
مِحَن يسوع وتجاربه وامتحانه
۱۰ أبريل ۲۰۲۵
العَيْش في المِحَن والتجارب والامتحانات
۱٤ أبريل ۲۰۲۵القلب مصنعُ أصنام

ما أعظم تهديدٍ مُوجَّه نحو تكريسك لله؟ أتمنّى في بعض الأحيان لو سألني شخصٌ ما هذا السؤال وأنا أصغر سنًّا. ومع هذا، فإنّ كلمة الله تعطينا الجواب. أعظم تهديد يواجه تكريس الإنسان نفسَهُ لله هو عبادة الأصنام.
عبادة الأصنام هي عبادة لشيءٍ غير الله، أو ولاء وتكريس لهذا الشيء بصورة تفوق الولاء والتكريس لله. وهي أيضًا أن نعبد شيئًا كما لو كان هو الله. وبالنظر إلى مدى تكرار وشدّة تحذير الله لنا بشأن عبادة الأصنام في الكتاب المُقدَّس، يمكننا أن نكون على يقين بأنّ عبادة الأصنام تهديد خطير لتكريس المسيحيّ الحقيقيّ لله، ولصحّته الروحيّة، ولفرحه في الربّ. ربّما تكون أمكر ناحيةٍ في عبادة الأصنام هي أنّها طبيعيّة تمامًا بالنسبة للقلب البشريّ الساقط. ليست المشكلة في كوننا قادرين على أن نصنع أصنامًا، بل في كوننا نصع الأصنام بصورة آليّة وطبيعيّة. هذا ما يُشير إليه جون كالڤن في قوله: "القلب البشري مصنعٌ للأصنام بشكل دائم."
عبادة الأصنام في الكتاب المُقدَّس
عبادة الأصنام مسألة متكرِّرة في العهد القديم. كان على يعقوب أن يقول لعائلته: "اعْزِلُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ" (تكوين 35: 2). ونعرف حادثة العجل الذهبي الشهيرة (خروج 32). وصنع يربعام، ملك إسرائيل "عِجْلَيْ ذَهَبٍ" أيضًا (1ملو 12: 28). وطبعاً، شملت عبادة الأصنام وجود وعبادة أشياء صنعة الأيدي. ومع هذا نرى أيضًا أصنام القلب (حزقيال 14: 3).
استمرّت عبادة الأصنام مسألةً ذات أهمّيّة في العهد الجديد. نراها في قوائم السلوكيّات الأثيمة (غلاطيّة 5: 20؛ 1بطرس 4: 3). وقد قابل الرسول بولس مدنًا تمتلئ بالأصنام (أعمال 17: 16). وناشد الرسول يوحنا المؤمنين قائلًا: "أَيُّهَا الأَوْلاَدُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الأَصْنَامِ" (1يوحنا 5: 21). ويتحدث سفر الرؤيا عن أناس رفضوا التخلي عن عبادة الأصنام (رؤيا 9: 20).
قد نتساءل عن سبب كون عبادة الأصنام أمرًا بهذا السوء. مؤكَّد أنَّ تقديم العبادة والتكريس، اللذين يستحقّهما الله فقط، لشيءٍ غير الله خطأٌ بصورة غير قابلة للتشكيك، ولكنّ الرب مهتمّ بالدرجة نفسها بكيفيّة تأثير عبادة الأصنام علينا. إنّها تُبعِدنا عن الله (حزقيال 14: 5). وبكلماتٍ أخرى، حين نعبد الأصنام يصير الله غريبًا بالنسبة لنا. نحنُ نجاهد لنعرفه، ولنمجِّده، ولنتمتّع به. ويريدنا الله حقًّا أن نعرفه. والحقيقة هي أنّ الحياة الأبديّة هي أن نعرف الله (يوحنا 17: 3). أعتقد أنّ الله يُبغِض عبادة الأصنام للسبب الذي لأجله أنا أُبغِض الخرف، إذْ هو يجعل الناس الذين أحبُّهم ينسون مَن أنا. فنحنُ المسيحيّيون نؤمن أنّه ليس من امتيازٍ أعظم من امتياز معرفة الله. فكلّما ازدادت معرفتنا له ازداد حبُّنا له وثقتنا به. وكلّما ازداد حبُّنا له وثقتنا به، ازداد تغييره لنا. فليس مجد الله هو السبب الوحيد الذي لأجله ينبغي أن نتترك أصنامنا، إذ نتركها لأجل فرح معرفته أيضًا. والخطوة الأولى في هذه العملية هي أن نحدِّد أصنامنا.
تحديد الأصنام
يتطلَّب تحديد الأصنام عملًا قلبيًّا متواضعًا صعبًا. قد يتطلّب مساعدةً من صديقٍ مؤمن ناضج أو من راعٍ. هدف هذا العمل هو إدراك الأشياء التي صارت أو تصير أكثر أهمّيّة من الله. قد تكون هذه الأشياء أثيمة، ولكنّها قد تكون جيّدة. وكثيرًا ما تحوِّل قلوبنا، التي تصنِّع أصنامًا، أشياءَ جيّدةً إلى إلهٍ.
نرى في الكتاب المُقدَّس الناس يقدِّمون الذبائح لأصنامهم. هل في حياتك أشياء يبدو أنّك تقدِّم لها الكثير من الذبائح والتضحيات المحزِنة؟ ومن الأمثلة على ذلك: موظَّف يجعل عمله صنمًا يضحّي على مذبحه بوقت العائلة الضروريّ؛ طالب يجعل الدرجات صنمًا يذبح لأجله استقامته بالغشّ؛ مدير يجعل السيطرة صنمًا يضحّي على مذبحه بحرّيّه موظّفيه وسعادتهم. إنْ نظرتَ إلى الطريقة التي بها تتجاهل الآخرين أو تؤثِّر بهم سلبًا، فقد تكتشف أنّ ذلك يعود إلى أنَّ قلبك صنع صنمًا.
استبدال الأصنام
الطريقة الكتابية للتعامل مع الصنم ليست فقط في رفضه، بل في استبداله. الصنم شيءٌ أخذ ما هو من حقّ الله – أنْ يكون الله الأوَّل في قلبك. ولذا، فإنّ التوبة عن عبادة الأصنام تشمل إعادة الله إلى المكان الذي له. كما تقول الترنيمة: "أختارك أن تكون الأوّل، وقبل أيّ شيء." ولكن كيف نعمل هذا؟ نحتاج إلى ما دعاه خادم القرن التاسع العشر الاسكتلندي توماس تشالمرز (Thomas Chalmers) "القوّة الطاردة للمحبّة الجديدة." المحبة الجديدة أو النامية لله هي الشيء الوحيد الذي يطرد الأصنام من قلوبنا ويمكِّننا من جعل الله الأوّلَ ثانيةً. لهذا السبب بشارة الإنجيل هي العلاج الأسمى والنهائيّ للأصنام.
يغمر الإنجيل القلوب بالحب لله لأنّه يذكِّرنا بمحبّة الله التي تسمو على القياس لنا. كما قال يسوع: "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 3: 16). لا تهتمّ الأصنام بنا. بل إنّها لا تمنحنا ما نأمل، بحماقتنا، بالحصول عليه منها. وفي هذه الأثناء، أظهر الله مقدار محبته لنا ومقدار تكريسه لنا. أظهر أنّه مكرَّس لأن يباركنا "بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ" (أفسس 1: 3). قد تكون الأصنام أعظم تهديد لتكريسنا وولائنا لله، ولكنّ ليس من تهديدٍ لأصنامنا أعظم من تكريس الله لنا.
حين تجد أنّ شيئًا صار، أو يوشك أن يصير، أهمَّ من الله بالنسبة لك، فانظر إلى الصّليب. تذكَّر أنّ "اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (روميّة 5: 8). نحنُ مُذنِبون بتقديم ذبائح وتضحياتٍ أنانيّة لأصنامٍ لا قيمة لها. ولكنّنا بالإيمان ننال الغفران، لأنّ المسيح أحبَّنا حبًّا كافيًا "لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ" (عبرانيّين 9: 26). أصلّي أن نسمح للإنجيل بأن يجدِّد محبَّتنا لله ويطرد الأصنام من قلوبنا.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.