قضيب يهوذا - خدمات ليجونير
الحالة الوسطيَّة
۸ نوفمبر ۲۰۲۱
اكتشاف دعوة الله والوكالة الأمينة عليها
۲۰ مايو ۲۰۲۲
الحالة الوسطيَّة
۸ نوفمبر ۲۰۲۱
اكتشاف دعوة الله والوكالة الأمينة عليها
۲۰ مايو ۲۰۲۲

قضيب يهوذا

لا شك أن الحكم الملكي في العهد القديم بلغ أوجَه بقيام المملكة الداودية. والأمر الواضح بالقدر نفسه هو أن الوعد بالحُكم الملكي لم يبدأ مع داود، لكنه يعود حتى إلى أيام إبراهيم. تذكَّر جيدًا وعد الرب لإبراهيم قائلًا: "وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ" (تكوين 17: 6)، ذلك الوعد ذاته الذي تكرَّر مع يعقوب (تكوين 35: 11). وهذا الوعد بالمُلك اتخذ شكلًا بارزًا وواضحًا في كلمات يعقوب الأخيرة إلى أبنائه، التي وردت في تكوين 49، حيث نطق ببركة التسلُّط والسيادة ليهوذا. فدعونا نتناول هذه البركة التي نطق بها يعقوب، وكيف أنبأت بقيام الحُكم الملكي على شعب الله.

في الآية الثامنة من تكوين 49، وُعِد يهوذا بأن يكون موضوع حمد، وبأن يتمتع بالسلطان على العالم أجمع. ثم تواصل الآية 9 هذا الوصف لحُكم يهوذا، بوصفه بكلمات نابضة بالحياة بأنه جرو أسد، اصطاد فريسته، ثم عاد بصيده إلى عرينه، وربض بقوة حتى لم يجرؤ أحد على مقاومته.

قاد ذلك إلى التشبيهات المثيرة التي جاءت في الآية 10. فقد ربط يعقوب رمزين للحُكم الملكي بيهوذا، وهما: "القضيب" [الصولجان] (العدد 24: 17؛ إشعياء 11: 4؛ مزمور 45: 6؛ زكريا 10: 11)، و"المشترع" [عصا الحاكم] (العدد 21: 18؛ مزمور 60: 7). وعبارة "مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ" هي تعبير مخفَّف عن العضو الذكري (قضاة 3: 24؛ 1صموئيل 24: 3؛ إشعياء 7: 20)، وعليه، فهي تشير إلى نسل وذرية يهوذا. بتعبير آخر، سيظل شخص من نسل يهوذا دائمًا الحاكم القومي لشعب الله. وسيظل هذا قائمًا "حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ" (تكوين 49: 10).

جذبت شخصية "شيلون" اهتمام الباحثين واللاهوتيين عبر العصور، واقتُرحِت العديد من التفسيرات المختلفة له. فالبعض رأوا أن كلمة "شيلون" (Shiloh) ليست كلمة واحدة، بل الجزء الأول منها (sh) هو ضمير موصول، والجزء الثاني (loh) معناه "له". وبالتالي، يمكن أن تُقرَأ الآية كالتالي: "حتى يأتي الذي ينتمي هذا [القضيب/المشترع] إليه". آخرون يرون أن الجزء الأول من الكلمة (sh) إشارة إلى الاسم العبري النادر shay، الذي معناه "الإكرام" أو "الإجلال". وبالتالي، يمكن أن تُقرَأ الآية كالتالي: "حتى يقدَّم إليه [أي إلى يهوذا] الإكرام". الخيار التفسيري الثالث هو أن "شيلون" إشارة إلى الاسم الشخصي لابنٍ استثنائي من نسل يهوذا سيأتي في المستقبل. قُدِّمت تفسيرات أخرى، لكن هذه التفسيرات الثلاثة هي الخيارات الأكثر شيوعًا. وبغض النظر عن الرأي الصحيح، تشترك هذه التفسيرات الثلاثة في فكرة مشتركة، ألا وهي أن إنسانًا عظيمًا وفائقًا من نسل يهوذا سوف يقيم سلطانًا لن يكون قاصرًا على إسرائيل وحدها، وإنما "لَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" (الآية 10).

مع أن أيَّ خيار من هذه الخيارات المسيانية الثلاثة محتمَلٌ، فإنني أميل إلى الرأي الذي يرى أن "شيلون" إشارة إلى اسم شخص. فالجذر العبري لهذه الكلمة (SH-L-H) يرد بصورة متكررة في العهد القديم بمعنى "راحة، سكون، سلام". وعليه، يمكن أن نستنتج أن "شيلون" شخص هو في جوهره رئيس سلام (انظر إشعياء 9: 6). ويواصل تكوين 49: 11-12 وصفه للرخاء والنعيم والسلام الذي سيجلبه هذا الشخص. فالحُكم الشامل لشيلون سوف ينتج عنه رخاء مملكته، حيث ستكثر الكروم إلى حدِّ أن الحمير ستُربَط بها بدلًا من السياج. ولن تكون هناك حاجة بعد إلى الاحتفاظ بالخمر، الذي هو ثمر الكروم، للمناسبات الخاصة. ففي مملكة شيلون، سيكون الخمر وفيرًا حتى إنه سيُستخدم في الأعمال المنزلية اليومية، مثل غسل الثياب (الآية 11). وفي حقيقة الأمر، ستكون مشروبات الفرح واللذة، مثل الخمر واللبن، وافرة جدًا حتى يستمتع بها الجميع (الآية 12).

لكن هذا الوصف للسلام والرخاء كان ثمنه باهظًا، وهو تقديم شيلون نفسه ذبيحةً. ثمة تلميح إلى هذا الحدث في النص. أحد التلميحات يتجلَّى في تعبير "دَمِ ٱلْعِنَبِ" (الآية 11؛ انظر إشعياء 63: 2). وثمة تلميح آخر إلى ذلك من خلال كلمة "الجحش"، الذي كان يُستخدم عادة في العالم القديم في إبرام القَسَم بالولاء. واستخدام هذا المصطلح في هذا السياق يوحي بأن شيلون سيجلب السلام على حساب التضحية بنفسه (انظر تكوين 15). جرى التلميح إلى هذا "الجحش" في مقطع مماثل في زكريا 9: 9، حيث دخل الملك المسياني إلى مدينة أورشليم راكبًا على هذا الجحش. لا يساورنا أدنى شك في معنى زكريا 9: 9، لأنه تحقَّق بالفعل بحذافيره بدخول يسوع مدينة أورشليم (متى 21: 5). وعليه، دخل المسيح أورشليم راكبًا على دابة كانت تمثِّل ذبيحة نفسه العتيدة أن تقدَّم.

ومع أن تكوين 49: 8-12 هو النص الذي يتضمَّن بركة يعقوب الأخيرة لابنه يهوذا، يُحسَب هذا النص بحسب تسلسل تاريخ الفداء نبوة بارزة ومهمة تمَّت في النهاية في يسوع المسيح. يقول النص إن سُلطة مَلَكية سترتبط بيهوذا وذريته. وستبلغ هذه السلطة أوجها عندما يأتي واحد من أبنائه ليقيم سلامًا ورخاء شاملين. ومع أن ملوكًا من سبط يهوذا، مثل داود وسليمان، نشروا وحققوا السلام بالفعل، لم يستطع حُكمهم أن ينشر هذا السلام في كل أنحاء العالم، بحيث يكون لهم "خُضُوعُ شُعُوبٍ" (الآية 10)، كما لم يتمكنوا من أن يحققوا لممالكهم رخاء له سمات أخروية (الآيتان 11-12). فقد كان داود وسليمان ظلًّا لابنٍ أعظم ليهوذا، هو رئيس السلام الحقيقي، الذي يقيم ملكوت مجده بملء بركته. فيسوع هو هذا الابن الأعظم ليهوذا، أي شيلون المسياني، الذي بموته جلب "سلامًا مع الله" (رومية 5: 1). وقد صعد إلى السماء ليكون مع أبيه، لكنه سيأتي ثانية مع "ٱلْأَجْنَادُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ" (رؤيا 19: 14)، متسربلًا "بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ" (الآية 13)، كي يهزم كلَّ من تجرأ على معارضته ومقاومته. وباتحادنا بالمسيح، صرنا "وَارِثُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ" (رومية 8: 17)، ننتظر مجيئه ثانية، حين سيؤسِّس الوطن السماوي الحقيقي، وحين سنتسربل بثياب بيض مغسولة "فِي دَمِ ٱلْخَرُوفِ" (رؤيا 7: 14).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

بيتر ي. لي
بيتر ي. لي
د. بيتر ي. لي هو أستاذ العهد القديم وعميد شؤون الطلاب بكلية اللاهوت المُصلحة في واشنطن العاصمة.