كن صبورًا معنا ونحن نتعلَّم
۲۹ أكتوبر ۲۰۲۱قضيب يهوذا
۳۰ أبريل ۲۰۲۲الحالة الوسطيَّة
غالبًا ما يواجه القسوس والخدَّام موضوع الموت والأسئلة الحتميَّة التي تصحبه. وتثير طبيعة الموت أسئلة صعبة. ليس من غير المألوف أن يُقدَّم إلى الأطفال كلمات تعزية حسنة النيَّة بعد وفاة أحد أفراد الأسرة أو أي شخص يعرفونه. غالبًا ما نقول شيئًا من قبيل "الجِدَّة في السماء"، على أمل تعزية الصغار المرتبكين والحزانى الذين يواجهون موضوعًا لا يفهمه حتى اللاهوتيُّون المتعلِّمون تمامًا. ومع ذلك، في حين أن عبارة "الجِدَّة في السماء" ليست بالتأكيد إجابة خاطئة إن كانت الجِدَّة مؤمنة بالرب يسوع المسيح، إلَّا أنَّ الإجابة غير كاملة وقد تكون مُضلِّلة. لوضع الأمر في منظور الكتابي، إن كانت الجِدَّة مؤمنة، فهي الآن في محضر الرب، تنتظر عودته وقيامة جسدها.
غالبًا ما يتم البحث في موضوع ما يحدث للأشخاص عند وفاته، ولكن كثيرًا ما يُساء فهمه في اللاهوت المسيحي، وعادةً ما يُناقش تحت عنوان "الحالة الوسطيَّة". بالنظر إلى احتماليَّة سوء الفهم، من المفيد أن نبدأ بتعريف مختصر لما نقصده عندما نتحدَّث عن الحالة الوسطيَّة. إنها تلك الفترة الزمنيَّة بين موت المؤمن (ودخوله الفوري إلى محضر الرب) وقيامة الجسد عند عودة المسيح. عندما يُقيم الرب يسوع الأموات في اليوم الأخير، ستتَّحد الأرواح التي بدون أجساد مرَّة أخرى بأجسادها، وتصبح خالدة (1 كورنثوس 15: 35-58)، كاستعدادٍ للسكن إلى الأبد في السماوات الجديدة والأرض الجديدة (رؤيا 21).
في العديد من النصوص المعروفة، يتناول بولس على وجه التحديد مسألة ما يحدث للمؤمنين بين وقت وفاتهم وعودة المسيح. بحسب 2 كورنثوس 5: 8، يدخل المؤمنون على الفور إلى محضر الله عند موتهم الجسدي. هذا ما نقصده عندما نتحدَّث عن السماء. كتب بولس الرسول قائلًا: "نُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ". كما تحدَّث بولس أيضًا عن رغبته: "أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا" (فيلبي 1: 23). عندما نموت، نكون "مَعَ الْمَسِيحِ"، حيث ندخل فورًا إلى محضر الله.
إن الصورة الكتابيَّة الأوضح للسماء هي تلك الموصوفة في رؤيا 4-6، وهو مشهد مجيد لما يحدث في العرش السماوي قبل عودة المسيح. وبينما المشهد المُعلَن هناك رائع، إلَّا أنه من الجدير بالملاحظة أن القديسين في السماء يصرخون، قائلين: "حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟" (6: 10). فمَن ماتوا قبلنا وهم بالفعل في محضر الله ويختبرون الآن الحالة الوسطيَّة يتوقون لعودة يسوع المسيح إلى الأرض في يوم القيامة والدينونة.
هناك ثلاث حالات سوء فهم كبيرة للحالة الوسطيَّة كما وصفناها للتو. أوَّل سوء فهم في الحالة الوسطيَّة، المعروفة باسم "نوم الروح"، وهو أنَّه فور موت المؤمن، "تنام" الروح حتى يوم القيامة. بحسب وجهة النظر هذه، لا يوجد إدراك واعٍ بالوجود في محضر الرب من وقت موتنا حتى يتم إيقاظنا في يوم عودة الرب يسوع. نموت ثم "ننام" حتى عودة المسيح. تناول جون كالفن وجهة النظر هذه في أطروحته اللاهوتيَّة الكبيرة الأولى، وهو الكتاب بعنوان جذَّاب "بسايكوبانيشيا" (Psychopannychia). الخطأ هنا هو أنَّ الموت يتسبَّب في حالة من اللا وعي، تشبه إلى حدٍّ كبير النوم. لا يتذكَّر المؤمنين شيئًا بعد أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة حتى استيقاظهم في القيامة. لكن وجهة النظر هذه لا تضع في الاعتبار النصوص الكتابيَّة التي تم ذكرها للتو والتي تتحدَّث بوضوحٍ عن الحضور الواعي للمؤمن مع الرب فور الموت مباشرةً، حيث يختبر أمجاد المشهد السماوي الموصوف في رؤيا 4-6.
سوء الفهم الثاني هو فكرة أن الحالة الوسطيَّة هي وقت تطهير البشر الأشرار من وجود أي خطيَّة ساكنة فيهم. والمثال الرئيسي على هذا الخطأ هو عقيدة الكاثوليك في المطهر. فكرة أن الحالة الوسطيَّة هي وقت تطهير تنشأ من الاعتقاد الخاطئ بأنَّه على الرغم من وفاة شخص مؤمنًا بالرب يسوع المسيح، فإنَّه ربما لم يصل بعد إلى حالة كافية من القداسة الشخصيَّة لدخول السماء. يلزم وقت تطهير حتى تصبح روحه بعد الموت "نقيَّة" بما يكفي للدخول إلى الفرح الشركة الكامل مع القديسين. تفترض وجهة النظر هذه أن استحقاقات يسوع المسيح وحده (أي حياته في الطاعة، وموته من أجل خطايانا) لا يمكن أن تجعل المؤمن "مُقدَّسًا" بدرجة كافية لدخول السماء عند الموت. ومع ذلك، يرتكز الإنجيل على الوعد بأن المسيح يُقدِّم كل ما نحتاج إليه ليتم احتسابنا "قدِّيسين" ونتقدَّس بفضل اتحادنا بيسوع المسيح بواسطة الإيمان. من ناحية المكانة، نحن مُقدَّسون عند تبريرنا، بينما عمليًّا، ننمو في القداسة طوال حياتنا حتى نتقدَّس تمامًا في تمجيدنا.
سوء الفهم الثالث (ربما هو الرأي الأكثر شيوعًا اليوم) هو الخلط بين الحالة الوسطيَّة (الوجود بلا جسد) والحالة الأبديَّة، فلا يوجد توقُّع لقيامة الأجساد كما يعلِّمنا الكتاب المُقدَّس بوضوح (1 كورنثوس 15: 12 وما يليها). بحسب هذا الرأي، فإنَّ الموت يحرِّر الروح ("الطاهرة" بالفعل) من الجسد الخاطئ. ونظرًا لعدم وجود قيامة من الأموات، فإنَّ البشر يوجدون بعد الموت كأرواح واعية وغير مرئيَّة. يعتقد الكثير من الناس، بما في ذلك المسيحيِّين، أن هذه الأرواح حاضرة معنا في هذه الحياة، وتقدِّم لنا العزاء والسلوان في أوقات المحن، أو عندما نحزن لفراقهم ثم "نشعر" بوجودهم. قد تكون هذه المعتقدات صادقة من القلب، ولكن ليس لها أساس كتابي، لأنَّها تتجاهل التعاليم الكتابيَّة بشأن قيامة الأجساد. يشجِّع سوء الفهم هذا أيضًا أولئك الذين يشعرون بالحزن على طلب التعزية من خلال الوجود غير المرئي لأرواح أحبَّائهم الراحلين بدلًا من الرجاء المسيحي العظيم في قيامة الأجساد.
يمكننا أن نعرف أنَّه عندما ماتت الجِدَّة لم تنم. في السماء، لا يتم تطهيرها من الخطيَّة. وإن كانت الجِدَّة مؤمنة، فإنَّها قد تمجَّدت على الفور وذهبت إلى محضر المسيح. لقد أتمَّ الرب يسوع ذلك لها على الصليب وفي حياته ذات الطاعة الكاملة. إنها تنتظر القيامة بوعي، حتى وهي ترى الآن وجه مُخلِّصها.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.