأنّنا بهذا الترتيب عادةً ما نختبر ما يجري في حالة اللسان غير المنضبط. فيقول أحدهم أمراً، وعادةً ما نشعر بالغضب أوّلًا، وهو ما يجعلنا نُسرِع في التكلُّم. تفكيرنا بأن نكون بطيئين في الغضب قبل أن نبطئ بالتكلُّم يساعدنا في أن نرى أنّ غضبنا تحذيرٌ من أنّنا قد نقول شيئًا قد نندم عليه.
ومع أنّ التفكير بوصايا يعقوب بالترتيب العكسي يمكن أن يساعدنا في تقديسنا، فإنّ ثمّة أمرًا آخر أيضًا يتعلَّق بالترتيب الذي يُورِد فيه يعقوب وصاياه. إنّه يتحدَّى الترتيب الطبيعي لاختبار حالتنا الساقطة. فهو يريدنا أن نتغيَّر. وبوضع وصيته "مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ" أوّلًا يعلّمنا الموقف الذي ينبغي أن نتبنّاه لنبتعد عن الحماقة أو إيذاء الآخرين. وأليس لائقًا، من الناحية البلاغيّة، أنّ الإسراع للعمل يأتي أوّلًا؟ ينبغي أن نكون مسرعين في الاستماع ومبطئِين في التكلُّم. ينبغي أنْ يكون التكلُّم ثانيًا في ترتيبه. فبدلًا من أن نسلِّم لميولنا الطبيعيّة بأن نغضب أوّلًا ومن ثمّ نفتح أفواهنا ونغلِق آذاننا، علينا أن نستمع أوّلًا، ومن ثمّ نتكلّم، وأن نعمل هذا ببرٍّ وعدل.
الله صالح معنا، وهو يعطينا هذا الدرس حتّى في أجسادنا. فهل يمكننا أن نغلِق آذاننا؟ كلّا، ولكنّنا، نستطيع أن نغلِق أفواهنا. ولذا ينبغي أن نكون مسرِعين في الاستماع وبطيئين في التكلُّم. بالنظر إلى الطريقة التي صنع الله أجسادنا بها، علينا أن نقول إنّ من الطبيعي أكثر أن نسرِع في الاستماع، وإنَّ ميلنا الساقط غير الطبيعي هو إلى أن نسرِع في التكلُّم.
الرغبة بأن نكون مسرعين في الاستماع مهمّة بصورة خاصّة حين نحاول أن نتكلَّم مع شخصٍ ما لا نتّفق معه. ليس زمننا فريدًا بصورة تامّة. فالاختلافات كثيرة، كما كانت دائمًا، ولكنّ ثقافتنا الحالية تبدو منفعلةً جدًّا، ولذا ضروريٌّ بصورة خاصّة للمسيحيّين أن يكونوا مسرعين في الاستماع بينما يتفاعلون مع العالم الذي يراقبهم. يمكن للكلمات البذيئة أو المُسيئة أن تدمِّر علاقةً وتفسِد شهادةً، ولكنّ بالإسراع في الاستماع يمكننا أن نعرف كيف نتكلَّم بالحقّ بلباقةٍ ومحبّة.
قد يؤمن شخصٌ ما بأشياء سخيفة أو أثيمة في ما يتعلَّق بالعالم. النظرات والفلسفات الكونيّة تشبه نظّارات بلا عدسات. فإن لم نستمع بانفتاح، فلن نعرف التعديلات الواجب عملها، أو نعرف كيف يمكن أن تتشابه استجاباتنا مع العدسات التصحيحيّة لرؤية الحقّ، لنعود نرى العالم كما هو فعلًا. إحدى فوائد الإسراع في الاستماع والبطء في التكلُّم هي أنّها تعطينا فرصةً لنصلّي بأن يكون هذا الأمر ممكنًا بروح الله.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.