
امتحان دانيال ورفاقه
۸ أبريل ۲۰۲۵
القلب مصنعُ أصنام
۱۲ أبريل ۲۰۲۵مِحَن يسوع وتجاربه وامتحانه

من بين الحقائق المجيدة عن كون المسيح رئيس كهنتنا ليس فقط أنّه "يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ" (عبرانيّين 2: 17)، بل أيَضًا أنّه "مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ" (عبرانيّين 4: 15). هذا يتطلَّب تفكيرًا حذرًا وحريصًا. فمن ناحية، صار المسيح مثلنا، ومن ناحيةٍ أخرى، هو لا يشبهنا في كونه بقيَ دائمًا بلا خطيّة. ولذا علينا أن نُفكِّر بحرصٍ بتجارب يسوع. علينا ألا نقلِّل من جدّيّة تجاربه، ولكنْ علينا أيضًا ألّا نستنتج أنّ هذه التجارب تشابه تجاربنا في كلّ النواحي بالضبط.
أوّلًا، تعرّض يسوع للتجربة وثبت فيها. فرسالة العبرانيّين ليست الوحيدة الواضحة بشأن هذا الأمر، إذ الأناجيل تُظهِره بوضوح أيضًا. فقد جُرِّب يسوع مدّة أربعين يومًا من إبليس (متّى 4: 1-2؛ مرقس 1: 13؛ لوقا 4: 2). ومع أنّ الكلمة اليونانيّة المُترجمة إلى "جرَّب" يمكن أنْ تعني "امتحن،" فإنّه حين يكون سياق الحديث مرتبطًا بالخطيّة فعادةً ما تكون أفضل ترجمة هي "جرَّب، يجرِّب." وعلاوةً على هذا، فإنَّ رسالة العبرانيّين توضِّح أنّ تجارب يسوع اشتملت على ألم (عبرانيّين 2: 18). فبالإضافة إلى التجارب التي تعرَّض لها في بداية خدمته، لاحظ البعض أنّ يسوع تعرَّض ثلاث مرّات للتجربة في نهاية خدمته، وذلك بأن يُخلِّص نفسه وينزل عن الصّليب (متّى 27: 39-44). ولكنّ يسوع ثبت في طاعته المُنكِرة للذات لأجل إتمام مهمّته إلى النّهاية.
ثانيًا، كان ضروريًّا أن يُجرَّب يسوع مثلَنا، بما تعرَّض له من ألم، حتّى يكون رئيسَ كهنةٍ كامل (عبرانيّين 2: 10). لا يعني تكميل الابن الإلهي هنا أنّه كان فيه أيّ نقصٍ أخلاقيّ، ولكنّه يُشير إلى احتياج الابن المتجسِّد إلى أن يُكمَّل في دوره بصفته كاهنًا بشريًّا. كما أنّ هذا يؤكِّد على أهمّيّة دور الابن بوصفه إنسانًا حقًّا، متّحدًا ومتكافلًا مع الذين أتى ليخلِّصهم (عبرانيّين 2: 11). وبصيرورة الابن الأزليّ إنسانًا حقيقيًّا، صار قادرًا على التعامل مع مشكلة الخطيّة الإنسانيّة بهزيمته إبليس الذي بيده سلطان الموت. وقد عمل يسوع هذا بآلامه حتّى الموت (عبرانيّين 2: 14-17). وبانتصار يسوع على الموت في قيامته المجيدة يكون سابقَنا والأوّل فينا (عبرانيين 2: 10). يُدرِك يسوع مكانة البشريّة وهدفها اللذين أُعطيا لآدم في البداية (الآيات 5-9)، وقد أدرك وحقَّق هذا بإطاعته وتألُّمه وموته وقيامته ثانيةً. ولأنّه تألَّم حين جُرِّب، فإنّه قادرٌ على أن يعِين الذين جُرِّبوا (عبرانيّين 2: 18).
وفي الوقت نفسه، فإنّ هذه الحقيقة المجيدة، حقيقة أن يسوع انتصر بالألم الموت، حقيقةٌ مُفاجِئة أيضًا، لأنَّ الذي تألَّم هو الابن الإلهي لله. ولكنّ كاتب العبرانيّين يُخبِرنا أنَّ هذا كان لائقًا ومناسبًا (عبرانيين 2: 10). فمع أنّ يسوع هو الابن، فقد تعلَّم الطاعة ممّا تألَّم به (عبرانيّين 5: 8). فقد كان على يسوع أن يصنع الكفّارة بحسبِ طبيعتهِ البشريةِ، متحمِّلًا عقوبةَ خطايانا، رغمَ أنَّهُ كان بلا خطيئةٍ. ومع هذا، لم يكن الألمُ هو النهايةَ بالنسبة للابن المجيد، لأنّ تكميل كيانه شمل قيامته وتمجيده، لأنّه يبقى إلى الأبد رئيس كهنةٍ أمينًا بحسب قوّة حياة أبدية لا تزول (عبرانيّين 5: 9-10؛ 7: 16-17، 20-28).
ثالثًا، انتصار يسوع على التجربة ليس ضروريًّا فقط بالنسبة للطريقة التي يُتمَّم بها خلاصنا، ولكنّه يعطينا أيضًا مثالًا على المُثابرة في المحبة لله. يسوع مُخلِّصنا ومثالنا (انظر 1بطرس 2: 21-24). استهان يسوع بخزي الصليب بالنظر إلى فرح القيامة في الجهة الأخرى من الصليب (عبرانيّين 12: 2). وهذا يمنحنا التشجيع لنستمرّ في المثابرة والمجاهدة في السباق الموضوع أمامنا (عبرانيّين 12: 1).
رابعًا، نحتاج أيضًا إلى أن ننتبه إلى الفرق بين تجارب يسوع وتجاربنا. فمنذُ آدم، يُولَد كلّ الناس بصورةٍ طبيعيّة بطبيعةٍ خاطئة أثيمة وفيهم ميلٌ إلى الخطيّة. ولكنْ لم تكن هذه طبيعة يسوع. وعلاوةً على هذا، فإنّ الطبيعة البشرية ليسوع لم تكن مستقلّةً، ففي التجسّد كان ابن الله الإلهي هو العامل. وهذه الحقائق الروحيّة تؤكِّد على وجود فوارق مهمّة، على الرغم من الاتّحاد والتكافل بين يسوع وشعبه في التجربة والألم. فنحنُ ساقطون نواجه التجربة، ليسَ من خارجنا فقط، بل ومن داخلنا أيضًا. أمّا يسوع فواجه تجربةً حقيقيّة خارجيّةً، ولكنّه لم يكن منجذِبًا إلى الخطيّة داخليًّا. فبدلًا من ذلك، كانت إرادته البشريّة منسجمة ومتوافقة تمامًا مع إرادته الإلهيّة.
يمتلئ تعليم رسالة العبرانيين عن كهنوت يسوع بالأخبار السارّة. فيسوع لم يفهم الضعف البشريّ فحسب، بل واجه الألم والتجربة وانتصر أيضًا. وبكونه ابنَ الله الإلهيَّ وذا طبيعة بشريّة حقيقيّة، قدَّم الطاعة التي لم نستطِع تقديمها، وهو يمنحنا الانتصار الذي لا يمكننا اكتسابه وتحقيقه. يسوعُ "قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ" (عبرانيّين 7: 26). صعد يسوع إلى المقدِس الداخلي صائرًا مرساةً أمينةً وثابتةً لنفوسنا، حيث يخدم كاهنًا لأجلنا إلى الأبد (عبرانيّين 6: 19-20).
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.