العيش في ضوء الصليب
۱۲ مايو ۲۰۲۱إلهنا المُثلَّث الأقانيم
۱٤ مايو ۲۰۲۱ملك من بيت لحم
وفقًا للأسطورة، يقبع الملك آرثر في جزيرة أفالون الغامضة في انتظار العودة لإنقاذ بريطانيا في أشد أوقاتها احتياجًا. في يوم من الأيام، أحلك الأيام، سيظهر "ملك بريطانيا الوحيد في المستقبل". بالطبع آرثر شخصيَّة أسطوريَّة. لكن ميخا النبي عرف ملك حقيقي، أصله "مُنْذُ الْقَدِيمِ" سيأتي بشكلٍ غير مُتوقَّعٍ ليُخلِّص شعبه.
تحدَّث ميخا وهو أحد معاصري إشعياء، بكلمة الله لإسرائيل في وقتٍ كان فيه خطر عظيم. بسبب خطيَّة كل من السامرة (مملكة إسرائيل الشماليَّة) ويهوذا (المملكة الجنوبيَّة)، سيُلاقي شعب إسرائيل هجومًا مدمِّرًا. ستكتسح الإمبراطوريَّة الآشوريَّة القوَّية وتغلب شعب الله – ستُترك السامرة "خَرِبَةً فِي الْبَرِّيَّةِ" (ميخا 1: 6)، وستأتي كارثة حتى "إِلَى بَابِ أُورُشَلِيمَ" (آية ١٢). وأُلقى الكثير من اللوم على عاتق قادة إسرائيل.
أصبح هؤلاء القادة، وهم أبعد ما يكون عن حماية شعبهم وإعالته، أشبه بأكلي لحوم البشر، يقتلون ويلتهمون. فهم "يَأْكُلُونَ لَحْمَ شَعْبِي، وَيَكْشُطُونَ جِلْدَهُمْ عَنْهُمْ، وَيُهَشِّمُونَ عِظَامَهُمْ، وَيُشَقِّقُونَ كَمَا فِي الْقِدْرِ، وَكَاللَّحْمِ فِي وَسَطِ الْمِقْلَى" (3: 3). لا عجب أن النبي إرميا بعد سنوات يُلخِّص رسالة ميخا باقتباس واحد من أكثر نبوَّاته المُحذِّرة:
إِنَّ مِيخَا الْمُورَشْتِيَّ تَنَبَّأَ... إِنَّ صِهْيَوْنَ تُفْلَحُ كَحَقْل وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا وَجَبَلُ الْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ. (إرميا 26: 18 مُقتبسًا ميخا 3: 12)
لهذا العالم المُظلم والخطير، لم يتكلَّم ميخا بكلمات دينونة فحسب، بل بكلمات رجاء أيضًا. في الآية التي نتناولها، يتمركز هذا الرجاء حول مكان متواضع وملك سماوي.
مكان متواضع:
"أَمَّا أَنْتِ..." بهذه الكلمات يبدأ ميخا الاخبار السارة. فالسامرة مُحطَّمة، وأورشليم خَرِبَة، ولكن لشخصٍ ما يوجد رجاء. العجيب أن هذا "الشخص" ليس بإنسانٍ بل مكان: بيت لحم أفراتة. "فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ".
بدلًا من أورشليم العظيمة، عاصمة يهوذا، بقصرها الملكي، سيأتي الملك المُخلِّص من بيت لحم المتواضعة. لم يكن لبيت لحم وجود فهي بلدة صغيرة تقع إلى الجنوب الغربي من أورشليم. ومع ذلك، في وقت ما خلال الأعوام 700-730 قبل الميلاد، تنبَّأ ميخا بأن هذه القرية المُنعزلة ستكون مسقط رأس المَسيَّا.
وتحقَّقت النبوَّة، إذ نقرأ في إنجيل متى أنه: "وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ" (2: 1). وبحسب عناية الله، أصدر الإمبراطور الروماني أمرًا بأن يعود كل مواطن إلى مسقط رأسه. وهكذا غادر كل من مريم ويوسف الناصرة للسفر إلى بيت لحم. ربما كان الإمبراطور يخطِّط لإحصاء الشعب، لكن الله كان يضمن أن كلمته من خلال ميخا ستتحقَّق.
تمامًا كما في أيام ميخا، كان لإسرائيل حاكم شرير جشع. فقد تبيَّن أن هيرودس الكبير هو من "الملوك آكلي لحوم البشر" عندما أمر بذبح جميع الأطفال الذكور في بيت لحم، وكان والده هيرودس أنتيباس هو الذي قدَّم فيما بعد رأس يوحنا المعمدان على طبقٍ. ولكن في وسط الظلمة جاء الملك. في الواقع، تم اقتباس نبوَّة ميخا عندما سأل هيرودس رؤساء الكهنة والكتبة عن المكان الذي من المُفترض أن يُولَد فيه المَسيَّا. فَقَالُوا لَهُ: "فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ" (متى 2: 5).
ملك سماوي:
لكن ميخا يُخبرنا بما هو أكثر من مُجرَّد مسقط رأس هذا الملك. يخبرنا أيضًا عن أُصول عائلته. فهذا الملك "مَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ". ماذا يخبرنا ميخا عن المسيح؟
نظرًا إلى أن النبوَّة مُوجَّهة إلى بيت لحم، فمن المحتمل أنها في المقام الأوَّل إشارة إلى أشهر أبناء تلك المدينة. وُلدَ الملك داود، الأب المُؤسِّس لسلالة إسرائيل الملكيَّة، في بيت لحم قبل سنوات عديدة من نبوَّة ميخا. سيكون الحاكم المستقبلي من هذا الأصل: يسوع هو من نسل داود، الملك منذ القديم. لديه دم ملكي قديم.
لكنِّي أعتقد أن ميخا يُخبرنا بما هو أكثر من ذلك. فأُصول المسيح أقدم بكثير من داود، أو إبراهيم، أو حتى الخليقة نفسها. يُخبرنا مزمور 74: 12 بأن "اللهُ مَلِكِي مُنْذُ الْقِدَمِ"، مُستخدمًا نفس التعبير الذي استخدمه ميخا في وصفه للمسيح. يُلمِّح ميخا إلى أن أُصول المسيح ليست فقط داوديَّة بل أيضًا إلهيَّة. فهو الله الابن، ومثل الله ليس له بداية. فهو كائن منذ الأزل.
لذلك، بعيدًا عن أروقة السلطة، وُلدَ يسوع المسيح في بيت لحم، وهو من نسل داود من خلال يوسف والده بالتبنِّي. لقد جاء الله بنفسه ليحكم ويُخلِّص. بدا مُتواضعًا. كما كانت مسقط رأسه منكوبة. ولكن هذا هو دائمًا أسلوب الله: من خلال جهالة وضعف رسالة الصليب يأتي الخلاص من الخطيَّة – والخطيَّة تهديد أكبر بكثير من الأشوريِّين الذين ذكرهم ميخا. كم هي ملائمة أن تعني كلمة "بيت لحم" "بيت الخبز". مكان ميلاد مناسب لمن جاء لإطعام شعبه، على عكس هيرودس وملوك آكلي لحوم البشر في أيام ميخا. فخبز الحياة يرقد في مذود، حوض علف، في بيت الخبز.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.