وُلد من مريم العذراء - خدمات ليجونير
التعليم المزيف وسلام ونقاء الكنيسة
۱۹ فبراير ۲۰۲۰
انتهاء القديم وحلول الجديد
۱۰ مارس ۲۰۲۰
التعليم المزيف وسلام ونقاء الكنيسة
۱۹ فبراير ۲۰۲۰
انتهاء القديم وحلول الجديد
۱۰ مارس ۲۰۲۰

وُلد من مريم العذراء

مع اللاهوتي والفيلسوف العظيم أنسيلم أسقف كانتربيري (Anselm of Canterbury) نسأل السؤال: لماذا الله المتجسِّد؟ ("?Cur deus homo"). عندما ننظر إلى الإجابة الكتابيَّة على هذا السؤال، نرى أن الهدف من تجسُّد المسيح هو إنجاز عمله باعتباره الوسيط الذي عيَّنه الله. نقرأ في 1 تيموثاوس 2: 5: "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ...". يذكر الكتاب المقدس الكثير من الوسطاء. والوسيط هو شخص يقف بين طرفين منفصلين ويحتاجان إلى المصالحة. لكن عندما كتب بولس إلى تيموثاوس عن الوسيط الواحد، الوسيط الوحيد، فإنه يشير إلى ذلك الوسيط الذي هو الشفيع الأسمى والأعظم بين الله والبشر الساقطين في الخطية. هذا الوسيط، يسوع المسيح، هو حقًا الله المتجسِّد.

في القرون الأولى للكنيسة، مع وجود منصب الوسيط وخدمة المصالحة، كان على الكنيسة أن تتعامل مع الحركات المهرطقة التي كانت تزعزع توازن شخصية المسيح هذه كوسيط. إن وسيطنا الوحيد، الذي يقف كشخص لمصالحة الله والإنسان، هو ذاك الذي يشترك في كل من الطبيعة الإلهيَّة والطبيعة البشريَّة. في إنجيل يوحنا، نقرأ أن اللوجوس الأزلي، الكلمة، هو مَن صار جسدًا وحلَّ بيننا. إن الأقنوم الثاني في الثالوث هو مَن أخذ على نفسه الطبيعة البشريَّة ليتمم فدائنا. في القرن الخامس، في مجمع خلقدونية عام 451، كان على الكنيسة أن تحارب تعاليم شريرة تُدعى هرطقة الطبيعة الواحدة (Monophysite). إن مصطلح Monophysite مشتق من البادئة mono والتي تعني "واحد"، ومن الجذر phusis، والذي يعني "طبيعة" أو "جوهر". علَّم المهرطق أوطاخي (Eutyches) بأن المسيح كان له طبيعة واحدة في التجسُّد، والتي أسماها "بالطبيعة الثيانثروبيك" (theanthropic nature). إن هذه الطبيعة (والتي تجمع بين كلمة theos، التي تعني الله، وكلمة anthropos، التي تعني "إنسان") تقدِّم لنا مخلِّصًا هجينًا، عند الفحص الدقيق يُرى على أنه ليس إلهًا ولا إنسانًا. حجبت هرطقة الطبيعة الواحدة التمييز بين الله والإنسان، مما يعطينا إنسانًا تم تأليهه أو إلهًا تحول إلى إنسان. على خلفية هذه الهرطقة، أصر قانون الإيمان الخلقدوني على أن المسيح يمتلك طبيعتين متميِّزتين، إلهيَّة وبشريَّة. فهو vere homo (إنسان حقًا) وvere Deus (إله حقًا). هاتان الطبيعتان متحدتان في سر التجسُّد، ولكن من المهم، بحسب المسيحيَّة القويمة، أن نفهم أن الطبيعة الإلهيَّة للمسيح تعني أنه إله كامل والطبيعة البشريَّة تعني أنه إنسان كامل. فهذا الشخص الواحد الذي له طبيعتان، إلهيَّة وبشريَّة، كان ملائمًا تمامًا ليكون وسيطنا بين الله والناس. كان قد أعلن مجمع كنسي سابق، مجمع نيقية عام 325، أن المسيح أتى "من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا". أي أن إرساليته كانت أن يصالح الانفصال الذي حدث بين الله والبشر.

من المهم أن نلاحظ أنه لكي يكون المسيح وسيطنا الكامل، فإن التجسُّد لم يكن اتحادًا بين الله وملاك، أو بين الله ومخلوق حيواني مثل الفيل أو الشامبانزي. فإن المصالحة التي كانت مطلوبة كانت بين الله والبشر. في دوره كوسيط وبصفته الله المتجسِّد، شغل يسوع منصب آدم الثاني، أو ما دعاه الكتاب المقدس آدم الأخير. فقد دخل في تضامن مشترك مع إنسانيَّتنا، فكان ممثِّل عنَّا مثل آدم في تمثيله. يذكر بولس، على سبيل المثال، في رسالته لأهل رومية المقابلة بين آدم الأول ويسوع بصفته آدم الثاني. في رومية 5، الآية 15 يقول: "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ!". نلاحظ هنا المقابلة بين الكارثة التي وقعت على الجنس البشري بسبب عصيان آدم الأول والمجد الذي يأتي للمؤمنين بسبب طاعة المسيح. يقول بولس في الآية 19: "لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا". شغل آدم دور الوسيط، وفشل في مهمته فشلاً ذريعًا. تم تصحيح هذا الفشل من خلال النجاح الكامل للمسيح، الله المتجسِّد. نقرأ في رسالة بولس لأهل كورنثوس هذه الكلمات: "هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا». لكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلًا بَلِ الْحَيَوَانِيُّ، وَبَعْدَ ذلِكَ الرُّوحَانِيُّ. الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضًا، وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا. وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ". (1كورنثوس 15: 45-49).

هكذا نرى الهدف من المجيء الأول للمسيح. لقد أخذ اللوجوس لنفسه الطبيعة البشريَّة، فالكلمة صار جسدًا ليحقِّق فدائنا عن طريق إتمام دور الوسيط الكامل بين الله والإنسان. آدم الجديد هو بطلنا، هو ممثِّلنا، الذي أوفى متطلِّبات الناموس الإلهي عنَّا وربح لنا البركة التي وعد بها الله مخلوقاته إن أطعنا ناموسه. مثل آدم، فشلنا في طاعة الناموس، ولكن آدم الجديد، وسيطنا، أتمَّ الناموس بشكل كامل من أجلنا، وربح لنا تاج الفداء. هذا هو أساس الفرح في عيد الميلاد.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.