التبرير بالإيمان وحده - خدمات ليجونير
فرح وسط الجماعة
۲۰ أبريل ۲۰۲۱
الخوف من الموت
۲۲ أبريل ۲۰۲۱
فرح وسط الجماعة
۲۰ أبريل ۲۰۲۱
الخوف من الموت
۲۲ أبريل ۲۰۲۱

التبرير بالإيمان وحده

عادت احتفالات عام 2017 بالذكرى السنويَّة الخمسمائة للإصلاح إلى موضوع التبرير بالإيمان وحده، الذي يُعد أحد أهم عقائد الإصلاح المُعاد اكتشافها. هذا الموضوع مهم للغاية لدرجة أنَّنا لا نستطيع الإلمام به كليًّا هنا. إنَّما من جانب آخر، بداخلي جزء يتساءل لماذا يبدو أنَّنا نواجه الكثير من المعضلات لفهم عقيدة بالغة الأهميَّة وللتمسُّك بها. فهل العقيدة مُعقَّدة حتى إنَّنا لا نتذكَّرها؟ هل تعاليم الكتاب المُقدَّس عنها غامضة حتى إنَّنا لا نستطيع ادراكها وفهمها؟

في الواقع، إن الكتاب المُقدَّس واضح تمامًا والعقيدة بسيطة نسبيًّا. فلماذا تغافل الكثيرون في الكنيسة عنها قبل الإصلاح وبعده؟ لماذا يفترض بعض علماء الكتاب المُقدَّس البروتستانت أن الكتاب المُقدَّس ليس واضحًا أو أن مارتن لوثر وجون كالفن أخطآ فيما يُعلِّمه بولس؟ لماذا يتنازل بعض اللاهوتيِّين البروتستانت عن العقيدة أو يشوِّهونها؟ لماذا لا يرى بعض قادة الكنيسة البروتستانتيَّة أي اختلافات خطيرة بين وجهات نظرهم بشأن التبرير وتلك الخاصة بالكنيسة الكاثوليكيَّة؟ بالطبع، كُتب العديد من الكتب للإجابة عن هذه الأسئلة، ولكن الإجابة سهلة على مستوى ما: إن الفشل في تبنِّي عقيدة الإصلاح للتبرير بالإيمان هو مشكلة روحيَّة -فشل روحي خطير للغاية. إنه فشل في الاستيعاب الكامل لتعاليم الكتاب المُقدَّس عن الله، والمسيح، والخطيَّة، والنعمة، والإيمان، والسلام مع الله. إن المشكلة الروحيَّة لأولئك الرافضين لعقيدة التبرير الكتابيَّة التي استعادها الإصلاح تتمثَّل في أنهم لا يُقدِّمون كل المجد لله. هم يؤمنون بضرورة إسهامهم ومشاركتهم، مهما بدت صغيرة، في تبريرهم. فهم لا يكتفون بالمسيح وحده ونعمته وحدها.

لم يفهم مارتن لوثر التبرير إلا بعد أزمة روحيَّة في حياته. وجون كالفن استوعبها بعد إيمانه. فلكليهما أظهرت دراسة الكتاب المُقدَّس طبيعة عمل المسيح ودور الإيمان في قَبُول رحمته، وما يتمتَّع به المؤمن من سلام الضمير.

بالنسبة للوثريِّين، يُطلق على العقيدة عبارة بليغة في إقرار إيمان أوجسبورج (1530)، حيث يقول البند الرابع:

ويُعلَّم بيننا أيضًا أنه لا يمكننا الحصول على غفران الخطايا والبر أمام الله باستحقاقنا، أو أعمالنا، أو مجهوداتنا، لكنَّنا ننال غفران الخطايا ونصير أبرارًا أمام الله بالنعمة، وبفضل المسيح، وبواسطة الإيمان، حين نؤمن أنَّ المسيح قد تألَّم من أجلنا وبفضله غُفرت خطايانا ونلنا البر والحياة الأبديَّة. فإن الله يعدُّ هذا الإيمان ويحتسبه برًا، كما يقول بولس في رومية 3: 21-26 و4: 5.

كما كتب جون كالفن بوضوح وغيرة عندما كان شابًا في الخامسة والعشرين من عمره عن هذه العقيدة في الفصل الأول من كتابه "أسس الدين المسيحي" الصادر عام 1536:

إن بر المسيح، الذي وحده يمكنه أن يحتمل رؤية الله لأنه وحده البر الكامل، يجب أن يمثل أمام قضاء الله نيابة عنَّا، ويقف كضامن من أجلنا في يوم الدينونة. هذا البر، الذي نلناه من الله، جاء إلينا واحتُسب لنا، كما لو أنَّه برنا (القسم 1، الفصل 32).

وقد أضاف كالفن إلى هذا الكتاب الكثير في عام 1541 وخصَّص فصلًا كاملًا لعقيدة التبرير. كتب فيه أن التبرير:

يعد التعليم الأساسي في الديانة المسيحيَّة، لذا على كل مؤمن بذل الكثير من الجهد والاهتمام بمعرفة العقيدة. لأننا إذا كنَّا نجهل بمشيئة الله نحونا، فنحن بلا أسس نقيم عليه خلاصنا وغير مبنيِّين على التقوى ومخافة الله (القسم 1، الفصل 6).

نرى هنا كيف شدَّد كالفن على كلا الجانبين الموضوعي والشخصي للتبرير. فموضوعيًّا، نحن في الواقع تصالحنا مع الله بعمل المسيح، الذي يناله الخاطئ بالإيمان وحده. أما شخصيًّا، عندما نفهم التبرير، نختبر السلام مع الله وثقة تنمو في العيش من أجل الله. بكل تأكيد تعد هذه العقيدة مركزيَّة تمامًا للإيمان المسيحي وحياته.

وجد المُصلِحون عقيدة التبرير هذه في مواضع عديدة من الكتاب المُقدَّس، لكنَّهم أدركوا أن بولس الرسول هو مَن قدَّمها بوضوحٍ خاص في رسالته إلى أهل رومية. بينما تتعرَّض رسالة رومية لمسائل عميقة وصعبة من حين لآخر، فإن الخط الرئيسي لرسالة بولس واضح ومباشر. يمكننا أن نرى بساطة هذا الخط الرئيسي من خلال إبراز العناصر الرئيسيَّة لتعليمه:

لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ. (3: 10)

الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ. (3: 23)

بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لَا يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. (3: 20)

ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالْأَنْبِيَاءِ، 22بِرُّ اللهِ بِالْإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. (3: 21-22)

[نحن] مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالْإِيمَانِ بِدَمِهِ. (3: 24-25)

فَأَيْنَ الافْتِخَارُ؟ قَدِ انْتَفَى. (3: 27)

أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلَا تُحْسَبُ لَهُ الْأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. وَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْمَلُ، وَلَكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرًّا. (4: 4-5)

لِهَذَا هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيدًا لِجَمِيعِ النَّسْلِ [أي نسل إبراهيم]. (4: 16).

وَلَا بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ [إبراهيم] فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالْإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا لِلهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. (4: 20-21)

فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالْإِيمَانِ لَنَا سَلَامٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالْإِيمَانِ، إِلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. (5: 1-2)

وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لِأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لِأَجْلِنَا. (5: 8)

إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالْأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ! (5: 15)

فلذا توضِّح عقيدة التبرير عند بولس الاتي: (1) كل البشر خطاة، وعاجزون عن خلاص أنفسهم؛ (2) عمل يسوع الكامل وحده ما يخلِّص الخطاة؛ (3) الإيمان وحده -وليس الأعمال على الإطلاق- يقبل الخلاص كنتيجة لعمل الرب يسوع؛ (4) الله في المسيح ينال كل المجد على التبرير؛ (5) هذا التبرير يسكب سلامًا في قلب المؤمن وذهنه.

في خضم احتفالاتنا بالإصلاح، دعونا لا نتغافل عن التعليم الأساسي والبسيط: "اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ... لِأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ" (2 كورنثوس 5: 19-21). هذه هي رسالة الإنجيل التي يحتاجها العالم أجمع. إنها عينها الرسالة التي تحتاجها كل كنيسة وكل قلب مسيحي. فلنسر بها ونعلِّمها بوضوحٍ وأمانة من عامٍ لعام.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

روبرت جودفري
روبرت جودفري
الدكتور روبرت جودفري هو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير والرئيس الفخري لكليَّة وستمنستر للاهوت في كاليفورنيا والأستاذ الفخري لتاريخ الكنيسة بها. وهو الأستاذ المُميَّز في سلسلة ليجونير التعليميَّة المُكوَّنة من ستَّة أجزاء بعنوان "مسح شامل لتاريخ الكنيسة" A Survey of Church History. تشمل كتبه العديدة "رحلة غير مُتوقَّعة" An Unexpected Journey، و"تعلَّم أن تُحبَّ المزامير" Learning to Love the Psalms.