طوبى للحزانى
۱۱ مايو ۲۰۲۱ملك من بيت لحم
۱۳ مايو ۲۰۲۱العيش في ضوء الصليب
مثل العديد من المؤمنين المُصلِحين، أحمد الله لأجل نعمته العظيمة، ليس فقط من أجل خلاصي، ولكن لأنه أحضرني لاحقًا لمعرفة عقيدة النعمة. أتذكَّر بوضوح عندما أتيت أخيرًا لرؤية كيف يُعلِّم الكتاب المُقدَّس عن سيادة الله في كل الأمور: أنني وُلدت ثانيةً قبل هذا الحدث بسنوات، لا بقراري الشخصي (يوحنا 1: 13) ولكن من قِبَل إله يحبني (أفسس 2: 4) وقد برَّرني بالنعمة وحدها بواسطة الإيمان وحده في المسيح وحده (2: 8)؛ وأنه يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته (1: 11)؛ وأن حياتي ومستقبلي آمنان في يده (يوحنا 10: 28). حتى أنني تعلَّمت أن أرنِّم بفرحٍ: "ما أعجب المحبة! كيف يمكن أن يكون هذا، أن تموت أنت يا إلهي من أجلي؟" ومع ذلك، لسنوات عديدة سمحت لإيماني المُصلح الذي وجدته حديثًا، بل وحتى لصليب المسيح، أن يدعم كبرياء روحي خاطئ وسام. بدلًا من أن أتواضع وأنمو في محبَّتي للآخرين في جسد المسيح، تفاخرت بتفوُّقي اللاهوتي. سيستغرق الأمر سنوات عديدة من عمل التقديس للروح القدس ليظهر لي ما تبقَّى من انكسار وضعف فيَّ وأن تفيض المحبة العجيبة لمُخلِّصي المصلوب من حياتي نحو المكسورين والضعفاء والمجروحين من حولي.
يؤكِّد الكتاب المُقدَّس بوضوحٍ ما نعرف أنه حقيقي من خلال الإعلان العام: أن الحياة على هذا الجانب من المجد سمتها الضعف. الشوك، والحسك، وعرق اللعنة (التكوين 3) يؤثِّرون في كل شخص. حتى بعدما تبرَّرنا بنعمة الله وحدها بواسطة الإيمان وحده (رومية 3: 24-25)، وحتى بعد أن نلنا الخلاص بقوَّة كلمة الصليب (1 كورنثوس 1: 18)، نئن في الداخل في جسد ضعفنا هذا منتظرين فداء أجسادنا (رومية 8: 23). وبينما ننتظر، نحتاج أن نتهيَّأ للخدمة وسط عالم ساقط كجزء من جسد واحد متحد للرب يسوع المسيح (أفسس 4: 12)، الذي وُعِد بأن يكون "نُورًا لِلأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ" (إشعياء 42: 6-7).
للأسف، غالبًا ما تحتاج عيوننا إلى الانفتاح على ما يدور حولنا والعمل الذي يدعونا الله للقيام به. فبدلًا من الافتخار بالمعرفة اللاهوتيَّة الفائقة، يحثنا روح الله قائلًا: "شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ" (1 تسالونيكي 5: 13). في الحقيقة، ألسنا نحن الذين نعيش في ضوء الصليب الأداة التي يصل بها الله للضعفاء؟ إن وصايا سلوكنا واضحة: "لأَنَّهُ يُنَجِّي الْفَقِيرَ الْمُسْتَغِيثَ، وَالْمِسْكِينَ إِذْ لاَ مُعِينَ لَهُ. يُشْفِقُ عَلَى الْمِسْكِينِ وَالْبَائِسِ، وَيُخَلِّصُ أَنْفُسَ الْفُقَرَاءِ" (مزمور 72: 12-13) و"صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ" (1كورنثوس 9: 22).
جاءت نقطة تحوُّل في حياتي الشخصيَّة بعد أن بدأت في العمل بين "المساكين والفقراء" في سجن مقاطعتنا كقسيس بدوام جزئي. بينما كنت لسنوات مثل مسيحي أفسس الموصوفين في رؤيا 2 والذين تمكَّنوا من التعرُّف بسرعة على الهرطقة اللاهوتيَّة ولكنَّهم افتقروا إلى المحبَّة، فإن الخدمة في سجن المقاطعة فتحت عيني لأرى الطرق العمليَّة التي ينطبق بها عمل المسيح المكتمل وروحه القدير في أكثر حالات الانكسار والضعف والضلال والألم.
يبرز يومًا معينًّا في ذهني عندما التقيت بشاب من أمريكا الوسطى كان قد قُبض عليه للتو بتهمةٍ خطيرة للغاية، وهي تهمة يمكن أن تصيب الأشخاص "المحترمين" بالنفور وهي تهمة خطيرة بما يكفي لوضعه تحت المراقبة لئلًا يقوم بالانتحار. أحضرت له نسخةً من الكتاب المُقدَّس باللغة الإسبانيَّة، وفتحت مَثَل الفريسي والعشار (لوقا 18: 9-14)، وشجَّعته على قراءته بصوتٍ عالٍ. مع كون الكتاب المُقدَّس مسنودًا على قضبان باب زنزانته، شاهدت الدموع تنهمر على وجهه حتى أغرقت صفحات إنجيل لوقا. تمامًا مثل العشار، صرخ من قلبٍ مكسور: "اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ". لقد كانت لحظة مُقدَّسة، عمل عظيم لروح الله إذ رجع الشاب إلى سريره في تلك الليلة مُبرَّرًا، وذهبت أنا إلى المنزل متأثِّرًا بشدة. لقد أدركت من جديد أنه أمام صليب المسيح، أصبح هذا الرجل وأنا الآن جزءًا من نفس الجسد الروحي: خطاة ضعفاء ومجروحين، بلا رجاء وبحاجة إلى النعمة. ولكن الآن، في المسيح يسوع، نحن الذين كنَّا قَبْلًا بَعِيدِين، صِرْنا قَرِيبِين بِدَمِ الْمَسِيحِ (أفسس 2: 13).
في الأسبوع الماضي، أرسل مؤمن حديث آخر في السجن إخطارًا أنه بحاجة إلى "الاعتراف بشيء ما". أوَّل فكرة خطرت لي كانت أنه لديه بعض بقايا من الكنيسة الكاثوليكيَّة، ولكن عندما التقينا أخيرًا، اعترف باتضاع أنه لم يكن صادقًا معي في مسألة معينَّة، وأنه لا يستطيع النوم قبل أن يطلب منِّي العفو، وأنه تساءل عمًّا إذا كان مسيحي على الإطلاق. يا له من فرح ملأ قلبي لرؤية عمل المسيح المكتمل وقوَّة الروح القدس واضحة في هذا المسيحي الجديد. فتحت الكتاب المُقدَّس لأؤكد له من رسالة رومية كيف أن صراعه هو ثمر تبريره. فهو يعيش الآن حياة جديدة، وهذه المعركة في قلبه كانت جزءًا من الحياة المسيحيَّة العاديَّة (رومية 6-7). أريته كيف أن عمل سكنى الروح القدس (الإصحاح 8) يدفعه إلى الاعتراف بخطاياه. أكَّدت له أنَّني سامحته، وأنه يجب أن يتشجَّع بيقين خلاصه بسبب دم المسيح المسفوك على الصليب (3: 24-25)، ووعد الإنجيل (10: 13)، وعمل التبكيت القوي الحاضر للروح القدس.
في ضوء الصليب ومحبَّة المسيح لي، يبكِّتني الروح القدس كثيرًا بالتحذير المُقدَّم لرعاة إسرائيل:
الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ. (حزقيال 34: 4)
هل التعاطف مع الضعفاء، والضالين، والمحتاجين صفة عامة في كنائسنا المُصلَحة؟ أصلِّي أن تكون هكذا في كنائسنا، ولهذا أصلِّي بانتظام من أجل نفسي قائلًا: "يا رب افتح عيني وليِّن قلبي نحو كل نفس تضعها في طريقي – بغض النظر عن هُويَّتهم، أو ما فعلوه، أو مقدار ضعفهم". هذا جزء ممَّا يعنيه العيش في ضوء الصليب.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.