انتهاء القديم وحلول الجديد - خدمات ليجونير
وُلد من مريم العذراء
۹ مارس ۲۰۲۰
فهم استمرارية الإصلاح في قرينتها التاريخية
۱٦ مارس ۲۰۲۰
وُلد من مريم العذراء
۹ مارس ۲۰۲۰
فهم استمرارية الإصلاح في قرينتها التاريخية
۱٦ مارس ۲۰۲۰

انتهاء القديم وحلول الجديد

يردِّد أتباع المسيح كلمات الرب يسوع "هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ" كلما يُقيمون عشاء الرب. تستخدم كنائس محليَّة في مختلف أنحاء العالم عبارة الْعَهْدُ الْجَدِيدُ في أسمائها. لكن إن سألت غالبية المسيحين "ما هو العهد الجديد؟"، ستجد إجابات بعدد مَن سألتهم. لذا، ما هو الْعَهْدُ الْجَدِيدُ؟ وما الجديد فيه؟ وكيف تحقَّق في المسيح؟

ما هو الْعَهْد الْجَدِيد؟

تبدأ النبوَّة عن العهد الجديد المذكورة في إرميا 31: 31-34 كما يلي:

هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا.

لفهم هذه النبوَّة على نحو صحيح، ينبغي أن نبحث عن مدى اتساقها مع توقُّعات أسفار العهد القديم الأخرى عن المستقبل. قد تبدو الكلمات الافتتاحيَّة "هَا أَيَّامٌ تَأْتِي" غامضة بالنسبة لك ولي، لكن سياق النبوَّة المباشر يساعدنا على رؤية أن كلمات إرميا كانت دقيقة في الواقع.

تعد هذه النبوَّة عن العهد الجديد جزءًا من مقطع أكبر في سفر إرميا يمتد من 30: 1 إلى 31: 40. وكثيرًا ما يُطلق على هذا المقطع كتاب العودة أو الاسترداد، لأنه يقدم تفاصيل دقيقة عن معاناة إسرائيل أثناء السبي والبركات التي ستأتي بعد السبي. كما تظهر عبارة "هَا أَيَّامٌ تَأْتِي" في 30: 3 حيث ترتبط ارتباطًا صريحًا بوعد الله: "وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَهُمْ إِيَّاهَا فَيَمْتَلِكُونَهَا".

لذا فعبارة "هَا أَيَّامٌ تَأْتِي" في 31: 31 تشير أيضًا إلى موعد انتهاء السبي وعودة شعب الله إلى أرض الموعد. يصف إشعياء 54: 10، وكذلك حزقيال 34: 25 و37: 26، هذا العهد أنه "عَهْدَ سَلاَمٍ". فمن منظور نبوات العهد القديم، سيؤسس الله هذا العهد عند انتهاء سبي إسرائيل ومع وصول المسيَّا وحلول ملكوت الله على العالم أجمع.

ما الجديد في الْعَهْد الْجَدِيد؟

يكثر الارتباك والالتباس حول ما يجعل من الْعَهْد الْجَدِيد "جديدًا" حتى إننا يجب أن نحذر من تطرف الجانبين. فمن جانب، يرى مسيحيُّون كثيرون أن عبارة العهد الجديد تعني عهدًا جديدًا تمامًا أو كليًّا. مع ذلك، إن كلمة جديد هي ترجمة للمصطلح العبري حاداش (חָדָשׁ)، والذي لا يعني "جديد تمامًا"، كما توضح نصوص مثل إشعياء 61: 4 وحزقيال 36: 26 وأيوب 29: 20. بل يعني "مُجَدَّد"، أو "مُستحدَث"، أو "مُعاد تأسيسه"، أو "مُعاد تحديثه". أي أن الله لم يعد بعهد جديد كليًّا في إرميا 31.

وعلى الجانب الآخر، قلَّل كثيرون من المسيحيِّين مما هو "جديد" في العهد الجديد إلى الحد الذي يرون فيه القليل جدًا من الاختلافات بينه وبين العهد القديم. على النقيض من هذا الرأي، في الواقع تركز نبوَّة إرميا أكثر على أحد الطرق الرئيسيَّة التي سيختلف بها العهد الجديد. فالله يقول في إرميا 31: 32 أن العهد الجديد "لَيْسَ كَالْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لِأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ".

تركِّز نبوَّة إرميا على أربع سمات للعهد الجديد مما يجعله مختلفًا عن العهد الذي قطعه الله مع إسرائيل من خلال موسى. السمة الأولى، لا يمكن نقض العهد الجديد. في إرميا 31: 32 تحدَّث الله عن العهد مع موسى قائلاً: "نَقَضُوا عَهْدِي". انتهك شعب إسرائيل، جيل بعد جيل، بشكل صارخ ناموس موسى حتى أرسلهم الله في النهاية إلى السبي تحت طغيان الأمم الشريرة والآلهة الزائفة التي عبدوها. لذلك، سيكون العهد الجديد الموعود به مختلفًا لأنه لا يمكن نقضه مثلما حدث مع العهد الذي كان من خلال موسى. ولكن كيف يكون هذا ممكنًا؟ كيف يضمن الله عدم نقض العهد الجديد مطلقًا؟

تكمن الإجابة في سمة الاختلاف الثانية بين العهدين القديم والجديد، وهي أن العهد الجديد يستلزم تحوُّلاً جذريًّا وكليًّا في شعب الله ليصيروا عبيده الأمناء. كما قال الله في إرميا 31: 33: "أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ". فبدلًا من إهمال الوصايا، وعد الله بتغيير شعبه حتى يتمكَّنوا من طاعة وصاياه من كل قلوبهم. هذا التغيير الداخلي لم يكن شيئًا لم يحدث قبلًا قط. فقد دعت نصوص مثل تثنية 10: 16 وإرميا 4: 4 شعب إسرائيل إلى تجاوز ارتباطهم الخارجي بعهود الله إلى الإيمان المُخَلِّص عن طريق ختان قلوبهم وكتابة ناموس الله على قلوبهم. فكل رجل، وامرأة، وطفل في زمن العهد القديم، كان لديه إيمانًا مخلِّصًا مثلما كان لإبراهيم، كان الناموس مكتوبًا على قلبه. فلذا، ما مدى اختلاف تغيير العهد الجديد عمَّا حدث بالفعل على مدار العهد القديم؟

نجد الإجابة في السمة الثالثة وهي أن التغيير الداخلي للعهد الجديد سيختبره كل مَن هو في العهد مع الله. كما يقول إرميا 31: 34 "وَلَا يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ". لقد عرف كثيرون من الشعب في العهد القديم الله، لكن كثيرون لم يعرفوه لأن الأمة برمَّتها نقضت عهد موسى فوقع عليها دينونة السبي. في المقابل، وعد الله بأن كل إنسان في العهد الجديد، "مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ"، سيعرفه من كل قلبه. لكن ما نتيجة هذه النعمة المُخَلِّصة التي أُظهرت لكل إنسان في العهد الجديد؟

نجد النتيجة في سمة الاختلاف الرابعة وهي الرجاء المذهل في أن خطايا شعب الله ستُغفر إلى الأبد. كما نقرأ في إرميا 31: 34 "لِأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلَا أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ". على مدار العهد القديم، سمحت الذبائح الحيوانيَّة لشعب الله باختبار راحة مؤقَّتة من دينونة الله. لكن في المقابل، سيحقِّق العهد الجديد غفرانًا للخطايا دائمًا وأبديًّا. فلا عجب إذن من أن نبوَّة إرميا عن عهد جديد كان يعتز بها المؤمنون في إسرائيل. لقد تاقوا إلى اليوم الذي يتجدَّد فيه عهد علاقتهم مع الله. وتطلعوا إلى الوقت الذي سيتغيَّر فيه شعب الله بأكمله ليصيروا عبيدًا أمناء ولتُغفر خطاياهم إلى الأبد.

كيف تحقَّق العهد الجديد في المسيح؟

تُعلِّم أسفار العهد الجديد بكل وضوح في العديد من المواضع أن العهد الجديد المذكور في إرميا 31 قد تحقَّق في المسيح. لكن من الواضح أن الرب يسوع لم يحقِّق بعد كل عنصر من هذا النص. على سبيل المثال، لا أحد منا يطيع ناموس الله بشكل كامل في هذه الحياة. ونعلم أيضًا أن هناك أعداد غفيرة يُحسبون على شعب الله في العهد الجديد ولم ينالوا النعمة المخَلِّصة قط. وتعلِّمنا أسفار العهد الجديد أن يدعو كل منا الآخر ليعرف الرب وأن نصلي كل يوم من أجل غفران خطايانا.

كيف يمكن أن يكون هذا صحيحًا إن كان الرب يسوع حقَّق نبوَّة إرميا؟ توضِّح أسفار العهد الجديد أن الرب يسوع حقَّق توقُّعات العهد الجديد في ثلاث مراحل لملكوته المسياني.

أولاً، تأسَّس العهد الجديد بالمجيء الأول للمسيح. في هذه المرحلة من التاريخ، حقَّق المسيح العديد، وليس الكل، من توقُّعات العهد الجديد. ففي خدمته لله، أكمل المسيح متطلِّبات الناموس الأخلاقي ودفع ثمن عقوبة عصياننا بموته على الصليب. ونتيجة لذلك، كل مَن يثق بالمسيح من أجل الخلاص يتبرَّر وتُغفر خطاياه إلى الأبد وتسقط من قضاء محكمة الله السماويَّة. هذا هو الحق المذهل الذي شدَّد عليه الرب يسوع حين قال لتلاميذه: "هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ" (لوقا 22: 20).

ثانيًا، يمتد ما نطلق عليه استمراريَّة عصر العهد الجديد عبر تاريخ الكنيسة منذ بداية مُلك المسيح من السماء وإلى أن يضع جميع أعداءه تحت قدميه. خلال هذه الفترة، تتحقَّق الكثير، ولكن أيضًا ليس الكل، من توقُّعات العهد الجديد مع الكرازة بالإنجيل حول العالم. نقرأ في عبرانيين 9: 15 أن المسيح "وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ، لِكَيْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّونَ ... يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الْأَبَدِيِّ". فبصفته القائم عن يمين الآب، يخدم الرب يسوع وسيطًا للعهد الجديد. وبصفته وسيطنا في هذا العهد، يضمن الرب يسوع لأتابعه إمكانيَّة الوصول إلى الآب ونوال نعمته الحافظة.

أخيرًا، سيصل عصر العهد الجديد إلى اكتماله في ملكوت المسيح بمجيئه الثاني. في ذلك الوقت، سيتحقَّق جميع الوعود المرتبطة بالعهد الجديد. وسيصير جميع شعب الله عبر الأزمان كاملين في خدمة أمانتهم لله. وأكثر من ذلك، سنرى نتائج غفراننا الأبدي في المسيح، "سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً " (رؤيا 21: 1) حين يصنع الله "كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا" (رؤيا 21: 5).

فلا عجب إذن أن أتباع المسيح يحبُّون الحديث عن العهد الجديد. فمنذ خدمة المسيح الأرضيَّة، تمتَّع شعب الله ببركات عديدة هي ثمار هذا العهد الجديد. ونحن نعيش كل يوم من حياتنا بلهفة الرجاء أنه حين يعود المسيح في مجده سنتمتع بملء هذا العهد الجديد إلى الأبد.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

ريتشارد برات
ريتشارد برات
الدكتور ريتشارد برات الابن هو مؤسس ورئيس هيئة خدمات الألفيَّة الثالثة. وهو مؤلف العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب "أعطانا الله قصص" (He Gave Us Stories).